كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ٣

الشيخ جعفر كاشف الغطاء

كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ٣

المؤلف:

الشيخ جعفر كاشف الغطاء


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-371-030-3
الصفحات: ٥٥٢

وفي ائتمام بعض ببعض إشكال ، والأقوى الجواز (١) ؛ لأنّ نيّة القصر والإتمام لا تتوقّف عليها صحّة ، ولا يترتّب عليها فساد.

وفي إرجاع البلد الصغير إلى المتوسّط بحسب العرض والتقدير وجه.

ويختلف الحال بزيادة البيوت ، ونقصها. ويتبدّل الحكم بتبدّل حدود البلد زيادةً ونقصاً على ما هو الأقوى.

وليس لخصوص الأذان والجدران خصوصيّة ، بل الحكم يعمّهما ، ويعمّ ما يشبههما من صوتٍ صادرٍ عن جماد أو حيوان أو إنسان يشبه الأذان في ارتفاعه ، وشجر وجذوع وخشب ونحوها.

ومع فقد المؤذّن ، والجدران ، والسّمع ، والإبصار ، يبنى على التقدير إن أمكن ، وإلا فعلى التقليد.

ولا يكفي الاعتبار بالصوت الواحد ، ولا بالصوت الضعيف ، بل المدار على مقدار الأذان الذي يتضمّن الإعلام عادة.

والمدار في البحر على فرض الماء أرضاً متساوية.

خامسها : كون السفر وغايته الباعثة عليه مُباحين ، من أوّل المسافة إلى آخرها ، فيجري الحكم في الجميع ؛ أو البعض.

فيجري فيه لو كان نفس السفر معصية ، كالسفر بعد النداء يوم الجمعة ، وسلوك المكان المغصوب ، وتارك وقوف عرفة ، وحضور صلاة العيد حين وجوبها ، وسالك الطريق المَخوف ، وسفر العبد الابق ، وعمّال الظلَمة في باب العمالة ومطلق الطاعة ، والزوجة الناشزة ، والمطلقة الرجعيّة ، وعاصي الوالدين في سفره مع نهيهما ولزوم طاعتهما ، ونحو ذلك.

أو كانت غايته ، معصية ، كقطع الطريق لسرقة مال مُحترم ، أو قتل نفس

__________________

(١) في «ح» زيادة : في غير الأخيرتين ، وفيهما أشدّ إشكالاً ، وإنما جاز.

٣٤١

مُحترمة ، أو حضور الملاهي ، أو مواجهة ظالم للاستعانة على المظالم ، أو صيد اللهو ، دون صيد التجارة وأكل اللّحم ؛ وفي صور الضمّ يقدّم اللهو ، أو مع ظنّ التلف ، ونحو ذلك.

وسفر النزهة من المباح.

ولا عبرة بالمُقارنات الغير المقصودة ، كالمعاصي المتفقة في الطريق من غير قصد.

وكذا المقارِنات الداخلة المقصودة من المبدإ ، كالدابّة ، والسرج ، والرحل ، وتوابعهما ، والنعل ، واللباس ، والمحمول من نفقة ونحوها ، في ثيابه ونحوها ؛ لاشتراكهما في كونهما معصية في السفر.

ولا يكون السفر بهما سفر معصية أو إلى معصية ، والأحوط في القسم الأخير الجمع.

ولو كانت المقارنات مُنفصلة غير متّصلة ، كعبدٍ ، أو خادمٍ ، أو رفيقٍ ، أو دابة مصحوبة ، أو حملها ، ونحو ذلك ، جرى فيها الاحتياط ، إلا أنّه أضعف منه في سابقه.

(ولو كانَ السفر لأجل نقلها ، كانَ سفر معصية) (١).

ولو كانَ مُضاداً لوفاءِ دينٍ أو أداء حقّ ، كتسليم أمانة ، أو حقّ قصاص ، أو تعلّم واجب ، ونحو ذلك من المنافيات ، كانَ داخلاً في حكم المباحات.

