كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ٣

الشيخ جعفر كاشف الغطاء

كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ٣

المؤلف:

الشيخ جعفر كاشف الغطاء


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-371-030-3
الصفحات: ٥٥٢

أكثر المكلّفين عن شُغل الذمّة بالفرائض ، مع خلوّ الخطب والمواعظ عن الإشارة إلى ذلك.

وأمّا مع ضيق الفريضة فلا كلام في حُرمة التأخير ، وعليه ينزّل كثير من الأخبار المانعة.

وأمّا الحكم بفساد النافلة ، فهو الأقوى ، لأمن جهة النهي عن الضدّ الخاص ، بل لأنّ الذي يظهر من تتبّع الأخبار أنّ التعارض بين العبادتين المتجانستين مع ضيق إحداهما دون الأُخرى يقتضي فساد الأُخرى إذا فعلت ، بخلاف غير المجانسة ، وفي خصوص الصلاة يظهر ذلك ، وعليه ينزّل أكثر أخبار منع التطوّع وقت الفريضة.

وأمّا تعارض الفاضل والمفضول من السنن مع الضيق والسعة ، فلا يؤثّر فساداً في شي‌ء منها.

المبحث الثاني : في أنّ ما يتعلّق بها من الآداب الخارجة ، ممّا (١) يتعلّق بالأزمنة والأمكنة ، [إنّما هو من المكمّلات] حتّى الأغسال المستحبّة ، والدعوات ، والأذكار ، ونزاهة المكان ، والثياب من القذارات ، ونحوها من الاداب ، إنّما هو من المكمّلات ، وليس من الشرائط اللازمات.

وهذا يجري في جميع المندوبات ، كالزيارات ونحوها ، فغسل زيارة الجامعة ، وتكبيراتها ، وأغسال الزيارات مطلقاً ، وصلواتها ، وأعمال زيارة عاشوراء ووظائفها ، ووظائف جميع العبادات من المحسّنات ، كما يظهر من اختلاف الروايات إلا ما قام الدليل على خلافه. ولو ترك فعلاً أو قولاً أو نقص عدداً ، لم يكن بأس.

المبحث الثالث : لو دار الأمر بين فعل مكروه الصلاة باعتبار زمان أو مكان أو لباس أو غيرها وتركها ، ترجّح فعلها.

__________________

(١) في «م» ، «س» زيادة : لا.

٣٠١

ومثل ذلك يجري في كلّ سنّة قويت على كراهة ، كلبس السواد حُزناً على فقد الأنبياء والأئمّة عليهم‌السلام ، خصوصاً سيّد الشهداء عليه‌السلام. وربّما يسري إلى العلماء والصلحاء. وكمسجد أو روضة اتّخذت مقبرة.

ولو دار بين أقسام المكروهات المختلفة الجنس ، كمكروه الزمان والمكان واللباس ؛ أو المختلفة النوع ، كالدوران بين الحمام والمقابر ، أو بين الطلوع والغروب ، وبين اللّباس الأسود الغليظ ، والأبيض الصفيق ؛ أو الصنف ، كبعض السواد مع بعض ، والمقابر والحمّامات كذلك ، فينبغي ملاحظة الشدّة والضعف في أسباب الكراهة ، كما في تعارض السنن من جهة المسجديّة وغيرها ، وفي هذا المقام مباحث جليلة.

المبحث الرابع : في أنّ التبعيض والجمع يقتضي تبعيض الحكم ، سواء كان بين المستحبّ والخالي عن الاستحباب ، أو المستحبين ، أو المكروه والخالي عن الكراهة ، أو المكروهين ، أو المستحبّ والمكروه ، كصلاةٍ نصفها قبل وقف المسجد ونصف بعده ، أو صلّى في المسجد بعض الصلاة أو في غيره ، ثمّ تخطّى قليلاً ، فأتمّ في غيره.

أو تبعّض بدنه قائماً أو جالساً أو مضطجعاً بينهما.

أو صلّى بين مسجدين في الفضل مُختلفين ، أو مقبرة أو أرض خسف ونحوهما بجنب الخالي عنهما ، أو أحدهما بجنب صاحبه ، أو بجنب مسجد ، ويجري في الجميع ما جرى في الأوّل.

ويجري مثل ذلك في فعل الصلاة بلباسين ، أو بواحدٍ مُشتملةٍ أبعاضه على صفيق ، وفي الوقتين المختلفين ، فيلحظ في تقدير الاستحباب والكراهة ، وشدّتهما وضعفهما مقدار سببهما كمّاً أو قوّة وضعفاً ، وعلى الفقيه أن يلحظ الميزان في مثل هذا المكان.

المبحث الخامس : في أنّه يجوز لكلّ من المجتهدين والأعوام الرجوع إلى الروايات من دون فرق بين ضعيفها وغيره ، وإلى المجتهدين من الأحياء والأموات ، مع الرجوع إليهم قبل الموت وبعده ، عن شفاهٍ أو بواسطةٍ حيث يمكن ، أو كتاب.

٣٠٢

والظاهر عدم اشتراط الاعتماد على الكتاب ، ولا على صاحبه ، ويكفي مجرّد معرفة إماميّته في أمر النوافل ، بل جميع السنن ، ممّا علم أصله وجهلت خصوصيّته ، من صلوات موافقة للهيئات المعلومة دون مثل صلاة الأعرابي أو ذكر ، أو دعوات ، أو قراءة ، أو تعقيبات ، بحسب الزمان أو المكان أو الوضع أو العدد ، ونحوها ، مع الأمن من التحريم والكراهة ، والدوران بين الأحكام الثلاثة.

وبذلك يكون مُستحبّاً شرعيّاً ؛ لأنّ الاحتياط في أمر السنن حجّة في ثبوتها ، كما أنّ الاحتياط في الواجبات كذلك. وأيّ دليل أقوى من دليل العقل وعموم الاحتياط وقضاء السيرة كما لا يخفى على ذي بصيرة.

المبحث السادس : في أنّه إذا دار الأمر بين أداء ما لها قضاء على أخسّ الأحوال ، وبين القضاء على أحسن الأحوال ، من قيام وقراءة سورة ونحو ذلك ، قدّم الأداء.

