كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ٣

الشيخ جعفر كاشف الغطاء

كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ٣

المؤلف:

الشيخ جعفر كاشف الغطاء


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-371-030-3
الصفحات: ٥٥٢

فما بعده ، والجالس للجالس وما بعده ، والمضطجع على الجانب الأيمن للمضطجع على الجانب الأيسر وما بعده ، والمضطجع على الأيسر للمُستلقي ، ودون العكس فيهنّ.

وفي إلحاق الناقص من هذه المراتب باعتماد ونحوه بالمنخفض وجه.

ويجري المنع في الابتداء والاستدامة ، فحيث يعرض للإمام في الأثناء عارض وليس سواه ، لزم الانفراد حينئذٍ ، ويحتمل عدمه.

وفي إلحاق الماشي بالقائم ، والراكب بالجالس ، ومُلاحظة اختلاف حال الركوب ، والوقوف على الرجل ، والسرج ، وفي الجلوس ، والنوم بحث.

والمنحني على هيئة الراكع من القائم والجالس عن عجزٍ يؤمّ الجالس اختياراً في صلاة الاستسقاء ونحوها ، وفي العكس إشكال. ويحتمل جعل المدار على النيّة.

ومن اختلفت عليه الأحوال ، إن توافقت في المحال فلا بأس ، وإلا لم يجز.

تاسعها : السلامة من الخَرَس ، أو تبديل الحروف في القراءة النائب فيها بغير ما يسوغ تبديله ، أو زيادتها ، أو نقص شي‌ء منها حيث لا يجوز النقص وتبديل الحركات البنائيّة أو الإعرابيّة أو زيادتها أو نقص شي‌ء منها في غير محلّ الجواز ، مع سلامة المأمومين من ذلك ، أو أقليّة ما يقع منهم عمّا يقع من الإمام ، وإن صحّت صلاة المأمومين لمعذوريّتهم.

ولو كان في غير المنوب عنه من ذكر في الأخيرتين أو ركوع أو سجود أو تشهّد ، قويت الصحّة ، والأحوط التجنّب. ولو كان العيب في الأخيرتين ، فوافقه في الأُوليين أو بالعكس ، فلا بأس.

ولا فرق بين تقدّمه في القراءة على المأموم أو تأخّره.

ولو كان الحادث في المندوبات ممّا لا يُعتبر فيها سوى المعاني فلا إشكال فيها.

ولو كانت النيابة عن الميّت ، احتمل إجراء الحكم في كلّ ما نابَ به ولو مع نقص المنوب ، والجواز مطلقاً ، والتفصيل ، والأوسط أوسط.

٣٢١

ولو كان العيب لا يُخرج عن الاسم ، فلا بأس به ، والرتة (١) ، والرتلة ، واللّثغة (٢) ، واللّيغة (٣) ، وجميع ما فيه تغيّر حرف يجري فيه الحكم.

وأمّا ما فيه التكرير دون التغيير ، كالفأفاء ، والتأتاء ، والبأباء ، ونحوها ، فالظاهر أنّه لا بأس به. ولا يجب على العاجز الائتمام بالقادر على الأقوى.

عاشرها : طهارة المولد ، فلا تجوز إمامة من تثبت ولادته من الزنا بوجهٍ شرعيّ ولا عبرة بالأقاويل لا بمثله ، ولا بغيره في أوّل درجة. ويقوى القول بالكراهة إلى السبع.

ولا بأس بمن التحق بالأولاد لشُبهة أو تعمّد تحريم في غير الزنا ، كالحيض ، والجماع مع الظهار قبل الرخصة ، ونحوهما.

حادي عشرها : الختان ، فلا يجوز الائتمام بالأغلف مع التمكّن من الختان ، وإن كان معصية صغيرة ، ولذلك حسن جعله مانعاً مستقلا.

ومع عدم التمكّن يجوز له الإمامة بمثله ، وبالمختون ، ومن كان مختوناً في خلقته ، أو خيف عليه من سرايته ، أو فَقدِ ذو قابليّة ، فلا مانع من إمامته ؛ لعدم معصيته.

والمدار على القطع المُعتاد ، فلو بقي من الغلفة شي‌ء كان كغير المختون.

وإمامة المرأة لا تتوقّف على الختنة ؛ لأنّها من السنة ، ويقوى إلحاق الخُنثى بالذكر.

وتصحّ صلاة الأغلف منفرداً أو مأموماً ، وإن كان متمكّناً عاصياً ، فتنعقد به الجماعة والجمعة.

ثاني عشرها : السلامة من المحدوديّة الشرعيّة ؛ فمتى ثبتت محدوديّته ، بطلت إمامته وإن لم يعلم بوقوع الكبيرة منه ، إذا لم تعلم توبته. ولو ثبتت توبته ، صحّت إمامته ، والأحوط تجنّبه.

ثالث عشرها : السلامة من الأعرابيّة بعد الهجرة ، بأن يخرج عن بلاد الإسلام بعد

__________________

(١) الرتّة : حبسة في اللسان ، وعن المبرد هي كالريح تمنع الكلام فإذا جاء شي‌ء منه اتصل ، المصباح المنير : ٢١٨.

(٢) اللّثغة : حبسة في اللسان ، حتى تصير الراء لاماً أو غيناً ، أو السين ثاءً ، أو نحو ذلك. المصباح المنير : ٥٤٩.

(٣) الأليغ : الذي يرجع كلامه إلى الياء ، وقبل هو الذي لا يبين الكلام ، لسان العرب ٨ : ٤٤٩.

٣٢٢

ما هاجر إليها إلى أرضٍ أو بلادٍ لا تُقام فيها الصلوات ، ولا تمضي فيها الأحكام الشرعيّات.

ويلحق به من بقي مُتعرّباً ، ولم يراجع ، مع احتياجه إلى الرجوع في الأُصول أو الفروع ؛ ومن حضرَ في بلاد الإسلام ، ولم يرجع إلى المجتهدين في الأحكام مع الحضور ، وإمكان الرجوع إليهم في خفايا الأُمور.

والاكتفاء عن ذكر هذه الشروط الثلاثة ، والاكتفاء بذكر شرط العدالة وجه قوي.

رابع عشرها : الوحدة ، فلا يجوز الاقتداء بإمامين أو أكثر في آنٍ واحد. فلو نوى خلف من ائتم به الجماعة ، وكانوا مؤتمين بإمامين ، بطلت صلاته.