ولو عدلَ عن قصد المعصية ، أو ارتفعت في الأثناء ، لوحظَت المسافة من حين العدول والارتفاع. ولو شاركت الطاعة المعصية في الباعثيّة ، كانَ المدار على المعصية مع الأصالة فيهما ، أو في إحداهما (٢) أو اشتراكهما في السببيّة على الأقوى.

ولو لم يكن المحرّك هو العزم على المعصية مع العلم بحصولها في أثنائه أو بعد انتهائه ، أو لم يعلم ولم يكن احتمالها باعثاً على العز) جرى فيه حكم المُباح. ولو كان احتمالها هو الباعث دخلَ في حكم سفر المعصية.

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في «م» ، «س».

(٢) بدل إحداهما في «ح» كليهما.

٣٤٢

والعامل إن كان الباعث على سفره طاعة الظالم من حيث (حكمه أو) (١) ظلمه فيأمر يدخل في العمالة أو لا ، ولو إلى حجّ أو زيارة دَخَلَ في حكم سفر المعصية.

وأمّا ما خرج عن العمالة ، ودخل في أمر لا يدخل في المعصية ، فهو داخل في السفر المباح.

ولو تابَ الابق أو الناشز فأراد الرجوع للطّاعة ، قصّرا فيه إن بلغ مقدار المسافة. ولو اضطرّ بعد التوبة إلى الوصول إلى مسافة ، قصّر فيها.

ومن كانَ مع الظالم في جُنده ، أو في جملة مقوّمي سلطانه ككُتّابه ، وحرسه ونحوهم فرضه التمام.

ولا بدّ من مُلاحظة الفرق بين سفر المعصية ، ومعها مُتّصلة أو مُنفصلة ، مُستمرّة أو منقطعة ، وإليها مُنفردة ومُنضمّة.

سادسها : أن لا يعزم على الإقامة عشرة أيّام متّصلة ، بينها تسع ليالٍ ، علم تفصيل عددها أو لا ، فلا تتوقّف على تصوّر العنوان بحيث لا يخرج ليلاً ، ولا نهاراً ، ولا عِبرة باللّيلة الأُولى ، ولا الأخيرة ، بشرط أن يتمّها باقياً على عزمه.

وما زاد عليها يدخل في حكمها من غير حاجةٍ إلى نيّة جديدة.

أو يعزم ، ثمّ يعدل عنها بعد إيقاع صلاة فريضة مؤدّاة رباعيّة تامّة ، أو بعد الدخول في ركوع ثالثتها عمداً أو سهواً.

ولا عِبرة بالعمل بمقتضاه في صيام أو نافلة ، أو مضيّ الوقت ، أو للمعصية ، أو مضي الثلاثين مثلاً ، وتُخلّ بنيّتها نيّة الفصل في ليلٍ أو نهار بالوصول إلى محلّ الترخّص ، والإتيان بها في مواضع التخيير يتبع القصد ، وفي تكميل المُنكسر من اليوم الحادي عشر وجه قويّ.

وفي إدخال الأُولى والأخيرة في حكم المتوسّطات وجه ضعيف ، وفي جبر الكسر

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في «م» ، «س».

٣٤٣

من اللّيلة الأُولى أو الأخيرة إشكال.

ومن كانت إقامته عن سبب ، كجبر جابر ، أو تبعيّة تابع ، أو حدوث حادث ، أو معلّقة على سبب مستقبل ، فإن اطمأنّ ببقاء السبب أو حصوله حيث يعتبر الحصول ، صحّت إقامته ، وإلا لم تصحّ.

والمدار في محلّها على اسم المكان ، والبلد ، وبيوت الأعراب ، ما لم تخرج في الكِبَر أو الكثرة عن حدّ الاعتدال كِبَراً أو سعة ، فمسجد الكوفة مع النجف ، وبلد الكاظم عليه‌السلام مع بغداد ؛ بلدان.

