كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ٣

الشيخ جعفر كاشف الغطاء

كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ٣

المؤلف:

الشيخ جعفر كاشف الغطاء


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-371-030-3
الصفحات: ٥٥٢

المقام الخامس : في جميع ما يستحبّ فعله أو يكره في الصلوات

وهو ثلاثة أقسام :

أحدها : ما يشترك بين الذكور والإناث ، وهو أُمور :

أوّلها : الإتيان بخمس وتسعين تكبيرة في الصلوات الخمس اليوميّة الإتماميّة ، وهي سبع عشرة ركعة ، في كلّ ركعة خمس : للركوع والسجودين والرفع منهما ، وخمس للإحرام في الصلوات الخمس ، وخمس للقنوتات.

ثانيها : رفع اليدين لكلّ تكبير منها ، مُقارناً بأوّل التكبير أوّل الرفع ، وبختامه ختامه. ولا مانع من الصور المتكثّرة الباقية ، من الاقتران بالابتداء فقط مع ختم التكبير قبل الرفع أو بعده ، أو الختام فقط مع السبق بالتكبير أو بالرفع ، أو انطباق التكبير على وسط الرفع ، أو بالعكس. ومثل ذلك يجري في الوضع ، ولا من انطباق أوّل التكبير على أوّل الرفع ، واخره على آخر الوضع.

ثالثها : أن يضيف إلى الرفع للتكبير الرّفع للرفع من الركوع ، فيكون المسنون من الرفع مائة واثنى عشر.

رابعها : بسط الكفّين ، وضمّ الأصابع ، إلا في الركوع ، فيفرجها.

خامسها : عدم تجاوز الأُذنين في رفع التكبير ، ولا سيّما فوق الرأس.

سادسها : نصب العنق في القيام.

سابعها : بروز اليدين من الثياب.

ثامنها : النظر قائماً إلى موضع السجود ، وراكعاً إلى ما بين القدمين ، وقانتاً إلى باطن الكفّين ، وساجداً إلى طرف الأنف ، وجالساً إلى باطن الحجر.

تاسعها : سلام الإمام والمنفرد إلى القبلة ، مع إيماء الأوّل بصفحة خدّه الأيمن ، والثاني بمؤخر عينيه إلى اليمين ، قاصدين مَن حَضَرَ من الملائكة ، والنبيّين ، والإنس والجنّ.

٢٤١

وسلام المأموم مرّة قاصداً به الردّ على الإمام ، إن لم يكن على يساره أحد ، وإلا سلّم على يساره ، وقصد المأمومين أيضاً ، أو خصوص من على اليسار كما مرّ.

عاشرها : التسميع عن قيام للإمام والمنفرد ، والتحميد للمأموم. ولو جمعوا بينهما فلا بأس.

حادي عشرها : الخشوع ، والخضوع ، وأن يصلّي صلاة مودّع ، وقد كان زين الساجدين عليه‌السلام إذا قام إلى الصلاة يتغيّر لونه ، وكان كساق شجرة لا يتحرّك منه شي‌ء ، سوى ما حرّكته الريح (١).

ثاني عشرها : فيما يكره ، وهو نفخ موضع السجود ما لم يتعمّد حرفين.

ثالث عشرها : كذلك ، وهو النظر إلى السماء.

رابع عشرها : التوجّه إلى باب مفتوح خالٍ عن المصراع ، أو مشتمل عليه مع فتحه. ويُحتمل لحوق كلّ فُرجة في جدار أو نحوه به.

خامس عشرها : التوجّه إلى وجه إنسان حيّ غير مُنفصل في وجه ، غير محجوب ، صغير أو كبير ، ذكر أو أُنثى ، ويشتركان فيما يتعلّق بالمكان والزمان ، واللباس ، سوى ما يتعلّق بالستر فيهنّ.

سادس عشرها : العبث باليدين وبالرأس.

سابع عشرها : التمطّي ، والتثاؤب ، وفرقعة الأصابع.

ثامن عشرها : اشتغال القلب بالحديث.

تاسع عشرها : قصّ الظفر ، والأخذ من الشعر ، والعضّ عليه ، وعقصه.

العشرون : النظر إلى نقش الخاتم والمصحف والكتاب وقراءته في الصلاة.

الحادي والعشرون : إبقاء دواء يتحمله ، فلا يصلّي حتّى يخرجه وينزعه.

الثاني والعشرون : الالتفات اليسير ، والعضّ على اللّحية ، والعبث بها ، وقرض الأظفار بالأسنان مكروهة في ذاتها ، وتشتدّ كراهتها في الصلاة.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٠٠ ح ٤ ـ ٥ ، الوسائل ٤ : ٦٨٥ أبواب التعقيب ب ٢ ح ٢ ، ٣.

٢٤٢

ثانيها : ما يتعلّق بالذكور فقط ، وهو أُمور :

منها : الجهر بالتكبير ، والقنوت ، والتشهّد ، وجميع الأذكار للإمام والمنفرد ، سوى الاستعاذة.

ومنها : الانحناء مع تسوية الظهر.

ومنها : وضع الراحتين على عين الركبة ، وتتبعها الأصابع.

ومنها : الاعتدال قائماً ، والنزول مُنفرجاً ، والبدأة باليدين.

ومنها : التخوّي في السجود ، ورفع الذراعين عن الأرض.

ومنها : الجلوس في محالّه بأسرها متربّعاً ، واضعاً لظهر قدمه اليمنى على بطن قدمه اليسرى ، جالساً بعضه على بعض.

ومنها : القيام مُنفرجاً غير مُتضام.

ومنها : كراهة العبث بلحيته أو عورته ، فإنّه لا يقع إلا من الرجال غالباً.