خامس عشرها : التعيّن ، والتعيين بالإشارة أو الاسم أو الوصف ، فلو ائتم بالمُبهم ، لم يكن ذلك صحيحاً منه. ولو تعارضت الإشارة والاسم ، بنى على الإشارة.

ولو زعم شخصاً ، فبانَ غيره ، لم يكن بأس ، مع ظهور قابليّته ، وعدمها ، ويشتدّ الاحتياط في الأخير.

ولو تجدّد فوات شرط في الأثناء ، أو ظهر فواته فيه في الابتداء ، لم يقض بالفساد ، بل يعدل إلى الانفراد.

القسم الثاني ما يتوقّف عليه الكمال

وهو أُمور :

منها : أن لا يكون بين الإمام وبين الله ذنب ، كبيراً أو صغيراً ، فلو علم ذلك تداركه بالتوبة قبل الدخول في الصلاة ، وليس ذلك بشرط على الأقوى.

ومنها : السلامة من المملوكيّة ، ولو على وجه البعضيّة ، إلا أن يرجع لأُمور أُخرى خارجيّة.

ومنها : السلامة من العمى ، أصليّاً أو عارضيّاً. ولإلحاق مشدود العينين لرمد أو غيره به وجه.

وفي هذه الثلاثة لا سيّما الأخير يحتمل التعميم للمماثل وغيره ، والتخصيص بغير المماثل.

٣٢٣

ومنها : عدم الاتصاف بالطهارة الاضطراريّة الترابيّة في إمامة المتطهّر بالماء من المأمومين.

ومنها : إقامة الصفوف ، وإتمامها ، والمحاذاة بين المناكب ، وتسوية الخلل ، والتقدّم ، والتأخّر مع ضيق الصف.

ومنها : أن لا يخصّ الإمام نفسه بالدعاء ، بل يعمّ نفسه وأصحابه.

ومنها : عدم الاختلاف في القصر والتمام بين المأمومين والإمام ، ويجوز للمأموم المقصّر أن يصلّي فرضه مع المتمّم.

وإن تمّت صلاة الإمام المقصّر ، استناب غيره من المأمومين ليأمّهم ؛ فإن لم يستنب ، قدّم المأمومون أحدهم. ولو قدّم كلّ حزب واحداً حتّى عادت جماعات ، فلا بأس.

ومنها : السلامة من التقييد لو كان المأموم من المطلقين ، أو مطلقاً. وفي تسرية الحكم إلى ما إذا كان الإمام أشدّ تقييداً منهم وجه.

ومنها : السلامة من الفالج ، مع كون المأمومين سالمين ، أو مطلقاً. وفي ثبوت الكراهة فيما لو كان فالج الإمام أشدّ من فالج المأمومين وجه.

ومنها : السلامة من كراهة المأمومين كلا أو بعضاً لإمامته ، وبشدّة الكراهة ، وضعفها ، وكثرة الكارهين ، وقلتهم تختلف مراتب الكراهة.

ومنها : عدم الأولويّة لغيره ، فلا يتقدّم صاحب سلطان ، أو راتب ، أو أعلم ، أو أعدل ، أو أقرأ ، أو أقدم هجرة ، أو أشرف نسباً ؛ لهاشميّة أو قرشيّة ، أو أحرص على الطاعة ، أو أقوى ، أو أنظف ، أو أسكن ، أو أوقر ، أو أكمل ، أو أسنّ ، أو أصبح ، أو أحسن صوتاً أو هيئةً. وكلّ متقدّمة في الرجحان تُرعى قبل المتأخرة ، ومع المساواة يرجع إلى القرعة.

والإمامة أفضل من المأموميّة.

ومنها : أن لا يكون مسبوقاً بركعة أو أكثر. فلو كان كذلك ، فلا ينبغي للإمام مع حصول المانع له عن الإتمام تقديمه.

٣٢٤

ومنها : لا يكون ممّن لم يدرك تكبيرة الركوع.

ومنها : أن لا يكون ممن لم يُدرك الإقامة. فإن لم يكن أدركها ، فلا ينبغي للإمام تقديمه إذا تعذّر تتميمه.

ومع النقص في جميع الأقسام لا يترجح الانفراد ، بل لا يبعد أنّه لو دار الأمر بين فعلها في الأوقات أو الأمكنة المكروهة أو المرجوحة ، وبين الانفراد مع السلامة ، قُدّمت عليه.

البحث السابع : في أحكام الجماعة

وهي أُمور :

منها : أنّه إذا تبيّن بطلان صلاة الإمام لعدم طهارةٍ حدثيّة أو خبثيّة ، أو ما يجوز من اللّباس أو المكان ، أو الاستقبال ، أو النيّة ، عمداً أو سهواً ، أو الإسلام ، أو الإيمان ، أو البلوغ ، أو العقل أو العدالة ، أو صحّة القراءة ، أو باقي الأقوال الواجبة أو الأعمال في الأثناء قبل الفراغ ، فحكمه حكم ما لو تجدّد المُبطل في الأثناء ، يجب قصد الانفراد فيه ، أو نصب إمام من المأمومين على العموم في وجه قويّ.

ولو ظهر شي‌ء منها بعد الفراغ ، بقيت صلاتهم على صحّتها. ويقوى لحوق انكشاف عدم الإمام أو غير المعيّن عدلاً أو فاسقاً بالحكم ، وليس على الإمام في الصورتين إعلامهم. ويحتمل ذلك فيما لو كان في الأثناء.

ولا يتغيّر الحكم بالصحّة مع إعلامهم له ، ويجب عليه قطع العمل.

وهل يكون من صلاة الجماعة حقيقة فيتحقّق بها الوفاء بالنذر مثلاً ، وعمل الإجارة ونحوها ، أو من الفُرادى ، وإنّما يُثاب عليها لطفاً من الله؟ الظاهر الأوّل. فشرط الإمام علميّ لا وجوديّ على إشكال.

ومنها : أنّه لو فقدَ شرط الجماعة ، من اختلاف الصلاتين جنساً ، فرضاً ونفلاً ، أو نوعاً ، كيوميّة مع جمعة أو آئيّة ، أو آئيّة مع يوميّة ، ثمّ علم بعد الفراغ ، مَضت صلاته ، وحُسب فرادى ، وفي الأثناء ينوي الانفراد ويتمّ.