وما يتكرّر التردّد إليه من المتوطّنين تحقيقاً أو تقديراً يُلحق به ، فيختلف الحال باختلاف المحال. ولو أخذ قيد الضيق أو الاتّساع ، لم يكن له ذلك. فلا عبرة بالنيّة سعةً وضيقاً. ولو نوى ، رجع إلى المُعتاد.

ولو قال : إلى الجمعة ، فزعمها عشرة أيّام وأتمّ ، فظهر النقص ؛ أو زعمها ناقصة ، فظهر التمام ، وعمل بمقتضى زعمه ، فظهر الخلاف ، صحّ ما عمل.

ولا حكم لبيوت الأعراب في الإقامة فيها ما لم تبقَ في محلّها ، فتكون النيّة فيها كالنيّة في الوطن ، فلا تنعقد في صهوة أو خيمة ما لم يطمئن ببقائهما مدّة الإقامة.

والعلم بالجنون والإغماء في الأثناء لا ينافيها ، وحدوثهما بعد نيّتها مطلقاً أو بعد صلاة فريضة تامّة لا ينافي لزومها.

ولو نوى الإقامة في أثنائها (حيث تحصل فترة أتمها ، ويقوى جريان الحكم عليهما مع نقصهما إذا كانا تابعين) (١) والعلم بالموت غير مُنافٍ ، وفي الفرق بين العلم بالنقل إلى مسافة ، أو إلى محلّ الترخّص على اختلاف الرأيين ، فتثبت المنافاة وعدمها وجه ، والأوجه ما تقدّم ؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل على المتيقّن.

ويُعتبر الوصل في النيّة كما في سائر النيّات ، فلا يكفي أن ينوي عشرة بعد مضيّ زمان ، وبعد (حدوثه يتردّد في نيّته أو يغفل عنها) (٢).

__________________

(١) بدل ما بين القوسين في «س» ، «م» : أتمّ.

(٢) بدل ما بين القوسين في «م» ، «س» : وقوع النيّة يتردّد فيه عن عقد النيّة مجدّداً بعد زمان التردد.

٣٤٤

سابعها : أن لا يبلغ الثلاثين يوماً مع التردّد ظنّاً من غير اطمئنان ، أو شكاً ، أو وهماً ، في محلّ واحد على نحو محلّ الإقامة ، أو عازماً على السفر في كلّ يوم ، فلم يتفق. ولا يكتفي بالشهر الهلالي عملاً بالأصل ، مع الشك في المراد بمطلق الشهر.

ويقوى عدم اشتراط اللّيلة الأُولى والأخيرة في هذا المقام ، وفي كل ما تعلّق الحكم فيه بمسمّى الأيّام. وفي اعتبار المنكسر يوماً بعددي أو هلالي أو ملفّق ، وفي التلفيق من اللّيالي أو الأيّام كلام مرّ سابقاً.

ولو شكّ في البلوغ ، بنى على العدم.

ولو بنى على البلوغ أو العدم فعمل عملهما فظهر العدم ، بنى على صحّة ما تقدّم.

ولو تردد فيما لم يعدّ مكاناً واحداً ، لم ينقض حكم سفره ، وإن كان دون المسافة.

وتردد المتبوع من مالك وجابر تردّد التابع ، كما أنّ عزمه عزمه.

ولو أتمّ لسببٍ فانكشف عدمه ، صحّ ما فعل ، وكذا لو قصّر فزال السبب.

ومن بقي مَجنوناً هذه المدّة ، أو غافلاً من غير عقد إقامة ، أو مع عقدها قبل الإتيان بفريضةٍ على نحو ما ذُكر سابقاً ، يُلحق بالمتردّد على إشكال. والمتردّد لزعم وجود شي‌ء أو عدمه مع الخطأ متردّد.