وفي تعليم الصادق عليه‌السلام لحمّاد بيان كثير من هذه الأحكام ، فإنّه عليه‌السلام بعد أن سأل حماداً أنّه هل يحسن الصلاة أو لا ، فأجابه حمّاد : بأنّه يحفظ كتاب حريز ، وقال له : «لا عليك ، قم فصلّ» وفيه إشارة إلى أنّ التجسّس على الخواصّ ، وفي مقام الخجل لا بأس به ، فصلّى حمّاد فقال عليه‌السلام له : «يا حمّاد ، لا تحسن أن تصلّي ، ما أقبح بالرجل منكم أن يأتي عليه ستّون أو سبعون سنة ، ولا يقيم صلاة واحدة بحدودها تامّة».

فقام عليه‌السلام مُعلّماً له ، مُنتصباً ، مُرسلاً يديه جميعاً على فخذيه ، ضاماً أصابعه ، مُقرباً بين قدميه ، كان بينهما قدر ثلاث أصابع مفرّجات ، مُستقبل القبلة بأصابع رجليه جميعاً ، لم يحرفهما عن القبلة ، بخشوع واستكانة فقال : الله أكبر ، ثمّ قرأ الحمد بترتيل ، وقل هو الله أحد ، ثمّ صبر هُنيئة بقدر ما تنفّس ، وهو قائم ، وكبّر وهو قائم ، ثمّ ركع ، وملأ كفّيه من ركبتيه مُفرجات ، ردّ ركبتيه إلى خلفه حتّى استوى ظهره ، حتّى لو صُبّ عليه ماء أو دهن لم يزل لاستواء ظهره ، ونصب عنقه ، وغمّض

٢٤٣

عينيه ، وقال : «سبحان الله ربّي العظيم وبحمده» ثلاثاً بترتيل ، ثم استوى قائماً ، فلمّا استمكن من القيام قال : «سمع الله لمن حمده» ثمّ كبّر وهو قائم ، ورفع يديه حيال وجهه.

وسجد ووضع يديه إلى الأرض قبل ركبتيه ، فقال : «سبحان ربّي الأعلى وبحمده» ثلاث مرّات ، ولم يضع شيئاً من يديه علي شي‌ء منه.

وسجد على ثمانية أعظم : الجبهة ، والكفّين ، وعيني الركبتين ، وأنامل إبهامي الرجلين ، والأنف ، فقال : «هذه السبعة فرض ، ووضع الأنف على الأرض سنّة ، وهو الإرغام».

ثمّ رفع رأسه من السجود ، فلمّا استوى جالساً ، قال : «الله أكبر» ، ثمّ قعد على جانبه الأيسر ، ووضع ظاهر قدمه اليمنى على باطن قدمه اليسرى ، وقال : «أستغفر الله ربي وأتوب إليه» ثمّ كبّر وهو جالس ، وسجد الثانية ، وقال فيها كما قال في الأُولى ، ولم يستعن بشي‌ء من بدنه على شي‌ء منه في ركوع ولا سجود ، وكان مُجنّحاً ، ولم يضع ذراعيه على الأرض ، فصلّى ركعتين على هذا.

ثمّ قال : «يا حمّاد ، هكذا صلّي ، ولا تلتفت ، ولا تعبث بيديك وأصابعك ، ولا تبزق عن يمينك ، ولا عن يسارك ، ولا بين يديك».

وزاد بعض من روى هذه الرواية : وسجد ، ووضع يديه مضمومتي الأصابع بين ركبتيه حيال وجهه (١).

وفي صحيح زرارة على الأصحّ : الفصل في القيام بين القدمين أقلّه إصبع وأكثره شبر ، وسدل المنكبين ، وإرسال اليدين ، وكونهما على الفخذين قبالة الركبتين ، والنظر إلى موضع السجود ، وجعل شبر بين القدمين وقت الركوع ، ووضع اليد اليمنى على الركبة اليمنى قبل اليسرى ، والإفضاء بالكفّين إلى الأرض أفضل ، والتفريج بين

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣١١ ح ٨ ، الفقيه ١ : ١٩٦ ح ٩١٦ ب ٤٥ ، التهذيب ٢ : ٨١ ح ٣٠١ ، الوسائل ٤ : ٦٧٣ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ١.

٢٤٤

الركبتين ، وإلصاقهما بالأرض عند جلوس التشهّد ، والنهي عن القعود على القدمين (١).

ثالثها : ما يتعلّق بالإناث فقط

ويغني في جمعه ما اشتملت عليه الرواية عن زرارة ، والظاهر أنّها عن المعصوم عليه‌السلام ، قال : «إنّ المرأة إذا قامت في الصلاة ضمّت قدميها ، ولا تفرج بينهما كالرجل ، وضمّت يديها إلى صدرها ؛ لمكان ثدييها».

أقول : ويتأتى ما ذكر في الرواية من ضمّ اليدين بوجوه : منها : وضع الزندين أو العضدين على الثديين.

ومنها : وضع الكفّين عليهما.

ومنها : ما هو الأعمّ منهما ، ومن أحدهما.

قال : «وإذا ركعت وضعت يديها فوق ركبتيها على فخذها ؛ لئلا تطأطئ كثيراً فتظهر عجيزتها».

أقول : الشرط تحقّق مُسمّى الركوع ، وهو إمكان بلوغ الكفّين الركبتين.

قال : «فإذا جلست فعلى أليتيها ، ليس كما يقعد الرجل ، وإذا سقطت للسجود ، بدأت بالقعود ، وبالركبتين قبل اليدين ؛ ثمّ تسجد لاطئة بالأرض ، فإذا كانت في جلوسها ، ضمّت فخذيها ، ورفعت ركبتيها من الأرض ؛ وإذا نهضت ، انسلّت انسلالا ، لا ترفع عَجيزتها أوّلاً» (٢).

وروى في غيرها : أنّها تبسط ذراعيها في سجودها (٣) ، وأنّها إذا سجدت تضمّمت ، والرجل ينفتح (٤).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٣٤ ح ١ ، التهذيب ٢ : ٨٣ ح ٣٠٨ ، الوسائل ٤ : ٦٧٥ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ٣.

(٢) الكافي ٣ : ٣٣٥ ح ٢ ، التهذيب ٢ : ٩٤ ح ٣٥٠ ، الوسائل ٤ : ٦٧٦ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ٤.