٣٢٥

والأوفق بالاحتياط الإعادة بعد التمام. وفي الجمعة إذا صلاها مع المخالفة يقوى البطلان.

ومنها : أنّه يجوز الانفراد اختياراً ، وفي صلاة الخوف إرشاد إليه.

ومنها : أنّه يجب على المأموم الإتيان بجميع واجبات الصلاة ، إلا القراءة حيث تتعيّن ، كما في الركعتين الأُوليين إذا كان الإمام مرضيّاً.

ويجب عليه القراءة تامّة إذا أمكن في الركعتين الأُوليين. فإن لم يمكن ، اقتصر على الفاتحة وحدها. فإن لم يمكن ، أتى بما يمكن منها.

وإذا كان الإمام في إحدى الركعتين الأخيرتين ، فعليه الإتيان بأحد الأمرين ، إمّا الفاتحة أو التسبيح ، تامّين إن أمكن قبل الرفع عن الركوع ، وإلا فيما يمكن ، قرأ الإمام أو لم يقرأ ؛ إذ حاله كحال الإمام والمنفرد فيهما.

ولو زعم أنّ الإمام في الأُوليين وترك القراءة ، وبعد الفراغ أو الركوع علم أنّه في الأخيرتين ، مَضت صلاته.

ولو دخل مع الإمام ولم يعلم أنّه في الأُوليين أو الأخيرتين قرأ ، ولم يجب عليه السؤال ، وصحّت صلاته ، وافق أو خالف.

ولو زعم أنّه في الأوليين فترك القراءة ، ثمّ ظهر الخلاف ، فلا بأس ، كما في العكس.

ومنها : عدم جواز قراءة المأموم مع الإمام في الجهريّة ، مع سماع قراءة الإمام ، ولو الهمهمة. ويجب الإنصات عليه. وتُستحبّ مع عدم السماع. وتُكره في الإخفاتيّة ، مع السماع وبدونه ، وفي الأولّ أشدّ كراهة.

ومنها : أنّه مع التقيّة يتولّى لنفسه الأذان والإقامة ، ومع الضيق يقتصر على الإقامة ، ومع الضيق عن تمامها يكتفي بقوله : «قد قامت الصلاة ، قد قامت الصلاة ، الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله».

ويقرأ لنفسه على نحو حال الانفراد ، فإن لم يتمكّن من قراءة الجهر في محلّه ، قرأ إخفاتاً. فإن لم يتمكّن من القراءة على النحو المعتاد ، قرأ مثل حديث النفس. فإن لم

٣٢٦

يتمكن ، ترك القراءة ، وركع معهم.

وإذا قرأ وأتم قبل الإمام ، كانَ له أن يسكت حتّى يركع معه ، ويُستحبّ له الذكر إلى تلك الغاية ، مُقتصراً عليه ، أو مُبقياً أية يأتي بها بعد ؛ ليركع عنها.

ومنها : أنّه يكره سكوت المأموم إذا لم يسمع قراءة الإمام ، بل يسبّح ، أو يذكر بنحو آخر ، أو يدعو ، ويصلّي على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ومنها : أنّه يُستحبّ للمسبوق إذا استُنيب وتمّت صلاته أن يُشير إلى المأمومين بيده يميناً وشمالاً ليسلّموا ، ثمّ يتمّ صلاته ، أو يقدّم مَن يُسلّم بهم.

ومنها : أنّه ينبغي للمأمومين أن يُؤذّنوا ، ويُقيموا قبل وصول الإمام ، وإن كان مؤذّناً ، فإذا قال المُقيم : «قد قامت الصلاة» قدّموا غيره ، وائتمّوا به.

ومنها : أنّه إذا مات الإمام في الأثناء ، كان الراجح للمأمومين أن يضعوه خلفهم ، ويقدّموا من يأتمّ بهم ، ولا يستأنفوا الصلاة مع عدم الإتيان بالمخلّ.

ومنها : أنّه ينبغي الدخول في الركعة قبل التكبير للرّكوع ، والظاهر كراهة الدخول بعده ومعه.

ومنها : أنّ الجماعة تُدرك بإدراك الركوع قبل الشروع في الذكر أو في أثنائه ، أو بعد الفراغ من واجبه أو مندوبه ، ما لم يشرع في الرفع بحيث يخرج عن مُسمّى الركوع ، وله الاكتفاء حينئذٍ بتكبيرة واحدة عن تكبيرة الإحرام ، وتكبيرة الركوع.

ومنها : أنّ مَن فاته الركوع ، وقد كبّر تكبيرة الإحرام مُطمئناً باللحوق ، فلم يلحق ، فاتته الركعة. ويتخيّر بين الانتظار قائماً ، حتّى يقوم الإمام ، فيدخل معه في الركعة المستقبلة إن بقيت له ، ويُدرك بها الجماعة.

وبين أن ينتظره حتّى يفرغ من السجدتين ويجلس للتشهّد ، فيجلس ، ويتشهّد معه. فإن بقي للإمام بعض الركعات ، قامَ معه مُكتفياً بالتكبير الأوّل ، وإلا قام ، وقرأ لنفسه ، وحصل له ثواب الجماعة وإن كان منفرداً.

وبين أن ينفرد من المبدأ ويتمّ صلاته.

وبين أن يعدل بعد نيّة الانفراد أو قبلها إلى النافلة.

٣٢٧

وبين القطع من الأصل ، والدخول معه بتكبيرة جديدة في الركعة الجديدة ، أو بتكبيرة ينوي بها الانفراد بعد فعل المنافي في المقامين ، أو بالدخول في السجدتين أو الأخيرة فقط ، وفي أقسام القطع بتمامها إشكال.

ومن كبّر آيساً من اللحوق أو غير مُطمئنّ به ، فإنّ حكمه كحكمه ، لا تُحسب له الركعة. ثمّ إن قصد الدخول معه في السجدتين أو سجدة ، لم تنعقد صلاة ولا جماعة ، وإن أُثيب عليها.

وإن نوى الانتظار حيث يكون بعض الركعات باقية للإمام أو الدخول حال التشهّد حيث يكون ذلك ، انعقدت صلاته وجماعته ، وإن فاتت ركعته.