ثامنها : أن لا يكون السفر عمله ، كالمكاري (١) ، والملاح ، والحطّاب ، والسقّاء البالغين عادة حدّ المسافة ، وأمير البيادر ، ووكيل المزارع ، وسفير التجار ، وأمين السفينة ، وصاحبها المتردّد معها ، والدائر في تجارته أو صناعته ، والبريد ، ومستحفظي الطرق ، والسعاة ، ونحوهم ممّن عملهم السفر.

ويدخل في حكم التمام ، مع قصد العمل في السفرة الثانية ، وإن كان الأحوط فيها الجمع ، والاقتصار على الإتمام في الثالثة.

__________________

(١) المكاري : الذي يكري الدواب ، والكريّ : الذي يكري الإبل. أساس البلاغة ٢ : ٣٠٥.

٣٤٥

وينقطع حكمه بالإقامة عشرة أيام في وطنه ، منويّة أو لا ، وفي غيره مع النيّة ، وتعود إلى التمام في السفرة الثانية. والأحوط الجمع فيها حتّى يدخل في الثالثة.

ولو أقام عشرة غير منويّة مُصلّياً تماماً لسبب من الأسباب ، كالتردّد ثلاثين ونحوه ، فلا عبرة بإقامته. كما لا عبرة بإتمام العشرة متردداً ، أو عازماً على السفر فيها بعد عقدها ، وصلاة رباعيّة على إشكال.

والمركّب من عملين ، كأن يجمع بينهما في سفر واحد ، وعمل واحد من ذي الأعمال كالمفرد. ومن فارقَ عمله في سفر لم يتمّ.

وطول السفر بحيث يزيد على الحضَر أو لا ، إذا لم يكن عملاً موضوعاً (١) على التردّد والاستمرار بل يقع منه في السنة مثلاً مرّة لا عبرة به.

ومن لا وطنَ له ، وعمله السياحة ، فليس من أهل العمل. ويمكن توجيه ما دلّ على «أنّ المكاري والملاح إذا جدّ بهما السير قصّرا» (٢) بذلك.

ومن فاتته صلاة ممّن وَجَبَ عليه التمام من جميع الأقسام ، قضى تماماً. ومن صلّى قصراً جهلاً ، عصى وأعاد.

تاسعها : أن لا يكون من المواطن الأربعة : المسجد الحرام (٣) ممّا عدا الزيادات الأمويّة ، والعباسيّة ، والعثمانيّة وفي بعض الأخبار : أنّ المسجد يزيد عليها ؛ ، والعمل عليها غير بعيد ، ومنه الحِجر ، والكعبة.

والمسجد النبوي ؛ ممّا عدا الزيادات ، ويقوى عدم دخول الروضة التي فيها قبر الزهراء عليها‌السلام على قول (ومحلّ الضريح المطهّر فيه) (٤).

__________________

(١) في «م» ، «س» : غير موضوع.

(٢) الوسائل ٥ : ٥١٩ أبواب صلاة المسافر ب ١٣.

(٣) الكافي ٤ : ٥٢٦ ح ٨ ، الفقيه ٢ : ١٤٩ ح ٦٥٦ ، التهذيب ٥ : ٤٥٣ ح ١٥٨٤ ، الوسائل ٣ : ٥٤١ أبواب أحكام المساجد ب ٥٥.

(٤) بدل ما بين القوسين في «س» ، «م» : والحضرة المطهّرة فيه.

٣٤٦

ومسجد الكوفة ؛ على نحو ما وضع أوّلاً ، وليس فيه زيادة ، وقد نقص منه كثير ، ولا نعرف تحديده ، فالأحوط الاقتصار على ما أحاط به السور.

والحائر الحسيني ؛ والمتيقّن منه ما أحاط بالقبر الشريف من كلّ جانبٍ من جوانبه بخمسة وعشرين ذراعاً باليد.

وتحديده بمحاط سور الصحن الشريف وقد حصل فيه الان تغيير وتحريف غير بعيد.

ويتخيّر فيها بين القصر والإتمام ، والأوّل أحوط ، والثاني أفضل.