(٣) الكافي ٣ : ٣٣٦ ح ٤ ، التهذيب ٢ : ٩٤ ح ٣٥١ ، الوسائل ٤ : ٩٥٣ أبواب السجود ب ٣ ح ٢.

(٤) الكافي ٣ : ٣٣٦ ح ٨ ، التهذيب ٢ : ٩٥ ح ٣٥٣ ، الوسائل ٤ : ٩٥٣ أبواب السجود ب ٣ ح ٣.

٢٤٥

وعلى كلّ حال ، فالخنثى المشكل والممسوح يتخيّر بين الإتيان بآداب الرجال ، وآداب النساء ، ويحتمل تقديم احتمال الذكورة ؛ لشرفها ، وتقديم احتمال الأُنوثة ؛ لأنّ المحافظة على الستر أهمّ ، ولا يخلو من قوّة.

والطفل يُلحق في تمرينه بالبالغ من صنفه.

المبحث التاسع : باقي الصلوات المفروضات

وفيها مقامات :

الأوّل : في صلاة الجمعة

أي : هيَ الجُمعة ، فالإضافة بيانيّة ؛ أو يوم للجمعة ، فهي لاميّة ؛ أو فيها ، فهي فيهيّة.

وتُطلق على ذلك ؛ لاجتماع الخلق ، أو للجمع بين الصلاتين ، أو بين الخطبة والصلاة.

أو لأنّه اليوم الذي اجتمع فيه الخلائق ، وتمّ فيه الخلق باتفاق من عرفنا حالهم من أهل الملل ؛ لاتفاقهم على أنّ مجموع الصنع في ستّة أيّام ، وأن المبدأ الأحد ، ولذلك اختلفت أقوالهم ، فمنهم من جعل الشرف في الغاية ، وهم أهل الإسلام ، ومنهم من جعل الشرف في البداية ، وهم النصارى ؛ ومنهم من جعله فيما بعد الغاية ؛ لأنّه يوم الراحة والشكر ، وهم اليهود.

وهي ركعتان ، كصلاة الصبح ، باقية على حال النزول الأوّل ، لم يزد فيها من السنّة ركعتان ولا ركعة ، لطفاً من الله تعالى على المكلّفين في التخفيف عليهم ؛ لانحباسهم للخُطبة ، وصرف وقتٍ فيها ، ولقيامها مقام الزائد ، ولوجوب الجماعة فيها ، فكان ثوابها عوضاً عن ثواب الزيادة.

ولأنّ طولها يقضي بالتكاهل في المبادرة إليها ، فيكون باعثاً على فواتها.

ولأنّ طول قراءتها مُغنٍ عن زيادة ركعاتها.

٢٤٦

ولأنّ كلّ ركعتين من النافلة تُعادل ركعة من الفريضة ، فزيد في نافلتها أربع ركعات.

ولأنّ الجمعة عيد المسلمين ؛ لأنّه يوم تمّ فيه صنع المصنوعات ؛ لأنّ ابتداءه كان يوم الأحد ، فلاحظت النصارى يوم الابتداء ، واليهود ثاني يوم الفراغ ، فاتخذوهما عيدين ، وصلاة العيد ركعتان.

ولأنّ حضورها لازم على من دون فرسخين ، وفي ذلك تعب ومشقّة كما في السفر.

ولا حاجة إلى ذلك كلّه ، فإنّ المعبود أعلم بمصالح العباد.

وليس فيها مخالفة لصلاة الصبح في الهيئة ، سوى أنّها قد وضع لها مزيد قنوت ، محلّه قبل الركوع في الركعة الأُولى ، فتخالفها في المحل دون الوضع ، ولها قنوت ثاني كغيرها من الصلوات في الركعة الثانية ، لكنّه بعد الركوع ، فخالفتها في الوضع دون المحلّ ، بعكس الثانية.

ووجوبها في الجملة في أيّام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومبسوط الكلمة من الأئمّة عليهم‌السلام بطريق العينيّة والتعيينيّة من الأُمور القطعيّة ، بل الضروريّة. ومُنكر وجوبها في ذلك العصر يُرمى بالردّة.

وفيها أبحاث :

الأوّل : في شرائط عينيّتها ، وهي أُمور :

أحدها : وجود السلطان العادل المنصوب من قِبل الله تعالى ؛ من نبيّ أو إمام مبسوطي الكلمة ، لا يختشيان في إقامتها ودعاء الناس إليها من الفَسَقَة الفَجَرة ، مع المُباشرة للإمام أو تعيين نائب خاصّ مُعيّن لمكان خاصّ أو مُطلق للقيام بها.

إلا إذا عرضَ للإمام عارض في أثناء الصلاة من موتٍ أو عزلٍ أو نحوهما أو اطّلع المأمومون على فسقه فيتعيّن إتمامها بدون المنصوب ، فيتمّونها بنصب مَن أرادوا من

٢٤٧

المأمومين ، أو يتقدّم من يأتمون به. فإن لم يكن ، انفردوا ، وأتموا.

ويقوى عدم لزوم الجماعة حينئذٍ ، ووجوبها ابتدائي لا استدامي ، ومع لزومها الظاهر عدم تعيّن النصب على من كان منصوباً من إمام أو مأموم.

ثمّ مع تكرّر العوارض يتكرّر الحكم ، ومنع الانفراد وتعدّد الأئمّة إنّما يتمشّى في الابتداء.

والظاهر اعتبار كون الإمام الجديد ممّن كان مأموماً لا مُنفرداً. وعزل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الأوّل قضيّة في واقعة.

وانعزال الإمام وعزله أو انعزاله قبل دخول المأمومين في تكبيرة الإحرام باعث على جعل الإمام كالمبتدئ ، وباعتبار فساد الأُولى لا جمع بين جمعتين ، وتعدّد النوّاب وفراغ المأمومين بعض قبل بعض لا يقضي بالتعدّد ، ولا حاجة إلى تعدّد خطبة.