وإن أدرك الركوع اتفاقاً أو دخل في إحدى السجدتين ، أُثيبَ ولم يدرك شيئاً. ولو دخل حال التشهّد ولم يبقَ للإمام شي‌ء من الركعات ، قامَ مُنفرداً مُكتفياً بالتكبير الأوّل.

ومنها : أنّ من خافَ أن يرفع الإمام رأسه عن الركوع قبل أن يَصِل إلى الصفوف ، استحبّ له أن يركع مكانه ، ويمشي راكعاً أو بعد السجود ، ويجرّ رجليه جرّاً.

ومنها : أنّ مَن فاته بعض الركعات مع الإمام ، جعل ما أدرك من صلاته أوّلها ، وعمل أعمال نفسه ، فينفرد بالقنوت والتشهّد إذا اختصّ بهما.

ويُستحبّ له اتّباع الإمام إذا لم يُشاركه فيهما ، ثمّ عليه إعادتهما في محلّهما.

وينبغي له التجافي حيث يُتابع في تشهّد الإمام. وإذا دَخَلَ ولم يعلم أنّ الإمام فيما ينوب فيه عنه بالقراءة أو لا ، كان عليه أن يقرأ ، وإذا انكشف الخلاف وأراد القطع ، قطع.

ومنها : أنّه إذا زوحم المأموم عن إدراك الركوع والسجود معاً أو أحدهما أو غفل أو نسي ، فسُبق بركن أو ركنين ، أتى بما فاته ولحق ، والظاهر جريه في مُطلق الأفعال والأقوال ، قلّت أو كثرت ، والأحوط الاقتصار على ما سبق.

ومنها : أنّ المتابعة والتأخّر عنه في الأقوال والأفعال الواجبة واجبة ، وليست بشرط. فلو تقدّم بقول أو فعل عمداً ، عصى ، وصحّت صلاته ، ولا يعود معه.

٣٢٨

(وإن سبقه بالركوع فيما ينوب فيه عنه بالقراءة قوي البطلان ، كما إذا غلط الإمام بالقراءة ولم ينبّهه) (١).

وإن كان ذلك سهواً أو غفلة ، استحبّ له العَود مع الإمام في ركنٍ أو غيره.

ومنها : استحباب إسماع الإمام المأموم ما يجوز به الجهر كائناً ما كان ، مع عدم الإفراط في العلوّ ، وعدم إسماع المأموم الإمام ما يقول ، إلا في تكبيرة الإحرام لو كان مُنتظراً لدخوله ، وفي تنبيهه على الخطأ ، وفي تنبيه الجماعة على أحوال الإمام ، ويُغتفر علوّ الصوت مع الحاجة إليه فيه.

ومنها : أنّه تُستحبّ إطالة الإمام الركوع بمثلَي ما كان يركع مُنتظراً لمن علم دخولهم ، وخافَ فوت الركعة عليهم.

ومنها : أنّه يُستحبّ جلوس الإمام بعد التسليم حتّى يتمّ كلّ مسبوق خلفه.

ومنها : أنّه يُستحبّ لمن صلّى جماعة إماماً أو مأموماً أو فرادى الإعادة بقوم آخرين جماعة مرّة واحدة ، وفي الأكثر إشكال.

ومنها : أنّه يُستحبّ نقل المنفرد نيّته إلى نيّة النفل إذا وجد الجماعة ، وكان محلّ العدول باقياً.

ومنها : أنّه يُستحبّ تفريق الصبيان في الصفوف ؛ لما روي أنّه عليه‌السلام سُئل عن الصبيان إذا صفّوا في الصلاة المكتوبة ، قال : «لا تؤخّروهم عن الصلاة ، وفرّقوا بينهم» (٢).

ومنها : كراهة تمكين الصبيان ، والعبيد ، والمجانين من الصف الأوّل.

ومنها : أنّه يُستحبّ للإمام التعجيل في الحضور ، وقيل : التوسّط.

ومنها : أنّه ينبغي للإمام أن يجعل المأمومين على يمينه ، وقيل : يتوسّط. والتفصيل بين كثرتهم ، فيتوسّط ، وقلّتهم ، فيجعلهم على اليمين قويّ.

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في «م» ، «س».

(٢) الكافي ٣ : ٤٠٩ ح ٣ ، التهذيب ٢ : ٣٨٠ ح ١٥٨٦ ، الوسائل ٣ : ١٤ أبواب أعداد الفرائض ب ٤ ح ٢.

٣٢٩

وعن زين العابدين عليه‌السلام : أنّه كان يأمر يجمع الصبيان بين المغرب والعشاء (١).

ومنها : سقوط الأذان والإقامة عن الداخل إلى محلّ الجماعة مسجداً أو غيره ، مُريداً للدخول في صلاة إمامهم معتقداً به قبل صدق التفرّق عُرفاً ، وقد سبق الكلام فيه.

ومنها : استحباب صلاة الإمام بنحو يناسب أضعف مَن خلفه ، وأن يكون بين المنفّر في إطالته ، والمضيّع.

ومنها : أنّ الصلاة جماعة مع تأخير الوقت ، والتخفيف أفضل من الصلاة الفرادى مع تقديم الوقت والتطويل ، بشرط أن لا يكون اعتياداً.

ومنها : أنّه لو صلّى اثنان فقال كلّ واحد منهما : كُنت إماماً ، صحّت صلاتهما ، ولو قال : كنت مأموماً في محلّ القراءة ، بطلت.

ولو كانا مسبوقين ، فكلّ ادّعى النصب في الأخيرتين ، قويت الصحّة ، وكذا في صلاة الجنازة.

ولاحتمال الصحّة في المقام الأوّل وجه.

وأصل الحكم مَبنيّ على تصديق أحدهما صاحبه ، وإلا بَنيا على الصحّة.

وفي الجمعة مع التصديق يحكم بالبطلان ، وكذا في صلاة العيدين مع الوجوب.

ولو لا لزوم العمل بالنص ، لكان القول بالبطلان مع الاشتباه ، وعدم فوات ركن ولا سيّما مع نسيان القراءة منهما محلّ كلام.

وفي هذه المسألة إشعار بجواز مساواة الموقفين ، وجواز المقارنة في الأفعال.

ولو قال أحدهما : كنتُ إماماً لك ، وقال الأخر : كنت منفرداً ، صحّت. ولو قال أحدهما : كنت منفرداً ، وقال الأخر : كنت مأموماً ، جاء فيه الإشكال.