ولا يُلحق بها شي‌ء من المساجد والحضرات ، ويستوي فيها مستويها ، وأسافلها ، وأعاليها ، ومحاريبها ، وأبوابها ، وما تحت جدرانها.

ولو اشترك بدنه بين الداخل والخارج ، دخل في حكم الخارج ، إلا أن يكون ممّا لا يُعتدّ به على إشكال.

ولو أخذ في الصلاة داخلاً ، ثمّ خرج قبل الدخول في ركوع الثالثة قصّر ، أو بعده أتمّ. ولو دخل فيها قبل دخوله ، ثمّ دخل في أثنائها ، أتم.

ومن ضاقَ عليه الوقت عن الإتمام ، وجبَ عليه التقصير ولا يكتفي بإدراك الركعة. وكذا لو كان قريب الحدّ (١) ، وجبَ عليه الدخول في محلّ التخيير ، وكذا لو كان داخل الصلاة وأمكنه ذلك.

(ويجب العدول قبل الدخول في ركوع الثالثة) (٢).

وكذا مع مزاحمة واجب آخر.

ويجوز فيها فعل النوافل المقيّدة بالحضر أتم أو قصّر ، والأحوط الترك ، ولا سيّما مع التقصير ، ويجري التخيير فيما فاتَ فيها سفراً فيها ، دون ما فاتَ في غيرها فيها ، أو فاتَ فيها في غيرها.

__________________

(١) في «ح» زيادة : ومنع عن التقصير. أقول : الظاهر أنّ المراد بالحدّ هو حدّ الترخّص.

(٢) ما بين القوسين ليس في «م» ، «س».

٣٤٧

ولهُ إتمام بعض الفرائض دون بعض.

ولو أتمّ زاعماً كونه في أحدها فانكشف خلافه ، أعاد.

ولو قَصَدَ التمام فخرج بالتسليم سهواً ، فليس له الإتمام ، وفيما لو دخلَ في سلامٍ غير مُخرج إشكال ، ولعلّ الجواز مع الإتيان بسجود السهو لا يخلو من قوّة.

وفي إلحاق الشكّ بين ركعاتها بالشكّ في الثنائيّة ، أو الرباعيّة ، أو البناء على اختلاف النيّة ، (أو التخيير) (١) ؛ وجوه ، أقواها الأوّل. ولو التزم بأحد القسمين التزاماً شرعيّاً ، وأتى بالآخر سهواً ، صحّ ، ولا شي‌ء عليه. ولو تعمّد المخالفة ، عصى ، وكفّر ، وصحّت صلاته على إشكال.

عاشرها : أن لا ينقطع سفره بشي‌ء من القواطع ، وهي عديدة :

منها : الوصول إلى الوطن ، وهو محلّ السكنى عُرفاً ، مع الاستقلال أو بالتبع ، كالمماليك والعيال ونحوهم ، مع وجود الملك من منزلٍ أو غيره وعدمه ، مُتّحداً كان أو مُتعدّداً بشرط أن يكون وطنين لا أكثر ، يقسّم السكنى بينهما سهمين مُتقاربين ، لا مُتفاوتين تفاوتاً فاحشاً ، فإنّه يكون المدار على خصوص الأكثر.

والمدار على الصدق العُرفي ، وينعقد بمجرّد النيّة ، والتردّد يُنافيها ابتداء ، لا في الأثناء ، وإن كان الأحوط الجمع إلى أن يمضي مقدار ستّة أشهر ، ولو مُتفرّقة.

ومتى عَدَلَ عن الوطنيّة ، وخرجَ إلى مسافة ، انقطعَ حكمه ، فلا تثبت الوطنيّة بإقامة ستّة أشهر اتفاقاً ، أو مقصودة بلا وطنيّة ، أو مقصودة مع الوطنيّة ، مع العدول عنها ، مُتفرّقةً أو مُجتمعة ، وهي المسمّاة بالوطن الشرعي ، وإن كان الجمع في القسم الأخير أحوط.