ولو دار الأمر بين الإتيان بمحسّنات القراءة من تمهّل وترسّل ووقف ، وبين نقص السورة كلا أو بعضاً ، وكذا بين الإتيان بالتسبيحات عوض القراءة أو في الركوع أو السجود مثلاً وقفاً وترتيلاً مع النقص في العدد ، وبين الإتمام ، رجّح الإتمام.

ويجري مثله في الإتيان بواحد من الأذان والإقامة مع المحافظة على السنن ، وبين الإتيان بهما معاً بدون ذلك.

المبحث السابع : في أنّ إخراجها إلى صفة الوجوب لتحصيل زيادة فضيلة الواجب لا رُجحان فيه ؛ لمنع رجحانيّة الواجب على المندوب في الثواب مطلقاً ؛ ولأنّه لو كان الحال على ذلك لم يخف على الأنبياء والعلماء ، ولذهبت السنن من الشريعة غالباً.

المبحث الثامن : في أنّه لا يجوز قطع النافلة ، فيحرم القطع بتحريمها ، ويحلّ

٣٠٣

بتحليلها ، كما في الفريضة الموسّعة ، فيجوز فيها لمعارضة فريضة مضيّقة ، أو خوف ضررٍ على نفسٍ محترمة أو مالٍ أو عرضٍ. ولو أمكن الإتمام ذاهباً راكباً أو ماشياً ، أتمّ ، ويقطع لخوف فوت الجماعة.

المبحث التاسع : في أنّ الأوقات متساوية في ذوات الأسباب ، والكراهة مخصوصة بالنوافل المبتدأة ، فلا كراهة في مقضيّة ، ولا صلاة زيارة ، ولا تحيّة ، ولا غيرها من ذوات الأسباب.

المبحث العاشر : في أنّ النافلة إن صلاها من قيام فلا تضعّف ، وإن صلاها من جلوس ضعّفها ، واحتسب الركعتين بركعة استحباباً. ولو صلّى من جلوس فقام للرّكوع ، احتُسب له بصلاة القائم.

المبحث الحادي عشر : في أنّ الفرائض من توجّه ودعاء وتكبيرات وتكريرات وتسليمات وتعقيبات جارية في النوافل ؛ لأنّ المطلق إذا تعلّق به خطاب ، ثمّ بيّن أحد أقسامه ، ظهر من ذلك المساواة بينها ، سوى ما استثني.

المبحث الثاني عشر : في أنّه لا قضاء في غير الرواتب منها ، ولا في شي‌ء من العبادات ممّا لا نصّ على قضائه.

ولا ترتيب في قضاء ما يقضى منها.

المبحث الثالث عشر : في أنّه تجوز النيابة فيها عن الأموات ، قضاءً وأداءً ، تبرعاً وبعِوَض ، ولا تجوز عن الأحياء مطلقاً ، إلا فيما استثني ، كصلاة الزيارة ، والإحرام ، والطواف المستحبّ ، مُنضمّة ومع الانفراد ، في وجهٍ قوي.

المبحث الرابع عشر : في أنّه يحرم الإتيان بكلّ تطوّع من العبادات بالمعنى الأخصّ

٣٠٤

مع منع المولى وأحد الوالدين. ومع الجهل لا يجب الفحص (إلا فيما ينافي خدمة المولى) (١).

المبحث الثاني عشر : في صلاة الجماعة وفيها أبحاث :

الأوّل : في بيان حكمها

وهي شرط في الجمعة ، وواجبة فيها تعييناً في مقام التعيين ، وتخييراً في مقام التخيير.

وتجب في صلاة العيدين مع شروط عينيّة الجمعة (وعلى من لا يدري كيفيّة صلاة المنفرد ، ومن الزم بمعاوضة أو نذر أو نحوهما) (٢) ومع الخلوّ عن الشروط لا تجب فيها ، كما لا تجب في زمان الغيبة وما أشبهها ، والظاهر استحبابها.

ولا تجوز في النوافل الأصليّة سوى صلاة الاستسقاء ، وفي صلاة الغدير قول (٣) ، وإن وجبت بالعارض لعقد معاوضةٍ أو لنذرٍ ونحوه.

وتُستحبّ ما لم تجب لذلك في الفرائض اليوميّة ، وصلاة الآيات ، وإن استحبّت بالعارض كإعادة مُستحبة مع الإمام ، أو لاحتياط فيها أو في قضائها ، وفي صلاة الجنازة.

ويؤم الرجال مثلهم ، والنساء ، والمشتبه بينها وبينهم ، صغاراً وكباراً.

ولا يؤم النساء سوى النساء ، لا في الاستدامة كما إذا عرضَ للإمام عارض ولا في الابتداء ، وإن استحبّت لتكريرها ، أو لكونها صلاة جنازة على صغير لم يبلغ الستّ.

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في «س» ، «م».

(٢) ما بين القوسين ليس في «س» ، «م».

(٣) الكافي في الفقه : ١٦٠.

٣٠٥

وتصحّ ، بل تستحبّ صلاة كلّ من المفترض والمتنفّل بالعارض دون مثل الاستسقاء خلف الأخر في صورة الجواز مع المماثلة.

ونقصان القراءة في صلاة الأجير لا تقضي بنقصان ، ولا تقضي بعدم الوفاء بالصلاة مع النذر مثلاً أو المعاوضة.

واختلاف الفرضين مع المساواة في الهيئة وإن اختلفتا بالكم كرباعيّة من الفرائض اليوميّة وثلاثيّة وثنائيّة لا مانع منه ، بخلاف مُختلفَي الهيئة ، كيوميّة أدائيّة أو مقضيّة ، مع آئيّة أو عيديّة ، أو إحدى الأخيرتين مع الأُخرى.

وفي اليوميّة مع الجمعة لمن لم يتعيّن عليه بالحضور لو قلنا به وجهان : أقربهما المنع.

ولو نوى بزعم أن الإمام مُفترض أو مُماثل ، فظهر الخلاف ، انعقدت صلاته مُنفرداً على إشكال.

ولو نذر الجماعة في الصلاة مثلاً ، عصى بترك الصفة ، وكفّر له إن صلّى ، وإلا فلا معصية ولا كفّارة.

ولو علّق النذر بالصلاة جماعة ، عصى بترك الصفة والموصوف معاً ، وبترك الصفة وحدها ، وتلزمه كفّارة واحدة ، ويصحّ الموصوف في المقامين إن لم يترتّب تشريع في البين.