ومنها : أنّه لا بأس بالصلاة جماعة في مواضع الاضطرار في السفينة الواحدة ،

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٠٩ ح ٢ ، التهذيب ٢ : ٣٨٠ ح ١٥٨٥ ، الوسائل ٣ : ١٣ أبواب أعداد الفرائض ب ٤ ح ١.

٣٣٠

والمتعدّدة ، والدابة الواحدة ، والمتعدّدة ، ومن الماشين ، والجالسين ، والمضطجعين والمستلقين ، وهكذا.

(ومنها : أنّه لو علم أنّ الإمام يترك السورة لعجزٍ أو تقيّةٍ أو مرضٍ أو عجلةٍ ، جازَ الاقتداء به على إشكال. ولكلٍّ من الإمام والمأموم حكمه في الأخيرتين على الأقوى.

وإذا لم يأتِ الإمام ببعض القراءة لعُذر ، لا يجب على المأموم الإتيان بها. وإن غلطَ في القراءة ، وجبَ عليه تنبيهه. وكذا في جميع ما يقتضي الفساد من زيادة ركن أو نقصه مثلاً ، وتعميم جميع الواجبات غير بعيد) ؛. (١)

المبحث الثالث عشرٌ في صلاة القضاء

وفيها أبحاث :

أوّلها : بيان ما فيه القضاء من الفوائت

يجب قضاء الفرائض اليوميّة ، دون الجمعة ، والعيدين ، والآيات ، فلا يجب الإتيان بها بعد تمام الآية ، إلا ما كان منها من الأسباب وتمام العمر وقت له ، أو كان من الخسوف والكسوف وقد تعمّد الترك ، أو احترق القُرص.

وصلاة الجنازة على القبر يوماً وليلة. وركعات الاحتياط ، والأجزاء المنسيّة ، وسجدتا السهو ليست من القضاء ، ما لم يفت الوقت.

ويُستحبّ قضاء النوافل الراتبة إذا تأخّرت عن أوقاتها أو عن صلواتها.

ثانيها : ما بسببه يترتّب القضاء ، وهو أُمور :

منها : تركها ، أو الإتيان بمُفسدها عمداً أو سهواً أو نسياناً ، نوماً أو يقظة ، اختياراً أو اضطراراً ؛ فإن كان منه ذلك ، وجبَ في الواجب وندبَ في المندوب قضاؤها له.

ثالثها : بيان ما يسقط معه القضاء ، وهو أُمور :

منها : ما فاتَ قبل البلوغ ، فإنّه لا يجب ولا يُستحبّ قضاؤه بعده ، وإن استحبّ له

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في «م» ، «س».

٣٣١

صورة أو حقيقة قضاؤه قبل أن يبلغ.

وما كان حال الجنون.

ولا فرق فيهما بين مَن أدرك قبل حدوث العارض قدر ركعة ، أو لا ، وبين من أدرك بعد زوال العارض قدر ركعة أو أكثر على تأمّل ، أو لم يُدرك.

نعم عليه إذا عقل قضاء ما فاته حال كماله المتقدّم لو كان أدوارياً.

ومنها : ما فاتَ لكفرٍ أصلي ارتدادي ، فإنّه إذا أسلم سقط عنه القضاء. ولا يسقط عن المرتد الفطري وإن قلنا ببطلان عبادته مع توبته ؛ لأنّ الممتنع بالاختيار لا يخرج عن حكم الاختيار. وعلى المرأة مطلقاً والمرتد الملّي القضاء ، ويصحّ منهما بعد الإسلام.

ومنها : ما فاتَ حال الحيض والنفاس.

ومنها : ما فاتَ حال الإغماء ، أو المرض المشغل للقلب عن الإدراك.

ومنها : فاقد الطهورين في أقوى القولين.

ولا فرق في تلك الأحوال بين من أدرك من أوّل الوقت ركعة أو أكثر ، ولم يبقَ من الوقت ما يقبل الإتمام ، ومن لم يُدرك.

ومن أدرك منهم ركعة (من آخر الوقت) (١) من فريضة أو نافلة مع الشرائط ، وجب أو استحبّ إكمالها. والظاهر أنّها أداء لا قضاء ، ولا موزعة.

رابعها : قضاء ما فات من الفرائض على نحو ما فات ، إن قصراً فقصراً ، وتماماً فتمام.

وفي قضاء ما فيه التخيير احتمال لزوم التقصير ، وبقاء التخيير ، والتفصيل بين القضاء في مقام التخيير ، فيثبت له حكمه ، وخلافه في خلافه ، ولعلّه أقوى.

ومنها : أنّ مَن فاتته فريضة من الخمس ، واشتبهت عليه ، وجب عليه صلاة ركعتين ، وثلاث ، وأربع ، وقد مرّ الكلام في مثله.

ومنها : أنّ من فاتته صلوات لا يعلم عددها ، وجب عليه القضاء حتّى يظن الوفاء.

ومنها : أنّه على أكبر الولد الذكور قضاء ما فاتَ على أبيه عن قصور.

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في «س» ، «م».

٣٣٢

وفي اختصاص الأوّل من التوأمين في الولادة ، أو الأخير ، أو التوزيع وجوه ، أقواها الأخير.

والأحوط مع فقدِ الأولاد تولّي ذلك من أقرَب الأرحام ، وإجراء الحكم مع التقصير ، وجرّه إلى الوالدة والجدّين.

ومنها : أنّه يلزم الترتيب في قضاء القاضي عن نفسه شيئاً من الفرائض اليوميّة ، دون الآئيّة ، والنذريّة ، والندبيّة ، ونحوها ، ما لم يبلغ حدّ الحرج. ويتحقّق ذلك بقضاء عددٍ لو رتّبه لحِقَته مَشقّة عظيمة.

ولا يلزم في النيابة عن الأموات ، فيجوز الإتيان بعدّة صلوات نيابة عنه تبرّعاً وجوباً أو ندباً أو بعوض ، مُقترنة في جماعة ، أو على الانفراد ، أو بعكس الترتيب.

والأحوط عدم مُراعاة الترتيب ؛ حَذراً من طول المدّة ، وبقاء الميّت مُعاقباً لو كان القضاء عن واجب ، ومن تأخير وصول الأجر لو كان ندباً.