وعلى القول بثبوت الوطنيّة بالستّة أشهر لا نفرّق بين مجتمعها ومتفرّقها ، وبين ما صلّي فيه تماماً للإقامة ، أو مضيّ الثلاثين ، أو لغيرهما من الأسباب أو قصراً.

__________________

(١) ما بين القوسين زيادة في «ح».

٣٤٨

ولا أثرَ لوجود الملك منزلاً أو غيره مع الخلوّ عن الوطنيّة ، ولا أثر للخلوّ عنها مع ثبوتها.

ووطن الأعراب ومَن أشبههم بيوتُهم ، فمتى رحلوا معها كان وطنهم معهم ، من غير فرقٍ بين أن يكون الرحيل مُتكرراً منهم ، وأن لا يكون ؛ ولا بين أن يكون إلى المقاصد المُعتادة ، أو لا ، مع استصحاب البيوت والأهل لقصد النزول.

ومن كانَ بين الأعراب بلا بيت ، فوطنه أهله ، أو بلا أهل فوطنه نفسه (١) ، إذا كان شأنه الرحيل على إشكال.

فلو استصحب أحدهما أو كلاهما لا بقصد النزول ، فلا عبرة به.

ومَن له وطن مع الأعراب ، وآخر مع الحضر ، فهو ذو وطنين.

ومنها : إقامة عشرة أيّام على نحو ما مرّ ، والظاهر عدم (٢) إلحاق العشرة بعد الثلاثين بها.

ومنها : حصول بعض أسباب التمام ممّا عدا الوطن ، كأن تردّ عليه سفينته أو دابّته أو أسباب تجارته أو صناعته التي يدور بها أو قصد سعاية ، أو الرواح إلى بيادره (٣) إلى غير ذلك ، فيقصد باقي المسافة لتحصيل عمله ، أو يعصي بنفس السفر ، أو يقصد المعصية في أثنائه.

ومنها : حصول العزم في أثنائها مع قصور الباقي عن المسافة على الرجوع إلى الوطن ، أو قصد طريق آخر يقتضي الوصول إلى الوطن ، أو الإقامة ، أو العزم عليها ، أو على ما مرّ من الأسباب. وفي التردّد فيها إشكال ، ويقوى حينئذٍ عدم القطع.

حادي عشرها : الضرب (٤) في الأرض فيما لم يُعتبر فيه محلّ الترخّص في أحد

__________________

(١) في «م» ، «س» : مصاحبهم بدل نفسه.

(٢) كلمة عدم غير موجودة في «ح».

(٣) البيدر : الموضع الذي تُداس فيه الحبوب. المصباح المنير : ٣٨.

(٤) في «ح» : عدم الضرب.

٣٤٩

الوجهين ، ويحتمل الاكتفاء بمجرّد العدول ، والتوقّف على قطع مقدار محلّ الترخّص ، كقصد المسافة الجديدة من محلّ العزم على الرجوع ، أو التردّد ، أو مُفارقة الصنعة أو السفينة أو الدواب ، أو زوال الجنون ، أو عدول الهائم ، أو طالب الابق والضالّ ، ونحو ذلك ، فإنّه على القول بعدم اعتبار محلّ الترخّص فيها يقوى اعتبار الضرب في الأرض قاصداً للمسافة.

ثاني عشرها : أن لا يكون جاهلاً بالقصر والإتمام جهالةً أصليّة دون الجهل بالخصوصيّة ، كجهل اعتبار المسافة ، أو القصد ، أو حكم الأسباب فإنّ صلاة التمام تكون مُجزية مُسقطة للإعادة والقضاء عنه.

وفي كون نفس الصلاة مُحرّمة والصحّة بهذا المعنى لا تنافي أو كون العصيان في جهله دون فعله ، أو المعذوريّة في المقامين ، وجوه ، أوسطها أوسطها.

والظاهر أنّ الجاهل بحكم إقامة العشرة بحكم الجاهل الأصليّ ، وتمشية الحكم إلى كلّ جاهل بالحكم أو بالموضوع غير بعيد.