البحث الثاني : في بيان مقدار فضلها

ولها فضل عظيم ، وأجر جسيم. وروى : أنّ الصلاة في جماعة تفضل على صلاة الفرد بأربعة وعشرين درجة ، تكون بخمسة وعشرين صلاة (١) ، وأنّ من تركها رغبة عنها وعن جماعة المؤمنين من غير علّة فلا صلاة له (٢).

وأنّ صفوف الجماعة كصفوف الملائكة ، والركعة في الجماعة أربعة وعشرون

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٥ ح ٨٥ ، ثواب الأعمال ٥٩ ح ١ ، الوسائل ٥ : ٣٧١ أبواب صلاة الجماعة ب ١ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٣٧٢ ح ٦ ، التهذيب ٣ : ٢٤ ح ٨٣ ، الوسائل ٥ : ٣٧١ أبواب صلاة الجماعة ب ١ ح ٢.

٣٠٦

ركعة ، كلّ ركعة أحبّ إلى الله تعالى من عبادة أربعين سنة (١). وأنّ من حافظ على الجماعة حيث كان ، مرّ على الصراط كالبرق الخاطف اللامع في أوّل زمرة مع السابقين ، ووجهه أضوأ من القمر ليلة البدر ، وكان له بكلّ يوم وليلة حافظ عليها ثواب شهيد (٢).

وأنّ من صلّى الفجر في جماعة ، ثمّ جلس يذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس ، كان له في الفردوس سبعون درجة ، بُعد ما بين كلّ درجتين كحضر الفرس الجواد المضمر سبعين سنة.

ومن صلّى الظهر في جماعة ، كان له في جنّات عدن خمسون درجة ، بُعد ما بيّن كلّ درجتين كحضر الفرس الجواد خمسين سنة.

ومن صلّى العصر في جماعة ، كان له كأجر من أعتق ثمانية من ولد إسماعيل عليه‌السلام.

ومن صلّى المغرب في جماعة ، كان له كحجّة مبرورة ، وعمرة مقبولة.

ومن صلّى العشاء في جماعة ، كان له كليلة القدر (٣).

وأن من مشى إلى مسجد يطلب فيه الجماعة ، كان له بكلّ خطوة سبعون ألف حسنة ، ويرفع له من الدرجات مثل ذلك.

وأنّ من مات وهو على ذلك ، وَكّلَ الله به سبعين ألف ملك يعودونه في قبره ، ويبشّرونه ويؤنسونه في وحدته ، ويستغفرون له حتّى يبعث (٤).

وأنّ الله يستحيي من عبده إذا صلّى في جماعة ، ثمّ سأله حاجته أن ينصرف حتّى يقضيها (٥).

__________________

(١) أمالي الصدوق : ١٦٣ ح ١ ، الوسائل ٥ : ٣٧٢ أبواب صلاة الجماعة ب ١ ح ١٠.

(٢) عقاب الأعمال : ٣٤٣ ، الوسائل ٥ : ٣٨٧ أبواب صلاة الجماعة ب ٨ ح ٤.

(٣) أمالي الصدوق : ٦٣ ح ١ ، الوسائل ٥ : ٣٧٣ أبواب صلاة الجماعة ب ١ ح ١١.

(٤) الفقيه ٤ : ١٠ ح ١ ، الوسائل ٥ : ٣٧٢ أبواب صلاة الجماعة ب ١ ح ٧.

(٥) تنبيه الخواطر ١ : ٤ ، الوسائل ٥ : ٣٧٤ أبواب صلاة الجماعة ب ١ ح ١٥.

٣٠٧

وأنّ فضل الجماعة على الفرد ألفا ركعة (١).

وفي الروضة : أنّ الصلاة الواحدة جماعة تعدل خمساً أو سبعاً وعشرين صلاة مع غير العالم ، ومعه ألفاً ، ولو وقعت في مسجد تضاعف بمضروب عدده في عددها ، ففي الجامع غير العالم ألفان وسبعمائة ، ومعه مائة ألف ، وروى : أنّ ذلك مع اتحاد المأموم ، فلو تعدّد ، تضاعف بقدر المجموع في سابعة إلى العشرة ، ثمّ لا يحصيه إلا الله تعالى (٢) انتهى.

وإذا احتسب فضلها على الانفراد بألفين ، قَصُر عن حصره مع قطع النظر عمّا رواه أخيراً الكُتّاب والحسّاب ، ويشتدّ استحبابها في الصبح والعشاءين.

ويُستحبّ للإمام تأخير الوقت لإدراك الجماعة ، ولو أمكنه التأخير حينئذٍ إلى آخر وقت الأُولى وأوّل وقت الثانية ، كان أولى.

البحث الثالث : في بيان شدّة طلبها وكراهة تركها

روي : أنّ من سمعَ النداء فلم يُجبه من غير علّة فلا صلاة له (٣).

وأنّ من سمع النداء من جيران المسجد فلم يجب فلا صلاة له (٤).

وأنّه لا صلاة لمن لم يصلّ في المسجد مع المسلمين (٥).

وأنّه لا صلاة لمن لم يشهد الصلاة من جيران المسجد ، إن لم يكن مريضاً أو مشغولاً (٦).

وأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اشترط على جيران المسجد شهود الصلاة ، وقال : «لينتهين أقوام لا يشهدون الصلاة ، أو لآمرنّ مؤذّناً يؤذّن ، ثمّ يقيم ، ثمّ أمر رجلاً

__________________

(١) تحف العقول : ٤١٧ ، الوسائل ٥ : ٣٧٤ أبواب صلاة الجماعة ب ١ ح ١٨.

(٢) الروضة البهيّة ١ : ٧٩٠ ، الوسائل ٥ : ٣٧٤ أبواب صلاة الجماعة ب ١ ح ١٦.

(٣) الكافي ٣ : ٣٧٢ ح ٥ ، التهذيب ٣ : ٢٤ ح ٨٤ ، الوسائل ٥ : ٣٧٥ أبواب صلاة الجماعة ب ٢ ح ١.

(٤) المحاسن : ٨٥ ذ. ح ٢١ ، الوسائل ٥ : ٣٧٧ أبواب صلاة الجماعة ب ٢ ح ١٢.