وللنّائب أن يأتي بما شاء من المقضيّات عن المنوب عنه ، واحدة أو أكثر ، من دون مُلاحظة ما قدّم وأخّر.

ثمّ على القول بالترتيب شرط وجوبه العلم بكيفيّة الفوات ، وهذا لا يتفق غالباً. ثمّ ترتيب النوّاب إنّما يُعتبر حيث يعلم بالمقارنة ، وذلك قلّ ما يتفق في غير صلاة الجماعة.

على أنّ الغالب في صلاة النيابة أنّه لا يعلم كونها من القضاء أو من السنّة المبتدأة ، والإطلاق قاضٍ بإطلاق الرُّخصة.

ومنها : أنّ الحكم لا يختلف في قضاء النفس وقضاء التبرّع ، واجباً أو ندباً ، فالواجب واجب ، والندب ندب.

وأمّا ما كان بطريق المعاوضة ، فيجب فيه مع الواجب بالأصل كلّ مُستحبّ شمله عقد المعاوضة ، من أذان ، وإقامة ، أو قنوت ، أو في أذكار قائمة مقام القراءة ، أو ذكر ركوع أو سجود ، أو تشهّد ، ونحوها ؛ لرجوعها إلى المعاملة ، والبناء فيه على ذلك.

ومنها : أنّ النائب يرعى حال نفسه في شروط الصلاة ، ومُنافياتها ، وكيفيّتها ، من جهر ، وإخفات ، وفي أحكام العجز والقدرة وغيرها. ويرعى حال المنوب

٣٣٣

في الأجزاء ، كالقصر والإتمام. فلكلٍ من الذَّكَر والأُنثى ، والمملوك والحرّ حكم نفسه إذا كان نائباً.

ومنها : أنّه لا مانع من الاستيجار على النيابة فيما تصحّ فيه بعقد مُعاطاة أو فضول ، كسائر عقود المعاوضات.

ومنها : أنّه يجوز للنائب أن يستنيب غيره مع التبرّع ، واجباً أو ندباً ، مع عدم ظهور اشتراط المُباشرة ، كما في سائر المعاوضات.

ولو قيل بالفرق بين قول الأجير : «أجرتك نفسي على أن أفعل كذا» فتلزم المباشرة ، وقوله : «على فعل كذا» فلا تلزم ، لكان وجيهاً.

ومنها : أنّ النائب إذا مات ، أو جُنّ جنوناً مُطبقاً ، أو عجز ، وقد بقي عليه شي‌ء من الصلوات ، فإن كانت مُعينة في وقت لا يزيد عليها ، أو كان زمان الحياة قاصراً عن إتمامها ، انفسخ العقد ، وكان للنائب أُجرة ما عمل. وإن كان مُتّسعاً ، فأهمل حتّى ضاقَ ، فالظاهر أنّه يستأجر عليه من ماله ؛ لأنّه مشغول الذمّة بالعمل.

ومنها : أنّ القاضي عن نفسه لو كان عليه صلوات مُتعدّدة ، كان له أن يؤذّن للأُولى ، ويقيم لكلّ واحدة من باقي الورد إقامة إقامة.

ولو حصل فصل بصلاة خارجة ، أو بمضيّ زمان طويل ، أعاده. وللنّائب ذلك ؛ لعدم خروجه عن المتعارف.

ومنها : أنّ المضاعفة في الصلاة بالمساجد ونحوها ، في الثواب دون الاحتساب ، فلا تُحتسب للنائب صلاة مسجد الحرام إلا بواحدة ، كما حكم به الباقر عليه‌السلام (١).

ومنها : أنّه يستحبّ التنحّي عن موضع فوات الصلاة وإيقاع القضاء في محلّ آخر.

ومنها : أنّه يجوز القضاء للفرض والنفل ما لم يتضيّق وقت حاضرة.

ومنها : أنّها تجوز الصلاة أداءً في أوّل وقتها ، وإيقاع النافلة أداءً وقضاءً ممّن عليه قضاء الفرائض.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٥٥ ح ١٩ ، الوسائل ٥ : ٣٦٠ أبواب قضاء الصلوات ب ٧ ح ١.

٣٣٤

ومنها : أنّه يجوز العدول من الحاضرة إلى الفائتة ، دون العكس.

ومنها : أنّه يُستحبّ تعجيل قضاء ما فاتَ نهاراً ولو باللّيل ، وكذا ما فاتَ ليلاً ولو بالنهار.

ومنها : أنّه لو كان عليه من قضاء النوافل ، وتَرَكَ القضاء ، استحبّ له أن يتصدّق بقدر طَوله ، وأدنى ذلك مُدّ لكلّ مسكين ، مكان كلّ صلاة ركعتين من نافلة اللّيل أو نافلة النهار.

فإن لم يقدر ، فعن كلّ أربع من أحد القسمين. فإن لم يقدر ، فمدّ لصلاة اللّيل ، ومدّ لصلاة النهار ، قال الصادق عليه‌السلام : «والصلاة أفضل ، والصلاة أفضل ، والصلاة أفضل» (١).

ومنها : أنّ من كان عليه قضاء فريضة كان له نيّة الوجوب في طهارته ، أراد فعلها أو لا ، قصد دوام الطهارة أو فعل الندب أو لا. ولو نوى الندب حينئذٍ ، فلا بأس.

المبحث الرابع عشرٌ في صلاة السفر

وفيها مقامان :

الأوّل : في الشروط

يجب فيه ترك الركعتين الأخيرتين من الفرائض الرباعيّة اليوميّة ، دون ما كان رباعيّاً من النوافل لو قلنا به. وربّما كان فيه إشعار بنفيه بشروط :

أوّلها : المسافة ، وتتحقّق بقطع ثمانية فراسخ في امتدادٍ ذهابيّ أو إيابيّ أو ملفّق منهما ، مع عدم قصور أحدهما عن الأربعة ، في يوم أو أيّام ، ما لم ينقطع بقاطع يوجب التمام ، من كلّ مفارقٍ لمحلّ التمام ، من وطنٍ أو إقامة عشرة منويّة أو واقعة بعد التردّد

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٥٣ ح ١٣ ، الفقيه ١ : ٣٥٩ ح ١٥٧٧ ، التهذيب ٢ : ١١ ح ٢٥ ، المحاسن : ٣١٥ ح ٣٣ ، الوسائل ٣ : ٥٦ أبواب أعداد الفرائض ب ١٨ ح ٢.