المقام الثاني : في الأحكام

وفيه مباحث :

الأوّل : في أنّ ابتداء مَسح المساحة من منتهى البلد ، أو مجمع بيوت الأعراب ، إذا لم تكن مُتّسعة اتّساعاً خارقاً للعادة ، فيؤخذ المسح حينئذٍ من طرَف المحلّة ، أو من طرَف ما يساوي المُعتاد ولعله أولى أو مُنتهى القرية ، أو البيت الواحد ، أو الدار الواحدة ، أو الرباط الواحد.

ويتجدّد (١) الاتساع والضيق بتجدّد ؛ (٢) الكثرة والقلّة.

__________________

(١) في «م» ، «س» : بتحدد.

(٢) في «م» ، «س» : بتحدد.

٣٥٠

وما بين الحدود ومحلّ الترخّص داخل في المسافة (١).

المبحث الثاني : تُعتبر المسافة جديداً بعد ارتفاع كلّ قاطع ، من وطنٍ ، أو إقامةٍ ، أو مضيّ ثلاثين بعد التردّد.

وكذا بعد عدول عن سفينته ، أو دواب ، أو تجارة ، أو صناعة ، أو سعاية ، أو إمارة ، أو معصية ، أو عزم على رجوع ، أو تردّد فيه على إشكال.

فيمسح حينئذٍ من محلّ العروض ، أو بلده ، أو قريته وفي اعتبار مقامه الذي هو فيه قوّة إلى وطنه أو محلّ عروض الأسباب.

ولو طالَ السفر ، وكَثُرت الأسباب ، مُتجانسة أو مُتخالفة ، ولم تفصل بمسافة ، أتمّ ولو بلغ الصين.

المبحث الثالث : يُعتبر في جواز القصر بعد الضرب بلوغ محلّ الترخّص في الخروج عن الوطن ، ومحلّ الإقامة ومضيّ الثلاثين بعد التردّد ، وفي باقي القواطع من عدولٍ أو عزمٍ على رجوع أو تردّد فيه يحتمل ذلك ، فيختبر بخصوص الأذان تحقيقاً أو تقديراً مع عدم البيوت ، والرجوع إلى حكم القصر في محلّه ، والتوقّف على الأخذ في الضرب وجوه ، أقواها الأخير ، فإنّ الماضي لم يكن سفراً شرعيّاً ، مع وجود ما يحجبه عن المستقبل ، فيجي‌ء في الحادث حكم السفر الجديد على إشكال.

المبحث الرابع : يُعتبر في انعقاد الإقامة العزم على عدم الخروج من محلّها إلى مسافة أو ما نقص عنها ممّا يخرج عن الحدود المتعارفة.

ويقرب اعتبار عدم إدخال تجاوز محلّ الترخّص في القصد ، وعدم المنافاة في الإدخال لما دونه ، ولو أضمر زائداً زاعماً عدم الخروج عن الحدّ أو متردّداً متوقّفاً في الرخصة على السؤال ، ففيه إشكال ، والأقوى عدم الإخلال.

__________________

(١) في «م» ، «س» : المساحة.

٣٥١

المبحث الخامس : أنّه بعد انعقاد الإقامة وتمامها أو لزومها بفعل فريضة تامّة ، أو بعد مضيّ الثلاثين ، يكون محلّهما بمنزلة الوطن ، فيبقى على التمام ما لم يقصد مسافة ، ويستمرّ عليها على نحو ما جرى في حكم الوطن.

فلو خرجَ إلى محلّ دون المسافة خارجاً عن محلّ الترخّص ناوياً للإقامة فيه أو لا ، أو غير قاصدٍ إلى محلّ ، عازماً على الرجوع إلى محل الإقامة أو متردّداً فيه ، ولم يرجع ، أو رجع ناوياً للإقامة فيه ، أو ناوياً للسّفر قبل إقامة جديدة أو متردّداً فيه ، أتمّ ذاهباً وراجعاً ، وفي المقصد لو كان وفي محلّ الإقامة.