(٥) الفقيه ٣ : ٢٥ ح ٦٥ ، التهذيب ٦ : ٢٤١ ح ٥٩٦ ، الوسائل ٥ : ٣٧٦ أبواب صلاة الجماعة ب ٢ ح ٨.

(٦) الفقيه ١ : ٢٤٥ ح ١٠٩١ ، الوسائل ٥ : ٣٧٥ أبواب صلاة الجماعة ب ٢ ح ٣.

٣٠٨

من أهلي ، وهو عليّ عليه‌السلام ، فليحرقنّ على أقوامٍ بيوتهم بحزم الحطب» (١).

وأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لقوم لتحضرنّ المسجد أو لأحرقنّ عليكم منازلكم

(٢). وأنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم همّ بإحراق قوم في منازلهم كانوا يصلّون في منازلهم ، ولا يصلّون مع الجماعة ، فأتاه رجل أعمى فقال له : يا رسول الله ، أنا ضرير البصر ، وربّما أسمع النداء ، ولا أجد من يقودني إلى الجماعة والصلاة معك ، فقال له : «شدّ من منزلك إلى المسجد حبلاً ، واحضر الجماعة» (٣).

وأنّ قوماً كانوا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبطأوا عن الصلاة في المسجد فقال ليوشك قوم يدعون الصلاة حتّى يؤمر بحطب ، فيوضع على أبوابهم ، فتوقد عليهم نار ، فتحرق عليهم بيوتهم

(٤). وهذه الأخبار منزّلة على التماهل التكاسل المؤذنين بعدم الاكتراث والاعتقاد ، كما أنّ كثيراً من أخبار الجمعة كذلك.

ومن العلل القاضية بالرخصة : ابتلال النعال ، فضلاً عن الوهاد (٥) بالمطر ؛ لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا ابتلت النعال بالباء أو النون فالصلاة في الرحال (٦). وعن الرضا عليه‌السلام أنّ الصلاة في جماعة أفضل من الصلاة وحده في مسجد الكوفة (٧).

__________________

(١) عقاب الأعمال : ٢٧٦ ح ٢ ، أمالي الصدوق : ٣٩٢ ح ١٤ ، الوسائل ٥ : ٣٧٦ أبواب صلاة الجماعة ب ٢ ح ٦.

(٢) الفقيه ١ : ٢٤٥ ح ١٠٩٢ ، الوسائل ٥ : ٣٧٦ أبواب صلاة الجماعة ب ٢ ح ٤.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٦٦ ح ٧٥٣ ، الوسائل ٥ : ٣٧٧ أبواب صلاة الجماعة ب ٢ ح ٩.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٥ ح ٨٧ ، الوسائل ٥ : ٣٧٧ أبواب صلاة الجماعة ب ٢ ح ١٠.

(٥) النعال : النعل من الأرض شبه أكمة صلب يبرق حصاه لا ينبت شيئاً ، ونعلها غلظها ، وإذا وصفت أرضاً غليظة قلت منعلة ، انظر العين ٢ : ١٤٣ ، وجمهرة اللغة ٢ : ٩٥. والوهاد : الوهدة من الأرض المطمئن الغامض. جمهرة اللغة ٢ : ٦٨٩.

(٦) الفقيه ١ : ٢٤٦ ح ١٠٩٩ ، الوسائل ٥ : ٣٧٦ أبواب صلاة الجماعة ب ٢ ح ٥.

(٧) التهذيب ٣ : ٢٥ ح ٨٨ ، الوسائل ٣ : ٥١٢ أبواب أحكام المساجد ب ٣٣ ح ٤.

٣٠٩

وروى في مقابله : أنّ الصلاة وحده في المسجد الحرام أفضل من الصلاة جماعة في منزله (١). وأنّ الصلاة في مسجد الكوفة فرداً أفضل من سبعين صلاة في غيره جماعة (٢). وأنّ المصلّي في المسجد أحبّ من المصلّي جماعة (٣).

وكلّ من الجماعة والمساجد ورد فيه تشديد ، وتأكيد ، وبطلان الصلاة ، وإحراق البيوت ، ونحو ذلك ، غير أنّه لا تبعد أهميّة الجماعة في نظر الشارع.

ويمكن تنزيل بعض أخبار المساجد على الجماعة ، أو الجماعة عليها ، أو الفرق بين الجماعات في قلّتها وكثرتها ، واختلاف مراتب الأئمّة والمأمومين ، وبين المساجد في فضيلتها.

وعلى ذلك يُحمل اختلاف مقادير الفضل ، وهذا بالنسبة إلى الرجال.

وأمّا النساء فقد ورد في حقهنّ : أنّ صلاتهنّ في البيت كفضل خمسة وعشرين من صلاة الجمع (٤) ، وأنّ خير مساجد النساء البيوت (٥) ، وأنّ خير مساجد نسائكم البيوت (٦) ، وأنّ صلاة المرأة في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها ، وصلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في الدار (٧).

البحث الرابع : فيما تنعقد به الجماعة

أقلّ ما تنعقد به امرأتان ، إحداهما الإمام ، أو رجل وامرأة كذلك ، ولو كان المأموم مميّزاً ففي الخبر الانعقاد به ؛ ، (٨) وفيه شهادة على ما نختاره من صحّة عبادة

__________________

(١) الكافي ٤ : ٥٢٧ ح ١١ ، الوسائل ٣ : ٥١١ أبواب أحكام المساجد ب ٣٣ ح ١.

(٢) ثواب الأعمال : ٥٠ ، الوسائل ٣ : ٥١٢ أبواب أحكام المساجد ب ٣٣ ح ٢.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٦١ ح ٧٣٤ ، الوسائل ٣ : ٥١٢ أبواب أحكام المساجد ب ٣٣ ح ٣.

(٤) مكارم الأخلاق : ٢٣٣ ، الوسائل ٣ : ٥١٠ أبواب أحكام المساجد ب ٣٠ ح ٥.

(٥) الفقيه ١ : ٢٤٤ ح ١٠٨٨ ، الوسائل ٣ : ٥١٠ أبواب أحكام المساجد ب ٣٠ ح ٣.

(٦) الفقيه ١ : ١٥٤ ح ٧١٩ ، التهذيب ٣ : ٢٥٢ ح ٦٩٤ ، الوسائل ٣ : ٥١٠ أبواب أحكام المساجد ب ٣٠ ح ٤.