٣٣٥

ثلاثين يوماً ، أو سفينة ، أو دواب ، أو دوران ، أو سعاية ، أو إمارة ، أو نحوها من أسباب عمل السفر ، أو موضع تردّدٍ بعد قطع بعض المسافة ، أو معصية ؛ لأنّها بتمامها من قواطع السفر شرعاً ، كما تُنبئ عنه الأخبار في المسافة في جواب من قال : «في كمّ التقصير؟» (١) ، ظاهر إطلاق التقصير في المسافة ، وفي خصوص الإقامة والعشرة بعد التردّد ، والسفينة إطلاق المنزلة.

وفي خصوص الإقامة ذكروا أنّ نيّتها في أثناء المسافة تقطع المسافة ، وأنّ الخارج منها إلى ما دون المسافة يتمّ في ذهابه ومقصده ، ويقصّر في رجوعه لقصده المسافة. والذي يظهر بعد التأمّل أنّ انعقاد التمام لا يرفع حكمه سوى قصد المسافة.

ولو تردّد في أقلّ من أربعة فراسخ فتمّ بتردّده العدد ذهاباً وإياباً ، أو إلى الجانبين يميناً أو شمالاً ، أو ملفّقاً بأقسامه ، أو ذهب قاطعاً لأقّل من أربعة فأتمّ من الإياب ، أو بالعكس ، فلا مسافة.

ومبدأ الحساب من سور البلد ، ومُنتهى العمارة من القرى والبُلدان الصغار والمتوسّطات ، ومُنتهى البيت الواحد ، وبيوت جماعة الأعراب مع التوسّط.

وأمّا الكبار المخالفة للعادة ، فالمدار فيها على مقدار مُعتاد البلدان. ويجري على ما دون محلّ الترخّص حكم الاحتساب.

وجاهل المسافة يتمّ.

والفرسخ : ثلاثة أميال.

والميل : أربع آلاف ذراع بذراع اليد الذي طوله (٢) أربعة وعشرون إصبعاً عرضاً.

وقدر عرض الإصبع : عرض سبع شعيرات متوسّطات.

وقدر عرض الشعيرة : عرض سبع شعرات من متوسّط شعر البرذون.

وبناؤها على تحقيق في تقريب ، فلو نقصت حقيقة التقريب مقدار إصبع أو أقلّ لم

__________________

(١) انظر الوسائل ٥ : ٤٩٢ أبواب صلاة المسافر ب ١ ح ٨ ، ١١ ، ١٣.

(٢) في «ح» زيادة : من المرفق إلى طرف الإصبع الوسطى وقدره.

٣٣٦

يكن مسافة. واستغراق النهار بسير كسير الإبل القطار يغني عن الاختبار.

ولو كان له طريقان برّيان أو بحريان أو مختلفان ، يبلغ أحدهما المسافة دون الأخر ، عمل على وفق ما سلك.

ولو قطعَ مقدار المسافة على نحو الدائرة ، أو الدوائر ، أو التردّد في خطّ عرضه مُحاذي مكان البلد ، أو الملفّق من الاثنين والثلاثة ، لم يَكن مسافراً.

ولو قطعَ شيئاً من المسافة خارجاً من بيوت الأعراب أو من غيرها فمكث زماناً ، حتّى اتّصلت البيوت بمكان مكثه ، احتسبَ ما قطعه من المسافة على إشكال.

ولو رقى جبلاً ، احتسب متنه وجانباه ، بخلاف المنارة والشجرة.

ولو كان على دابّة مثلاً أو في سفينة عظيمة ، كان مبدأ الحساب من مَقرّه ، لا من بدايتها أو نهايتها.

ويكفي في معرفة المسافة والفراسخ والأميال الشياع ، وشهادة العدلين ، والعدل الواحد على الأقوى ، وإن كانت امرأة.

ولو حصلَ الاختلاف على وجه التساوي ، بقيَ على الحال الأوّل.

ولا يلزم التفحّص عن المسافة مع الشكّ ، بل يبني على عدمها. ولو تعارضت البيّنتان أو العدلان ، قصّر ؛ ويحتمل الإتمام.

وأقرب الطرق إلى معرفة المسافة : ملاحظة مسافة منى وعرفات ، وما بين عاير ووعير. ومع عدم شي‌ء من الطرق السابقة يكفي الرجوع إلى سير الإبل القطار يوماً مُتوسّطاً إلى اللّيل.

ثانيها : قصد المسافة ، فلو ذهبَ بمقدارها نائماً أو غافلاً أو مجنوناً أو مُغمى عليه ، أو كانَ طالباً لآبقٍ ، أو حيوانٍ ضالّ ، أو مالٍ ضائع لا يعرف مكانه ، ولم يقصد في البين مسافة أربعة فما زاد ، ناوياً للرّجوع عند انتهائها ، أو مطلقاً على إشكال ، إلى غير ذلك ممّا لم يكن فيه توجّه إلى مقصد معلوم ، فلا قصر وإن بلغ الصين.

والإياب سفر مُستقلّ له حكم نفسه.

٣٣٧

ولا يُعتبر قصد عنوانها ، فلو قصدَ مكاناً هو مسافة في الواقع ، ولم يعلم بحاله ، ثمّ علم ذلك قبل إيقاع الصلاة ، صلّى قصراً. ولو صلّى تماماً زاعماً عدم المسافة ثمّ انكشف له الخطأ أو بالعكس ، صحّ ما فعل على إشكال ، والأخير أشكل.

ولو تبع التابع في القصد متبوعه ، وكان قاصداً للمسافة ، جرى الحكم عليه ، من مملوكٍ أو خادمٍ ، ونحوهما ، وجميع من تعلّق قصده على قصده. ويتغيّر الحال بتغيّر المالك والمصحوب ، ومع المساواة يبقى حكم (١) الأول.

والمجبور يتبع قصد الجابر. ولو جهل أحدهم قصد متبوعه ، أتمّ ، ولا يجب عليهم الفحص.

وقصد اللّوازم قصد الملزومات ، فلو قصد مسافة يقصّر فيها ، ولم يعلم كميّتها ، وبنى على السؤال ، قصّر.