ويجوز لمن لم يدخل في الجمعة الدخول مع النوّاب المسبوقين.

ويجوز دخول من وجبت عليه في صلاة من استحبّت له ، وبالعكس.

وما عدا المنصوبيّة من الشرائط مُعتبر في الإمام العارضيّ.

ولا تجب عيناً مع الغيبة أو الحضور من دون انقياد الأُمور ، وعدم التمكّن من النصب ، كما يظهر من ملاحظة السيرة القطعيّة ، فإنّ إمامتها لم تزل في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخليفته وأمينه على رعيّته من المناصب الشرعيّة التي لا يجوز فيها القيام إلا بعد الإذن من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو الإمام عليهما‌السلام ، وكذلك استقرّت كلمة العلماء من القدماء والمتأخرين سوى من شذّ إلى يومنا هذا.

ومن ذلك يتّضح ثبوت الإجماع المحصّل نقل أو لم ينقل على أنّه منقول على لسان فقهائنا الأوائل والأواخر بوجه يكون فوق المتواتر.

ولو كانت في الصدر الأوّل جائزة على الإطلاق ، لما وجب السعي إليها من الأطراف ، ممن دون الفرسخين.

فإنّ وجود القابل لإمامة الجماعة ، ولقول : «الحمد لله ، اللهمّ صلّ على محمّد

٢٤٨

وآل محمد ، أيّها الناس اتقوا الله ، بسم الله الرحمن الرحيم إنا أعطيناك الكوثر فصلّ لربّك وانحر إنّ شانئك هو الأبتر» مبتذل في كلّ مكان ، ولذلك لم تزل تُقام الجماعات في جميع المحال.

ثمّ لا معنى لذكر الإمام عليه‌السلام وقاضيه ، والمدّعي حقّا ، والمدّعى عليه ، والشاهدين ، والذي يضرب الحدود بين يدي الإمام ، إلا أنّه غير إمام الجماعة ، وكيف يعقل أنّ مثل زرارة وأضرابه يتركونها حتّى يعزروا على تركها. وأيّ معنى لاحتسابها مُتعة؟! على ظهور أنّها متعة النكاح ، ثمّ متعة الحجّ لا يعمّ وجوبها.

وفي اشتراط المصريّة ، وحضور الخليفة ، ونفي الوجوب صريحاً عن أهل القُرى ، وقولهم : «إذا لم يَكُن في القرية من يجمع لهم» مع أنّه لا يتّفق خلوّ قرية مِن حَسَنِ الظاهر قادر على أن يأتي بخمس كلمات ، خصوصاً في أعصار أهل اللسان ، وذكر الإمام مكرّراً في صلاة العيد مع ظهور إرادة المعنى الأخصّ.

والحكم بأنّ الإمام يخرج المحبوس يوم الجمعة ، وفي أخبار صلاة العيد : أُصلي بهم جماعة؟ فقال : «لا ، إلا مع إمام» (١).

ثمّ لا يبعد الفرق بين الإمام مُعرّفاً ومنكّراً ، وفي فهم الفقهاء منه ذلك أبين حجّة.

وفي خطبة يومي الجمعة والأضحى لزين العابدين عليه‌السلام : «اللهمّ إنّ هذا المقام لخلفائك وأصفيائك ، ومواضع أُمنائك ، قد ابتزّوها» (٢) إلى أخره ، وفي بعض خُطب صلاة العيد : «هذا منصب أوليائك» (٣).

وفي عدم تعيّن صلاة العيد في الغيبة ، مع ما يظهر من اتحاد حكمهما شاهد على ما ذكرناه.

فما منصب الجمعة إلا كمنصب القضاء والإمارة ونحوهما.

ويؤيّد ذلك : أنّ لها توقّفاً على سائس يجمع العدد ، ويعرف القابل وغيره ، مُطاع

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٨٧ ح ٨٦١ ، الوسائل ٥ : ٩٦ أبواب صلاة العيد ب ٢ ح ٦.

(٢) الصحيفة السجاديّة : ٣٥١.

(٣) كخطبة المعلّى بن خنيس ، انظر البحار ٤٧ : ٣٦٣ ب ١١ ح ٧٨.

٢٤٩

فيما يأمر ، مانع لغيره عن الإتيان بها فيما قلّ عن الفرسخ ، مانع التأخّر عن الوقت لضيقه ، إلى غير ذلك من الأمارات.

ومن مجموع ما ذكرنا يحصل القطع بالحكم ، وفيه كفاية لمن نظر ، وتبصرة لمن تبصّر.

وكيف يعوّل على أخبار تقضي كثرتها بضعفها ؛ لبُعد خفائها على العلماء ، حتّى تركوا العمل بها.

وكيف يخطر في نظر العاقل أنّ الإمام في زمان التقيّة يأمر أصحابه بمخالفتها ، مع أنّه ينبغي أن يمنع عن فعلها ، فلا بدّ من حملها على التقيّة بإقامة جمعة القوم ، وهي جمعة صحيحة كغيرها من صلاة التقيّة ، تّى أنّ أصحابنا مأمورون بأنّهم إن استطاعوا أن يكونوا الأئمّة كانوا. وفي كتاب عليّ عليه‌السلام إذا صلّوا الجمعة ، فصلّوا معهم (١) إلى أخره.

والأوامر الواردة فيها على العموم لا تزيد على ما ورد في الوضوء والغسل الرافعين للحدث ، والغسل الرافع للخبث ، وغسل الأواني ، والجهاد ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، والحج ونحو ذلك ، مع أنّه أغنى ورود المخصّص أو المقيّد قلّ أو كثر في تخصيصها أو تقييدها بحصول شروطها.

فلتكن تلك العمومات مخصّصة ، والمطلقات مقيّدة. على أنّه يمكن تنزيل ما فيه من الطعن والذم لتاركها على إذا استهون فيها ، ولم يعن بها ، فإنّ عدم الاعتناء بالسنة ، والاستهانة بها استهانة بالدين ، وتضييع لحُرمة سيّد المرسلين.