(٧) الفقيه ١ : ٢٥٩ ح ١١٧٨ ، الوسائل ٣ : ٥١٠ أبواب أحكام المساجد ب ٣٠ ح ١.

(٨) التهذيب ٣ : ٥٦ ح ١٩٣ ، قرب الاسناد : ٧٢ ، الوسائل ٥ : ٣٨٠ أبواب صلاة الجماعة ب ٤ ح ٨.

٣١٠

المميّز ، كما في قبول أذانه.

وتنعقد بالمميّزين بإمامة أحدهما الأخر ، وإن لم يجز للمكلّف الاقتداء به. والبناء على التمرين المحض في خصوص الإمامة غير بعيد.

وما ورد من «أنّ المؤمن وحده جماعة» (١) فقد يُراد به صلاة الملائكة خلفه ، أو أنّ الله تعالى يضاعف له الثواب تفضّلاً.

ولو نذرَ الإمامة أو المأموميّة فامتنع المأمومون أو الإمام إلا ببذل الأُجرة ، في وجوب بذل الأُجرة وإن حرم الأخذ مع الاطمئنان بقصد القربة وجه قويّ ، وليس من الإعانة على الإثم كالبذل للصادّ عن العبادة.

ويجري مثل ذلك في أخذ الأُجرة على تغسيل الأموات ، والصلاة عليهم. وربّما يُلحق بذلك أخذ الأُجرة على الأذان ونحوه مع الاطمئنان.

ثمّ في حمل الفعل على الصحّة لاحتمال القربة إشكال.

وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من صلّى خلف عالم ، فكأنّما صلّى خلف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢). ولو لم يكن الإمام قابلاً ، أو كان وليس في المأمومين من تصحّ صلاته ، لم تكن جماعة ، سواء كان الفساد لإهمال بعض الشروط أو حصول بعض الموانع مثلاً ، أو لفساد العقيدة ؛ لأنّا لا نرتضي القول بصحّة عبادة المخالف ولو تعقّبها الإيمان ، ولا تأثير له في الصحّة ، ولا كشف بسببه.

ولكن الصلاة بهم ومعهم لها فضل عظيم ، وثواب جسيم ، فقد روي : أنّ من صلّى خلفهم في الصفّ الأوّل ، كان كمن صلّى مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الصف الأوّل (٣).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٧١ ح ٢ ، الفقيه ١ : ٢٤٦ ح ١٠٩٦ ، التهذيب ٣ : ٢٦٥ ح ٧٤٩ ، الوسائل ٥ : ٣٧٩ أبواب صلاة الجماعة ب ٤ ح ٢ ، ٥.

(٢) الذكرى : ٢٦٥ ، الوسائل ٥ : ٤١٦ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٦ ح ٥.

(٣) الفقيه ١ : ٢٥٠ ح ١١٢٦ ، أمالي الصدوق : ٣٠٠ ح ١٤ ، الوسائل ٥ : ٣٨١ أبواب صلاة الجماعة ب ٥ ح ١.

٣١١

وأنّ من صلّى معهم غفر له بعدد من خالفه (١).

وأنّه يحسب للمصلّي معهم ما يحسب لمن صلّى مع من يقتدى به (٢).

وأنّ من يحضر صلاتهم كالشاهر سيفه في سبيل الله تعالى (٣).

وأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنكحهم ، وعليّ عليه‌السلام صلى خلفهم (٤) ، والحسن عليه‌السلام والحسين عليه‌السلام صلّيا خلف مروان (٥).

وأنّ من صلّى معهم خرج بحسناتهم ، وألقى عليهم ذنوبه (٦).

وأنّ الصلاة معهم بخمسة وعشرين صلاة (٧).

وأنّ الإماميّة مأمورون بأن لا يحملوا الناس على أكتافهم ، بل يعودون مرضاهم ، ويشيّعون جنائزهم ، ويصلّون معهم ، وإن استطاعوا أن يكونوا أئمّتهم أو المؤذّنين فعلوا (٨).

وأنّ الإمامية أحقّ بمساجدهم منهم (٩).

ولا بدّ من نيّة الانفراد معهم ، وإظهار الدخول في جماعتهم ، ثمّ يأتي بما أمكنه ، مع اللّحوق بأئمّتهم من قراءة ولو كحديث النفس أو أذكار ، أو غيرها.

والأفضل أن يصلّي الفريضة قبل ، ثمّ يحضر معهم ، ثمّ له أن يعكس ، ويجعل الصلاة معهم سُبحة.

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٦٥ ح ١٢١١ ، وص ٣٥٨ ح ١٥٧٢ ، الوسائل ٥ : ٣٨١ أبواب صلاة الجماعة ب ٥ ح ٢.

(٢) الكافي ٣ : ٣٧٣ ح ٩ ، الفقيه ١ : ٢٥١ ح ١١٢٧ ، التهذيب ٣ : ٢٦٥ ح ٧٥٢ ، الوسائل ٥ : ٣٨١ أبواب صلاة الجماعة ب ٥ ح ٣.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٧٧ ح ٨٠٩ ، الوسائل ٥ : ٣٨٢ أبواب صلاة الجماعة ب ٥ ح ٧.

(٤) نوادر أحمد بن محمّد بن عيسى : ١٢٩ ح ٣٢٩ ، الوسائل ٥ : ٣٨٣ أبواب صلاة الجماعة ب ٥ ح ١٠.

(٥) مسائل علي بن جعفر : ١٤٤ ح ١٧٣ ، الوسائل ٥ : ٣٨٣ أبواب صلاة الجماعة ب ٥ ح ٩.

(٦) التهذيب ٣ : ٢٧٣ ح ٧٨٩ ، الوسائل ٥ : ٣٨٥ أبواب صلاة الجماعة ب ٦ ح ٦.

(٧) انظر الوسائل ٥ : ٣٨٣ أبواب صلاة الجماعة ب ٦ ح ١ ، ٢.

(٨) المحاسن : ١٨ ح ٥١ ، الوسائل ٥ : ٣٨٢ أبواب صلاة الجماعة ب ٥ ح ٨.