ولو جهلَ مقدار المسافة شرعاً ، ولم يكن من يَسأله ، جَمَعَ. ويحتمل الاكتفاء بالتمام.

ولو قصدَ مكاناً ينقسم بعد الأخذ فيه إلى أكثر من طريق ، فأُخبر في الأثناء أنّ له طريقين أو طُرقاً أحدها يبلغ المسافة ، ولا ترجيح عنده لأحدها ، أتمّ.

ولو علم في الابتداء أنّه ينقسم في الأثناء ولم يعيّن ، أتمّ أيضاً. ولو علم أنّه يموت في أثناء المسافة ، ففي بطلان حكم المسافة مطلقاً ، أو ثبوته كذلك ، أو الفرق بين أن يعلم توجّه نعشه نحو المسافة فيحتسب ، أو لا ، وجوه ، أو جهها الأوّل. وفي الظنّ والشكّ يقوى الثاني.

ولو اختلفَ جماعة في المسافة ، جازَ ائتمام بعضهم ببعض على إشكالٍ ، مبني على احتمال كون المسافة شرطاً علميّاً أو وجوديّاً.

ولو دخلَ في القصر ، فعلم بعدم المسافة قبل الخروج ، أتمّ. وإذا انعكسَ الأمر ، فإن ركع في الثالثة ، كانَ كمن أتمّ ، وإلا هدم.

__________________

(١) في «ح» : الحكم.

٣٣٨

ولو قصدَ مسافة فنقصت بعد الدخول بقلع مرتفع أو تسطيح أو بالعكس ، فإن أتمّ الصلاة قبل العمل أو العلم ، مَضَت. وإن حصل العارض في الأثناء ، كان على نحو المسألة السابقة. وإن حصل قبل الشروع ، انقلب الحكم.

ثالثها : استمرار حكم القصد بأن لا ينقضه بما ينافيه.

ولا يُشترط استمراره ، فالنوم ، والغفلة ، والنسيان ، والإغماء ، والجنون ليست من النواقض. وينقضه العزم على عدمه أو التردّد فيه ، فتنهدم المسافة قبل بلوغها بحصول أحدهما.

فلو قصّر قبل الهدم ، صحّ ما عمله. ولو حصل الهادم في الأثناء ولو بعد التشهّد ، وقبل التسليم المُخرج أتمّ ، وليس عليه حكم السهو للتّسليم الغير المخرج.

ومُنتظر الرَّفَقَة إن اطمأنّ باللّحوق قصّر ، وإلا أتمّ. فإن رجع إلى قصد السفر ، لم يحتسب ما مضى من المسافة. وكذا من ردّته الريح.

والممنوع عن السفر يحتسب محلّ الضرب ، دون محلّ الترخّص ؛ عملاً بعموم السفر ، وظهور اعتباره في حقّ الوطن. وقد تُلحق به الإقامة والعشرة بعد الثلاثين في وجه ، وفي السفينة يضعف الاحتمال.

والمعتبر استمرار القصد في أصل طبيعة المسافة ، فلا يخلّ به العدول من طريقٍ إلى آخر.

ولو عزمَ على قاطع ممّا سبق في أثنائها ، انتقضَ استمراره إذا أتى بشي‌ء منها بعد الانصراف عن محلّ العزم ، وفيه إشكال.

ومع التردّد في الإتيان به ابتداء في غير الوطن واستدامة إشكال ، والاحتمال الضعيف لا اعتبار به.

ويكفي قصد الوليّ ، واستمرار قصده عن المولّى عليه من صبيّ أو مجنون ، فإذا عقل في الأثناء ولو بقي أقلّ من المسافة قصّر.

ولو قصدَ مسافة فزعمَ بلوغها ، وعزم على ترك ما زاد ، ثمّ ظهر اشتباهه ، ضمّ

٣٣٩

ما بقي إلى ما مضى ، ولا تنقطع مسافته. ولو توقّف بعد الخروج عن محلّ الترخّص مُنتظراً للرفقَة باقياً على العزم ، فذهل عن صلاته حتّى فاتَ الوقت ، ثمّ عدل عن السفر ، قضى صلاة السفر على إشكال.

ولو ترخّص جاهلاً أعاد ، ولو أفطر كفّر.

رابعها : بلوغ مَحلّ الترخّص في الخارج من الوطن ، أو موضع الإقامة ، أو عشرة بعد مضيّ الثلاثين متردّداً ، دون أسباب التمام الباقية ، وإن كان إلحاق السفينة بها غير خالٍ عن الوجه.

فإنّه يكفي فيها الضرب بالوصول إلى مكان لا يسمع فيه الأذان ممّن يؤذّن حول آخر بيوت البُلدان ، أو القرى ، أو الأعراب ، ولا يُشخّص فيه شكل الجدران.

ويُعتبر فيه التوسّط في البلد ، فإن خرجَت عن الاعتدال ، اعتبرَ منتهى جدران محلّةٍ تُساوي البلد المتوسّطة وفي الرائي ، والسامع ، والرؤية ، والسماع ، (والمؤذّن ، ومكانه ، والأذان ، والأرض ، وشكل الجدران) (١) طولاً وعرضاً ولوناً.

ويُعتبر الخلوّ عن شدّة الهواء ، وكثرة الغوغاء.

ويكفي أحد الأمرين على الأقوى.

ويجزي البلوغ مع عدم القصد ، والمشكوك فيه لا رُخصة فيه.

ومع تعارض البيّنتين يحكم بالقصر ، ويحتمل التمام ، ولا يجب الفحص عن حاله.

ومن كانَ مضطجعاً مثلاً على نفس الحدّ ورأسه ممّا يقرب من المؤذّن ، ولا يسمع لو كان رأسه في مكان قدميه ، أُلحقَ بغير السامع لو قامَ في محلّ القدمين على إشكال (٢).

وإذا اختلفَ الراؤون ، والسامعون ، والكلّ غير خارجين عن الاعتدال ، تبعَ النافي المُثبت ، ما لم يتّهمه فينتفي الظنّ عنه ، وحينئذٍ يعمل كلّ على رأيه أو سماعه.

__________________

(١) بدل ما بين القوسين في «م» ، «س» : والمؤذن في مكانه ، والمؤذن ، والأرض مشكل والجدران.

(٢) في «ح» زيادة : يجري ذلك في قطع المسافة.

٣٤٠