وعليه ينزّل ما ورد في حضور صلاة الجماعة ، ممّا هو أعظم ممّا ورد فيها من إحراق البيوت على من لم يحضروها ، وخروجهم عن ربقة المسلمين ، وعدم قبول عُذر الأعمى حتّى يضع له حبلاً (٢) ، وما ورد من أنّ من لم يفرق شعره فرقه الله تعالى بمنشار

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٨ ح ٩٦ ، الوسائل ٥ : ٤٤ أبواب صلاة الجمعة ب ٢٩ ح ١.

(٢) انظر الوسائل ٤ : ٣٧٥ أبواب صلاة الجماعة ب ٢.

٢٥٠

من نار (١) ، وأنّ من ترك النوافل ضيّع حُرمة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وما تضمّنه الكتاب من الأمر بالحضور عند النداء مع قطع النظر عن البحث في خطاب المشافهة لا دلالة فيه بوجهٍ من الوجوه (٢) ، فإنّه لا بدّ أن يُراد بالمنادي مُنادي الشرع ، ونحن لا نرتاب بأنّه إذا نادى مُنادي الشرع وجب الحضور ، فلا يفيد شيئاً في مقابلة المحرّم.

وعلى القول بالتخيير يخصّ بزمان الحضور ، أو ينزّل على ما يعمّ الوجوبين.

وعلى كلّ حال فمقتضى الأدلّة هو التحريم على نحو ما كان فيما تقدّم من الزمان لولا ما دلّ على الجواز في زمن الحضور المُشبه للغيبة وفيها.

فالمذهب الفحل ، والقول الفصل هو اختيار التخيير ؛ إذ بذلك يمكن علاج أكثر الأدلّة ، مع الإجماع المنقول على ذلك من عدّة من أصحابنا.

الثاني : العدد

ويتحقّق بوجود سبعة ، أحدهم الإمام ، فلو نقص واحد لم يبقَ وجوب تعييني.

وهو شرط في الابتداء ، دون الاستدامة ، فلو ذهب المأمومون في الأثناء لعُذر أو لغيره ، وبقي الإمام وحده أو مع عدد يقصر عن العدد المعتبر ، أو ذهب وبقي المأمومون ، أو ظهرت عدم قابليّته للإمامة ، أو ظهر فساد صلاة من ينقص العدد ، صحّت فيما تمّت ، وأُتمّت فيما نقصت بسببه ، سواء تمت له ركعة أو لا.

ولا يجوز الدخول للإمام قبل إحراز العدد ، ويجوز للمأمومين ، حملاً لفعل الإمام على الصحّة.

والاثنان على حقو واحد إن عُلما اثنين ، عُدّا باثنين ، وإن لم يُعلما يُختبر حالهما بالإيقاظ حال النوم بما يتعلّق بأحدهما ، فإن تيقّضا معاً ، احتسبا بواحد من العدد ، وإلا فباثنين.

__________________

(١) الكافي ٦ : ٤٨٥ ح ١ ، الفقيه ١ : ٧٦ ح ٣٣٠ ، ٣٣١ ، الوسائل ١ : ٤١٧ أبواب آداب الحمام ب ٦٢ ح ١.

(٢) في «ح» زيادة : على ردّ القاتل بالتحريم.

٢٥١

ويجب اجتماع العدد في الركعة الأُولى آناً واحداً مع الدخول دفعة أو مترتبين. ولو لم يجمعهم عدد آناً واحداً ، بأن دخل أحدهم فأفسد قبل تمام العدد ، لم تنعقد بهم ، وإن كان ابتداء دخولهم على وجه صحيح.

الثالث : أن يكون العدد اللازم ممن يجب عليهم السعي إلى الجمعة وتصحّ منهم ، أو لا تجب عليهم وتنعقد بهم وقد انعقدت ، فإنّها تتعيّن بعد الانعقاد على غيرهم.

وهو شرط في الابتداء ، فلو اختلّ بعد الدخول أو انكشف بعد التمام صحّت أو أُتمت جمعة على إشكال في الأخير.

البحث الثاني : في شرائط صحّتها وهي أُمور :

الأوّل : البلوغ أو التمييز ؛ مقرونة بأحدهما أو كليهما على وجه التبعيض من البداية إلى النهاية.

الثاني : العقل ؛ مُستمرّا من بدايتها إلى نهايتها ، وإن كان ممّا يعتوره الجنون خارجاً عنها ، بأن كان أدواريّاً وصادف وقتها وقت العقل.

والظاهر أنّ للجنون مراتب ، فقد يعقل معه أوقات الصلاة أو غيرها من عقائد أو غيرها ، فتختلف تكاليفه باختلاف أحواله في وجه قويّ.

الثالث : كون الإمام نبيّاً أو إماماً

أو منصوباً خاصّاً لهما في زمن الحضور وبسط الكلمة.

الرابع : الوحدة في مقدار فرسخ شرعيّ ، عبارة عن ثلاثة أميال ، وهي عبارة عن

٢٥٢

اثنى عشر ألف ذراع بذراع اليد ، الذي هو عبارة عن عرض أربع وعشرين إصبعاً ، عرض الإصبع سبع شَعيرات ، عرض الشعيرة سبع شعرات من شعر البرذون. ومن أراد الأقرب إلى التحقيق ، لاحظ منى وعرفات ، وما بين عاير ووعير.

فمتى دخل في مساحة الفرسخ بعض الأئمّة أو المأمومين بكلّه أو بعضه ، بطلت صلاتهم ، ونقص العدد بهم ، إن كانوا ممّا ينقص بهم ، مع حصول الاقتران.

والتقدّم لإحدى الجمعتين في البداية يصحّح المقدّم ، ويُفسد المؤخّر. ولا اعتبار للسّبق في الغاية ، فلا أثر للسّبق في الفراغ.