(٩) التهذيب ٣ : ٥٥ ح ١٩٠ ، الوسائل ٥ : ٣٨٢ أبواب صلاة الجماعة ب ٥ ح ٦.

٣١٢

البحث الخامس : في كيفيّة النظام في تقرير محال المأمومين والإمام

وفيه مبحثان :

الأوّل : في موقف الإمام ، ويجب فيه أن يكون متقدّماً إلى القبلة ، أو مساوياً للمأمومين. وذلك لا يتحقّق غالباً إلا مع استوائهم معه في جهة المقاديم.

وحول الكعبة يصحّ الدوران في الصف ، ومقابلة الوجوه الوجه ، بشرط أن تكون الفاصلة من جانب المأمومين أوسع.

وفي الكعبة لا يبعد سقوط الحكم ، وجواز كون كلّ منهما خلف صاحبه ، بل لا يبعد جواز جعل ظهورهم إلى ظهره ، مع التمكّن من العلم بأحواله.

وربّما جرى مثل ذلك في المشاة والراكبين ونحوهم والمجبورين ، إن جعلنا المدار على القبلة الخاصّة والعامة معاً (١).

والمدار على مساواة الأعقاب ، وتقدّم الإمام فيهما معاً كلا أو بعضاً ، مع القيام والاستلقاء.

فلو تقدّم المأموم بعقب ، وساوى أو تأخّر بالآخر لم يجز ، ولو كان ذلك حال الحركة لعارض فلا بأس.

وألية الجالس وجنب المضطجع بمنزلة العقب.

ولا اعتبار بباقي المقاديم ، فيصحّ ائتمام أحد ذوي الحقو الواحد بالآخر ، وإن تقدّم صدر المأموم على الإمام على إشكال.

ويلزم أن لا يكون مَوقف الإمام عالياً علوّ القيام لا التسريح على موقف المأموم في تمام موضع القدم أو بعضه على اختلاف الوجهين بأكثر من شبر مستوي الخلقة. ولا تحديد في التسريح إلا فيما أخرج عن هيئة الائتمام.

وانخفاضه عن المأمومين سائغ من غير تحديد في كلّ من قسمي العلوّ ، إلا فيما

__________________

(١) في «ح» زيادة : وكونها ليست في الأعذار.

٣١٣

قضى بذهاب الصورة.

ولا اعتبار بعلوّ بعض الأعضاء حين السجود.

وتستحبّ المساواة في إمامة النساء بعضهنّ ببعض ، وفي حال وحدة المأموم وذكوريّته والأفضل كونه على الجانب الأيمن ، حتّى لو كان على الأيسر استحبّ له أن يخطو إلى الأيمن ، ويستحبّ للإمام أن يحوّله إليه وفي حال كون الإمام والمأمومين عُراة. ويستحبّ تقدّم الإمام بركبتيه.

ويستحبّ تقدّم الإمام وتأخّر المأموم ، ويختلف الفضل باختلاف مراتبه ، حتّى ينتهي إلى كون رأسه متأخّراً عن قدمي الإمام ، مع زيادة الجماعة غير العُراة عن الواحد ، أو كون الواحد امرأة.

ويستحبّ للخلف وغيره أن يكون على جهة اليمين.

والمشتبه يتخيّر في حكمه ، والأحوط مُراعاة الخلف.

ويشترط أن يكون الإمام أو بعض من يراه من المأمومين في مرتبة أو مراتب بارزاً للمأمومين من الرجال. ولا يعتبر ذلك في النساء ، فلهنّ الصلاة خلف الجدار ، ويكفي التمكن من النظر في بعض أحوال الصلاة.

ولا بأس بالصلاة (مع فصل الطريق ، والماء ، وبين الفصل) (١) بين السفن المتعدّدة ، وبين الأُسطوانات ، مع حصول التمكّن من النظر المطلوب.

ولو دخل الإمام في محراب ولم يكن في مقابلة أحد ليحصل الشرط ، بطلت صلاة مَن على الجانبين.

وحجب الصفوف ليس بحجب ، ويُعتبر فيها بقاء الهيئة.

وإن كانت الفاصلة لا تمنع الرؤية كالشبابيك ، فلا بأس ، والأحوط الاجتناب. وكذا المرئيّ من خلف الزجاج ونحوه.

وأن لا يكون بينه وبينهم ما يكون باعثاً على عدم تحقّق اسم الجماعة عُرفاً ، ولا يُعيّن

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في «م» ، «س».

٣١٤

له حدّ بثلاثمائة ذراع أو أقلّ أو أكثر.

وهذا الشرط وما قبله مُعتبران ابتداء لا استدامةً ؛ فلو بطلت صلاة الصفوف في الأثناء أو أتمّ أهل القصر ، فلا بأس. ولو قامت الصفوف ، جاز للمتأخّر أن ينوي قبل المتقدّم ، وهما وجوديان لا علميّان.

(ولو نوى زاعماً عدم تقدّمه عليه في الموقف أو تكبيرة الإحرام ، فظهر الخلاف ، انفرد. والأحوط الإتمام والإعادة) (١).

ويُستحبّ ترك الفصل بينه وبينهم بما لا يتخطّى خطوة تملأ الفرج مسافة. ويقوى لحوق ما لا يتخطّى بضدّه عمّا كان منه ، لبُعده بين رأس المأموم وقدمي الإمام لغير النساء.

ومقتضى القاعدة شرطيّة الوجود في هذه الشروط بالنسبة إلى انعقاد الجماعة ، فلا فرق بين الأحوال في الإخلال بأحدها عمداً وسهواً ، وجبراً واختياراً.

وتنعقد فرادى على الظاهر ، مع عدم لزوم التشريع حال النيّة ، حيث إنّ الجماعة للإمام وللمأمومين ليست من المنوّعات ، بل من القيود الخارجيّة ، كقصد المسجديّة ونحوها ، ما لم يلزم إخلال بسبب ترك شطر أو شرط أو حصول مانعيّة. ومع الصحّة وحصول الانفراد لا عَودَ له إلى الجماعة في وجه.

المبحث الثاني : في موقف المأموم

تُعتبر فيه المساواة في القبلة أو التأخّر على نحو ما تقدّم ، والارتفاع والانخفاض بما لا يخل ، أو المساواة.