ولو لم تكونا ابتداء في أقلّ من الحدّ ، ثمّ تحرّكتا أو أحدهما قليلاً من الخُطا ، أو كانتا في سفينتين فتقاربتا ، أو على دواب فتقاربت في الأثناء ، قوي القول بالصحّة ، بناءً على أنّ ذلك شرط في الابتداء ، فينعكس الحكم بانعكاس الفرض.

وفي اعتبار المسافة من محلّ الأقدام أو الرؤوس وجهان : أقواهما أن يلحظ الاثنان ، ومدّ اليد أو الرجل بالعارض غير مُخلّ.

والظاهر تسرية الحكم فيما وجب من الخطبة ، وتعتبر جهة المحاذاة ، دون طريق السلوك على الأقوى ، وعليه لو اختلف الطريقان ، حكم بالبطلان.

ولو حصل الاشتباه في المتقدّم والمتأخّر ، رجّح جانب البطلان ، مع احتمال الحكم بالصحّة فيهما منهما ظاهراً ، أو في خصوص معلوم التاريخ منهما ، ويبعدهما لزوم عدم أو قلّة الثمرة في اعتبار الوحدة غالباً.

وإذا بانَ الاقتران أعادا جمعة مُجتمعين فيها ، أو مُفترقين بما يتحقّق به الشرط ، مع بقاء وقتها.

ومع اشتباه السابق ، مع العلم بسبقه بعينه فنسي التعيين أو لا ، بل علم بمجرّد السبق يجب على كلّ منهما جمعة يجتمعان فيها ، مع بقاء وقتها وظهراً معاً. وإن أراد صلاتها مع غيرهما خرجا عن المحلّ إلى مكان خالٍ عن الإشكال.

ومع اشتباه السبق والاقتران يحتمل الإلحاق بالأوّل والأخير ، ولا يحتسب بأحد الإمامين ، ولا بالمؤتم بهما من العدد.

٢٥٣

ولو بَعُد كلّ عن موضع صاحبه بفرسخ ، أتى كلّ منهما بجمعة وظهر ، ولا يصلّي أحدهما ، ولا بعض تبعته مع الأخر أو بعض تبعته.

ولو تعذّر البُعد ، تعيّن الظهر في صورتي العلم بالسبق ، ووجب الجمع بينه وبين الجمعة مع اشتباهه مع الاقتران.

ولو انكشف بطلان إحداهما ، صحّت الأُخرى إن كان الدخول فيها مقروناً بالاطمئنان بحصول شرطها ، وإلا فسدت.

الخامس : الجماعة ، فلا تصحّ فُرادى ، ولو تعذّرت تعيّنت صلاة الظهر. وهي شرط في الابتداء دون الاستدامة ، فلا يصحّ الابتداء بها فرادى.

وتُدرك لإدراك الجماعة بلحوق الإمام راكعاً ، بقي من الذِّكر شي‌ء أو لا ، مُطمئناً أو لا. ومع عدم الإدراك تفسد تكبيرته ، بخلاف غيرها من الصلوات.

ولا يجوز العُدول منها إلى فرض أو نفل. فإن أدرك من الثانية ركوعها ، صحّت ركعة واحدة ، وانفرد عن الإمام بالثانية. ولو

شكّ في الإدراك أو ظنّه من غير اطمئنان ، بنى على عدمه.

ولو فسدت صلاة الإمام في الأثناء بحدثٍ أو غيره ، أو ظهَر عدم قابليّته ، أو عرضَ لهُ عارض فيه كموت ونحوه ، بقي المأمومون على صلاتهم ، ويُقدّمون استحباباً بل احتياطاً منهم من يأمّهم ؛ فإن لم يكن أو لم يفعلوا ، أتمّوا على القول بالوجوب ، وصحّت جُمعتهم ، كما لو ظهر الحال بعد التمام. ولا يجوز لهم العدول إلى الانفراد اختياراً.

السادس : الإمامة ، فلا تصحّ فُرادى ، إلا إذا حدثَ على المأمومين حادث ، أو ظهرت عدم قابليّته عندهم ، فانفردوا عنه على نحو ما سيجي‌ء.

ولو كان الإمام قابلاً في زعم العدد المعتبر ، لم يجب الحضور على من علم عدم قابليّته ، ولا تصحّ له جمعة أُخرى في أقلّ من فرسخ. وفي وجوب الخروج عليه خارج الفرسخ لإقامتها وجه قويّ.

٢٥٤

ولو ذهبت قابليّته ، ثمّ عادت قبل العدول ، قوي الاستمرار على إشكال ، بخلاف ما إذا عادت بعده.

ولو حكم على الإمام في الأثناء بالعزل ، فهل ينعزل بالعزل المطلق قبل الفراغ؟ الظاهر لا ، وفي جواز العزل الخاص إشكال. أمّا الانعزال فليس في حكمه إشكال.

السابع : الخُطبتان ، وأقلّهما ما اشتملَ على التحميد بلفظ «الحمد لله» وعلى الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلفظ الصلاة ، وعلى الوعظ بمثل : «أيّها الناس اتقوا الله» وعلى سورة خفيفة ، والظاهر أنّ تخفيفها عزيمة ، مثل سورة الكوثر وما يقاربها.

وأمّا الاشتمال على الشهادتين ، والوصيّة ، والاستغفار ، والدعاء لأئمّة المسلمين ولهم ، وذكر الأئمّة عليهم‌السلام على التفصيل فليس بلازم ، لكنه سنّة.

ولا يلزم فيها ترتيب ولا موالاة ، سوى ما يخرجها عن الهيئة ، وصدق الاسم.

ولو شكّ بين الواحدة والثنتين ، بنى على الواحدة.

ولو شكّ في شي‌ء من الأُولى بعد الدخول في الثانية ، أو في الثّانية حتّى دخل في مقدّمات الصلاة ، أو شكّ في بعض أجزائهما بعد الدخول في غيره ، فلا اعتبار بشكّه ، وكذا كثير الشكّ.

وهما شرط في صحّة صلاة الجمعة ، فلو تركت إحداهما أو بعض ممّا يلزم فيهما أو في إحداهما عمداً أو سهواً لم تنعقد الجمعة ، وأُعيدت مع بقاء الوقت. فإن ضاقَ الوقت عنها ، وعن ركعة منها جيئ بالظهر.

والأقوى : سقوط الجمعة مع العجز عمّا يجب منها. والأحوط الجمع بين الإتيان بها وبالمقدور من خُطبتها ، وبينها مجرّدة مع العجز عن جميعها وبين الظهر.

ويُشترط فيهما أُمور :

منها : الوقت ، وهو الزوال ، فلو وقعتا أو إحداهما أو شي‌ء منهما قبل الوقت عمداً

٢٥٥

أو سهواً مطلقاً أو بعد اجتهاد ، ولم يدخل الوقت في أثنائهما أو بينهما ، بطلتا. وإن دخل مع الاجتهاد ففيه وجهان على القول بصحّة الصلاة بمثل ذلك وخيال الأولويّة وعموم المنزلة.

ومنها : قيام الخطيب حال التشاغل بأحدهما مُنتصباً ، مستقرّاً ، غير مُلتفت التفاتاً فاحشاً ، فإن لم يتيسّر له ذلك فراكباً أو ماشياً ، أو في السفينة ، أو جالساً ، أو مُضطجعاً على الجانب الأيمن ، أو الأيسر ، أو مُستلقياً مُومئاً على نحو ما في الصلاة.

ومنها : اتحاد الخطيب في الخُطبتين ، وفيهما وفي الصلاة مع الإمكان في وجه قويّ ، وإلا جاز التعدّد.

ومنها : الفصل بينهما بجلسة للقائم والماشي ، وبسكتة للراكب والجالس ومن خلفهم ، والظاهر اشتراط خفّتها.

ومنها : جميع شرائط الصلاة ، من رفع حدثٍ ، أو خبثٍ ، أو لباس ، أو مكان قابلين للصّلاة ، وعربيّة ، وغير ذلك ، سوى الاستقبال ، والكلام بين الخطبتين.

ومنها : إسماع العدد المُعتبر مع الإمكان ، فإن كانوا أو بعضهم صُمّاً فلا بأس. والأحوط اشتراط جميع شرائط الصلاة ، وانتفاء مُنافياتها ، عدا ما نُصّ على جوازه.

ويُستحبّ فيها أُمور :

إصغاء المأمومين ، وترك الكلام منهم ومن الإمام ، وبلاغة الخطيب ، ومواظبته على فعل الفرائض والسنن ، وأوقاتها ، وفضيلته ، وجلالته ، وظهور الورع عليه ، وسلامته من العيوب ، لتملأ موعظته القلوب ، بحيث يتّعظ الناس برؤيا حاله قبل سماع مقاله ، وحسن صوته ، وتأثيره في قلوب النّاس ، وصعوده على عالٍ.

واستقبالهم بوجهه ، وسماع صوته ، وجلوسه على مُرتفع ، وتعمّمه شتاءً وصيفاً ، وارتداؤه ببُرد يمنيّة كقفر ، ثوب من برود اليمن ، والاعتماد على قوس أو على عصاً أو سيف أو غيرها ، والتسليم على الناس أوّلاً بعد العلوّ على مرتفع ، وبعد الجلوس في وجه ، فيجب ردّهم عليه كفاية ، ويختصّ الوجوب بمن حضر السلام ، والتأذين بعد

٢٥٦

صعوده ، والجلوس قبل الخطبة ، والإعلان بذكر الله تعالى ، والتأوّه من غضب الله تعالى.

الثامن : الوقت ، وأوّله : الزوال ، ويدخل بمضيّ وقت يسع أقلّ المجزي من الخطبة من بعد الزوال ، فلو ذهل عن الوقت أو اجتهد ، فأخطأ فأوقع جزءاً منها قبل دخول الوقت ، بطلت ، دخل في الأثناء أو لا ، بلغ تمام الركعة أولا ، وإن احتسبنا الخطبة بمنزلة التتمة.

واخره : إذا صار ظلّ كلّ شي‌ء مثله. فإذا فات ، تعيّن الظهر أربعاً.

ويتحقّق الفوات : بأن لا يبقى منه مقدار ركعة منها جامعة للشرائط ، ويتعيّن عليه حينئذٍ القطع والإتيان بالظهر.

وإذا اختلف رأي المأمومين عن رأي الإمام بطريق القطع ، لم يدخلوا معه. وإن كان بطريق الظنّ ، فيقوى القول بالصحّة مع الدخول معه بعد العلم.

التاسع : عدم المانع منها من تقيّة وغيرها ، وصاحب التقيّة أدرى بها.

فلو حصل ذلك ، اشترك الإمام والمأمومون بذلك ، أو اختصّ الإمام به مع علم المأمومين ابتداءً ، بطلت. ولو اختصّ بالمأمومين ، فإن كان السالم يفي بالعدد ، صحّت ، وإلا بطلت.

ولا يتحقّق المانع بمجرّد اطلاع المخالفين مع عدم الخوف ، وإن جاز العمل على وفق مذهبهم بمجرّد ذلك.

البحث الثالث : فيمن تصحّ منهم ولا تتعيّن عليهم

فيكون وجوبها تخييرياً بالنسبة إليهم ، وهم الجامعون لصفتي الكمال ، مع اثنى عشر صفة ، انضمّ بعض منها إلى بعض أو لا.

أحدها : الرقيّة ؛ مع التشبّث بالحريّة وبدونه ، مع التبعيض وبدونه ، مع تجويز المولى (بقي وقت الجمعة أو لا) (١) فإنّه يتخيّر بين الجمعة والظهر ، ولا تتعيّن عليه الجمعة ، مع

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في «م» ، «س».

٢٥٧

عدم تعيين المولى ، إلا مع سبق التحرير على أداء الظهر ، وقد بقي وقت للجمعة أو لركعةٍ منها.