ويُستحبّ أن يقف المكلّفون الذكور الأحرار أوّلاً ، ثمّ المبعّضون ، ثمّ العبيد ، ثمّ الصبيان من الأحرار ، ثمّ المبعّضون ، ثمّ العبيد ، ثمّ المكلّفون من الخناثى المشكلة والمَمسوحين الأحرار ، ثمّ من المبعّضين ، ثمّ من العبيد ، ثمّ الصغار (٢) من الإماء ، ثمّ

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في «م» ، «س».

(٢) في «ح» زيادة : ثمّ.

٣١٥

من المبعضات ثمّ من الحرائر ، ثمّ الكبار من الإماء ، ثمّ المبعضات ، ثمّ الحرائر.

وهذا الترتيب غير خالٍ من مَدركٍ مُطابق للشّرع.

وأن يختصّ بالصفّ الأوّل والجناح وإن لم يكن فيه فضل أهل الفضل ، لينبّهوا الإمام.

ولو لم ينبّهوا على غلط في الأركان ، ولم يقصدوا الانفراد ، بَطَلَت صلاتهم ؛ لبطلان صلاته.

وفيما يَنوب فيه عنهم يقرب ذلك ، وإن كان الأقوى خلافه. وفي غيرهما يصحّ ، والأفضل التنبيه.

والظاهر أنّ ذلك مَنصب لهم ، فيستحبّ لهم طلبه ، ولباقي المأمومين تجنّبه ، وإعطاءه لأهله.

والمبصرون ، والسامعون ، والناطقون مقدّمون على غيرهم ، والقويّ منهم على الضعيف. وكلّما كان الإمام أقرب إلى الخطأ ، كان التقديم أشدّ استحباباً ، ومع الأمن عن الخطأ يبقى الترجيح ، وإن كان مع عدمه أشدّ.

والأقوى اعتبار الأقرب فالأقرب لهم إذا فاتهم الصفّ الأوّل. والأكثر فضلاً أولى بكثرة القُرب.

والعالم أولى من العابد مع اشتراكهما في العدالة.

ويُستحبّ القُرب إلى الإمام ، وتختلف مراتب أجره باختلاف مراتب قدره وفي صلاة الجنازة يرجح الصفّ الأخير والكون في ميامن الصفوف ، فإنّ فضل ميامن الصفوف على مياسرها كفضل الجماعة على صلاة الفرد. ولو تعارض القرب والتيامن ، فالظاهر ترجيح الأخير.

وأن يقف المأموم مع الصفوف إن كان مُجانساً إن أمكن ، وإلا بما يحاذي الإمام.

وأن يكمل نقص الصفوف ، وتسوية الخلل ، والمحاذاة بين المناكب ، ليكونوا كالبنيان المرصوص.

والتقدّم لسدّ الخلل إلى صفّ أو صفّين أو ثلاثة ، وكذا التأخّر ، وكذا للضيق.

٣١٦

واجتناب موقف يسلم من فاصل بينه وبين الإمام يمنع الاستطراق كالشبابيك ونحوها. ومُحاذاة مَن إذا عرض عارض لإمامه تأهّل للقيام في مقامه.

واجتناب مجاورة الصبيان والمقصّرين والتأخّر عنهم ؛ حذراً من حدوث الفرج.

البحث السادس : في شرائط الإمامة

وهي قسمان :

أحدهما : ما تتوقّف عليها الصحة

وهي أُمور :

أحدها : التقدّم على المأموم أو مساواته في الموقف على نحو ما مرّ.

ثانيها : التقدّم بكلّ جزء من تكبيرة إحرامه على ما يماثله من أجزاء تكبيرة إحرامه بداية ووسطاً ونهاية ، والأقوى اعتبار تقديم مجموع تكبيرة الإمام على جميع أجزاء تكبيرة المأموم ، فلا يدخل إلا بعد إتمامه.

ثالثها : حصول العقل حين الائتمام للإمام والمأموم ، فلا تنعقد بين مجنونين ، أو مختلفين ، حيث يكون الجنون مُطبقاً أو أدوارياً صادف وقت الإمامة ، أو كان في الإمام محتمل العروض في أثنائها ، بحيث لا يحصل اطمئنان ببقاء العقل إلى الفراغ ، فلا تصحّ الإمامة ، وإن اتفق بقاء العقل.

وتتحقّق الإمامة من غير نيّة إمامة ، ومأموميّة ، إلا فيما اشترطت فيه.

رابعها وخامسها : الإسلام والإيمان ، فلا تصحّ إمامة من لم يجمع الصفتين وإن لم يكن فاسقاً عاصياً ؛ لمعذوريّته بالتشاغل في النظر إذا تجدّد وصوله إلى محلّ يتمكن فيه من تحصيل العقيدة ، أو كان من المميّزين من أطفال الكفّار حيث نجيز إمامة المميّز لمثله.

ويكفي في ثبوتها للحكم بالطهارة ونحوها ممّا لا تعلّق له بالاطمئنان بالصدق ، والوثوق بصدق النيّة ، وصفاء السريرة ، من قبول خبر أو شهادة أو اعتماد على قضاء أو إفتاء ، مجرّد الكون في بلاد المسلمين والمؤمنين ، أو مجرّد الإقرار في بلاد الكفّار.

٣١٧

وأمّا فيما يتعلّق بذلك ، فلا بدّ من الظهور ليحصل الاطمئنان.

سادسها : العدالة ، وهي في الأصل عبارة عن الاستقامة الحسّية ، والخلوّ عن الاعوجاج الحسّي.

وجُعلت في الشرع فضلاً عن المتشرّعة : عبارة عن الاستقامة المعنوية في خصوص الأُمور الدينيّة والشرعيّة ، ولها عرض عَريض ، ومراتبَ لأحدّ لها ، تتّصل بدايتها بالعصمة ، وغايتها ونهايتها بالفسق على نحو التفاوت في الجانبين (١).

فهي حالة نفسيّة ، وملكة قُدسيّة ، ينبعث عنها ثبات الدين ، وملازمة التقوى والمروءة.

وهي كسائر مكارم الأخلاق ، من أدب ، وحلم ، وكرم ، وشجاعة ، وحياء ، وعفاف ، ونحوها لا تنقدح بحصول ما يخالفها من الصغائر. ويهدمها ما يكون من الكبائر ، إلا أن يثبت إقلاعه عن ذلك ، وعَود تلك الحالة له.

والكِبر والصغر والتوسّط عُرفيات ، فكما لا يخفى على العُرف العام الفرق بين العيب الكبير والصغير ، والمتوسّط ، والمعصية الكبيرة في حقّ الموالي ، والصغيرة ، والمتوسّطة ، وبين الطاعة الكبرى في حقّهم ، والصغرى ، والمتوسّطة ، كذلك غير خفيّ على أهل الشرع بممارسة الأدلّة الشرعيّة والعقليّة الفرق بين الحسنة والسيّئة الصغيرتين ، والكبيرتين ، والمتوسّطتين.

وليست العدالة سوى تلك الملَكة التي تُسبّب الاعتماد والاطمئنان ، لا مجرّد عدم العصيان.

وأمّا الاختلاف في كونها عبارة عن العلم بتلك الملكة ، أو حُسن الظاهر المنبئ عنها ، أو عدم العلم بخلافها. فإن رجع إلى البحث في الطريق ، كان له وجه ، وإلا خرج عن طريق التحقيق.

والظاهر أنّه لا حاجة إلى العلم ، بل يكفي حُسن الظاهر من حصول أقوال وأفعال

__________________

(١) في «ح» : في الحاشيتين.

٣١٨

مُتكرّرة تُؤذن بثبوت التقوى والمروءة ، كما أنّه يكفي في إثبات جميع مكارم الأخلاق ومساوئها ؛ للتعذّر ، أو لعُسر حصول العلم غالباً.

فلثبوت العدالة طريقان :

أوّلهما : العلم بمُعاشرة ومباشرة ، أو بواسطة أخبار معصوم ، أو نقل متواتر ، أو بطريق آحاد محفوف بقرائن القطع ، أو إجماع محصّل أو منقول بطريق يفيد العلم.

ثانيهما : الظن ؛ لشياع يفيد الظن المتاخم مع العلم ، أو شهادة العدلين مطلقاً ، أو خبر العدل في غير تزكية الشهود في إثبات الأصل ، أو إثبات المثبت.

وجعلها موافقة للأصل كالطهارة والإباحة فيكفي عدم العلم بالخلاف مَنفي بالأصل والروايات.

وأمّا تفسير الكبائر : بما حُرّم في القرآن ، أو ما ثبت تحريمه بطريق قاطع ، أو ما توعّد عليه النار مطلقاً ، أو في خصوص القرآن ، أو بأنّها نسبيّة ، وأنّ الكلّ كبيرة بالنسبة إلى عظمة الله.

أو أنّها سبع على اختلاف ما ورد في تفصيلها (١). ومن جملته : أنّها الإلحاد في بيت الله تعالى ، والشرك ، وقتل النفس المحترمة ، وقذف المحصنة ، والفرار من الزحف ، والزنا ، وعقوق الوالدين.

أو تسع بإضافة السحر ، وأكل مال اليتيم ظلماً.

أو اثنتي عشرة بإضافة أكل الربا ، وشرب الخمر ، والسرقة.

أو أنّها سبعون أو أقرب إلى السبعمائة من السبعين ، أو غير ذلك ، فلا نرتضيه ، وما اخترناه أقرب إلى الصواب ، فإنّه أوفق بجمع الأخبار المختلفة الواردة في هذا الباب.

والإصرار على الصغائر بمعنى التكرار مع الإكثار ، أو بمعنى العَزم على المعاودة ، أو

__________________

(١) الكافي ٢ : ٢٧٦ ح ٢ ـ ١٤ ، الفقيه ٣ : ٣٦٦ ح ١٧٤٥ ـ ١٧٧٦ ، عيون أخبار الرضا (ع) ١ : ٢٨٥ ح ٣٣ ، علل الشرائع : ٢٧٤ ح ١ ـ ٣ ، الوسائل ١١ : ٢٤٩ أبواب جهاد النفس ب ٤٥ ح ٤٦.

٣١٩

مع الخلوّ عن التوبة مطلقاً ، أو مع بقاء استحضار المعصية لفوريّة التوبة ، فيكون عاصياً في كلّ جزء من الزمان ، فيرجع إلى التكرار ، على اختلاف الوجوه ، وأقواها الوجهان الأوّلان بمنزلة فعل الكبيرة ، كما أنّ فعل الصغائر من مُنافيات مكارم الأخلاق تقضي بنفيها.

والتوبة عن جميع الذنوب ، أو عنها بخصوصها وإن لم يتب عن غيرها على الخلاف في الاكتفاء بها بمعنى الندامة على ما فات ، والإقلاع عمّا هو آت مُسقط لحكمها ، وراجع بالعدالة إلى حالها.

ولا يكفي في الحكم مجرّد سماع لفظها ، بل لا بدّ من تتبّع الأحوال في الجملة ، بحيث يطمئن بها ، فإنّ فيها الاعتماد على الأفعال والأخبار ، ولا يحصل ذلك بمجرّد التوبة والاستغفار.

وحكم مجهول العدالة كحكم الفاسق.

والاعتماد على المأمومين مع عدم احتمال التقيّة والغفلة مُغنٍ في التعديل.

سابعها : الذكورة في إمامة الذكور والخناثى المشكلة والممسوحين ، فلا تجوز إمامة الأُنثى ولا الخُنثى ونحوها بالذكور ، والخناثى ، ونحوهم ، صغاراً وكباراً.

ولو أقرع على الممسوح فالتحق بقسم ، جرى حكمه عليه.

ويجري المنع في الابتداء أو الاستدامة ، فلو عرض للإمام عارض لم يجز تقديم المرأة ، وما أشبهها.

ويجوز لها ولهما إمامة النساء في فرض ونفل وإن كان الأحوط الاقتصار على الثاني وصلاة الجنازة.

والأقوى أنّ هذا الشرط وما تقدّمه من الشروط جارٍ في الفرائض ، يوميّة أو لا ، وفي صلوات النوافل ، وصلاة الجنازة.

ثامنها : القيام فيما لو كان المأمومون جملة أو بعض منهم قائماً ، ولا تصحّ مع جلوسه إلا مع جلوسهم.

والظاهر أنّ كلّ أخفض في مرتبة لا يؤم الأعلى منه ، والأعلى يؤمّه ؛ فالقائم للقائم

٣٢٠