ثانيها : السفر المعيّن للقصر أو المخيّر ، مع عدم طروّ الموجب للتمام قبل صلاة الظهر ، مع بقاء وقتٍ للجمعة أو لركعةٍ منها.

والخوف الباعث على التقصير مع الخطر بحكم السفر.

ولو أجزنا للإمام حينئذٍ أن يصلّي جمعة ، وفرّق المأمومين فرقتين ، لم تكن جُمعتان ، حتّى لو مات وصلّى غيره بالفرقة الأُخرى.

ثالثها : خلاف الذكورة ، ويقرب لحوق الخُنثى والممسوح بالأُنثى ، فتجب الجمعة عليها تخييراً.

رابعها : عدم البصر ، فلا تتعيّن على الأعمى وما يشبهه ، وإن قصرت المسافة ، وارتفعت المشقّة. ولو أبصر بعد صلاة الظهر أو في أثنائها ، مضى على حاله. ولو أبصر قبل فعل الظهر وقد بقي وقت للجمعة أو لركعةٍ منها ، تعيّنت عليه.

خامسها : المرض مرضاً مُعتدّاً به ، وإن كان في الحضور مشقّة جزئيّة. أمّا لو لم تكن مشقّة بالمرّة ، أو كان المشي دواءً له ، تعيّنت عليه.

ويُلحق الحبس ، وعروض المطر ، والاشتغال بمريض ، ونحو ذلك بذلك.

سادسها : الإقعاد وما يشبهه من العرج ، مع القُرب والبُعد ، والمشقّة وعدمها. ولو أمكنه التداوي لدفع هذه الأُمور ، لم يجب.

سابعها : الشيخوخة البالغة قريب العجز ؛ لأنّها أعظم من المرض.

٢٥٨

ثامنها : الزيادة على فرسخين فيما بينه وبين الجمعة ؛ فإنّه يتخيّر بين الحضور والإتيان بها وبين الظهر ، ومجهول المسافة يحكم فيه بالنقصان.

والمدار على منزله ، لا على موضع تردّده.

ولو زاد بعض منزله دون البعض الأخر ، فالمدار على الناقص.

والمدار على الطريق هنا ، لا على المحاذاة ، ولو كان أقصر وأطول عمل على الأقصر.

وذو الوطنين يلحظ الأقرب ، إلا إذا حصل في الأبعد. وصاحب الإقامة عشراً وطنه محلّ إقامته ، وما لم تكن زيادة وجب السعي والصلاة ، نوى عدم العود أو العود ، مع الإقامة وبدونها ، وقد تُلحق به موجبات التمام.

والمدار على التوطّن ، وإن لم يكن منزل ولا ملك.

ومن كان قريباً لكن له مانع يمنعه عن الوصول قبل الظهر لو خرج من الصبح ، من شجر أو جبل أو ريحٍ أو فَقدِه مع كون السير في البحر ونحو ذلك ، لم يلزمه الحضور.

تاسعها : حصول خمسة أو ستّة تنعقد بهم الجمعة ، أحدهم الإمام.

وذوا الحقو الواحد إذا حكم عليهما بالتعدّد يلحقان بالمتعدّد.

عاشرها : عدم وجود إمام مُستعد لمعرفة كيفيّة الخطبة والجمعة ، ولم يكن قابلاً بالفعل ، فلا يتعيّن تعليمه ، ولهم الخيار في إقامة الجمعة ؛ لأنّ الظاهر أنّ وجوبها مشروط ، لا مطلق.

حادي عشرها : الكون في زمان الغيبة أو الحضور المشبه لها ؛ لعدم إمكان تنزيل الأوامر على الوجوب التعييني ، فتعيّن التخييري ، ولما فيه من الجمع بين أكثر الأخبار ، ومعظم كلمات الفقهاء ، وللإجماعات المنقولة على ذلك.

٢٥٩

ثاني عشرها : الإتيان بصلاة العيد ، فإنّ من أتى بها كان له الخيار بين صلاة الجمعة وصلاة الظهر ، وجميع هذه المواضع تترجّح فيها صلاة الجمعة على صلاة الظهر.

البحث الرابع : فيمن تصحّ منه ولا تجب عليه بقسم من الوجوبين ولا تنعقد به وهو الطفل المميّز على أصحّ القولين ، وإن انعقدت به صلاة الجماعة على الأقوى. فإذا صلاها أجزأته عن الظهر ، مع البلوغ قبل تمام الصلاة أو بعد تمامها ، ولا حاجة به إلى تبديل النيّة ؛ لإغناء نيّة الجملة عن نيّة الأجزاء.

البحث الخامس : فيمن تنعقد بهم ، فتجب على غيرهم تعييناً في مقام التعيين ، وتخييراً في مقام التخيير.

لا بحث في انعقادها بمن لم يشتمل على صفة من صفتي نقص الكمال أو صفة من الاثنتي عشرة ، كما أنّه لا بحث في عدم انعقادها بناقص صفة من صفتي الكمال ، ويقوى عدم الانعقاد بالأُنثى والمملوك من الثمانية المتقدّمة ، ولا يجب عليهما على التعيين ، مع الحضور ، ولا بهما ، ولا تنعقد بالستة الباقية ، أئمّة ومأمومين ، وتجب بهم وعليهم على التعيين ، مع الحضور ، وعدم المانع ؛ وتسقط مع الاشتغال بميّت ، أو مريض ، أو حبس ، أو مطر ، أو وحل ، أو عوارض مضرّة ، أو إخلال بواجب ، ونحو ذلك.

البحث السادس : فيما يُستحبّ فيها يُستحبّ فيها حضور مَن لم تَجب عليه ، وتصحّ منه ، من البعيد والمسافر ونحوهما ، والغُسل ، والمباكرة إلى المسجد ، والتطيّب ، ولبس أفضل الثياب ، والتعمّم ، والتردّي ، وحلق الرأس ، وتقليم الأظفار ، بادياً بخنصر اليُسرى ، خاتماً بخنصر اليمنى ، قائلاً : «بسم الله وبالله ، وعلى سنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله

٢٦٠