وكذا لو كان رجوعه بعد قصد المسافة ، وقبل بلوغها ، وإن صحّ ما صلاه قصراً قبل العدول. ولا يدخل (١) محلّ الإقامة في جملة المسافة ، إلا بعد سفر جديد.

وفي تمشية الحكم إلى جميع موجبات التمام وجه قويّ.

المبحث السادس : إنّما تنعقد الإقامة بإضمار عشرة لا يدخل معه إضمارٌ مُنافٍ ، من خروجٍ إلى ما زاد على محلّ الترخّص (وينقطع السفر بها) (٢) ، أو بفعل قاطع من القواطع ؛ لأنّا نرى القطع بها للسّفر الشرعيّ الذي هو مدار الأحكام ، دون الإباحة ، انقطع بها العرفي أولا ، ولا عبرة بالتردّد فيها.

المبحث السابع : إذا حصل سبب التمام من أيّ الأقسام ، وكان بعد الإتمام ، أغنى القصر عن التمام ، وإن حصل في الأثناء قبل المخرج من السلام ، كان فرضه الإتمام ، وليس عليه سجود سهو عمّا أتى به من السلام.

المبحث الثامن : إذا ارتفعت في الأثناء أسباب التمام ، وقلنا بلزوم القصر في ذلك

__________________

(١) في «م» ، «س» : ويدخل.

(٢) ما بين القوسين زيادة من «ح».

٣٥٢

المقام ، لزمه التقصير ، ما لم يدخل في ركوع الركعة الثالثة ، وأغناه ما فعله من التشهّد عن تشهّدٍ آخر. ولو دخل ، أتمّ ، وأكمل ، واجتزى بما فعل. ونحو ذلك ما إذا ارتفع الجهل قبل الإكمال.

المبحث التاسع : من قصّر في موضع الإتمام عالماً بالموضوع أو الحكم أو جاهلاً بهما أو ساهياً أو غافلاً ، أعادَ وقضى ؛ من غير فرقٍ بين الرباعيّة وصلاة المغرب.

المبحث العاشر : من أتمّ في موضع القصر مُتعمداً ، بطلَت صلاته.

ومن أتمّ ناسياً للسفر ، أعادَ مع بقاء ما يسع تمام الصلاة أو ركعة منها من الوقت ، ولا قضاء عليه ، مع فوات الوقت.

ويقرب إلحاق العالم بالسفر الناسي للركعات.

ومن أتمّ جاهلاً بالحكم ، صحّت صلاته. وفي إلحاق جاهل الخصوصيّة أو الموضوع وجه ، ويقوى في قضائه الإتمام.

الحادي عشر : المدار في القصر والإتمام على حال الأداء ، لا على حال الوجوب.

فلو خرجَ من منزله بعد الزوال ، فبلغَ محلّ الترخّص وصلّى ، قصّرَ.

ولو دخلَ فيه أو فيما دون محلّ الترخّص بعد الزوال ، أتمّ. كما أنّه لو حصلَ موجب التمام من باقي الأسباب بعد أن مضى من الزوال ما يسع صلاة القصر ، أتمّ.

ولو شكّ في حصول شي‌ء من الأسباب ، نفاهُ بأصل العدم ، وقضاء الاستصحاب.

ويقضي النوافل إذا فاتَ من أو قاتها مقدار أدائها أو أداء ركعة في وجهٍ آخر. والقضاء يتبع حال ما استقرّ عليه آخر الوقت من الأداء.

وفي تحقّق الفوات بعدم بقاء وقتٍ يسع تمام الفريضة أو مقدار الركعة وجهان ، أقواهما الثاني. ولو مضى وقت النافلة حضراً أو صلّى فريضتها سفراً ، قضى النافلة على إشكال.

٣٥٣

الثاني عشر : أنّ الإفطار والتقصير في الصلاة في ابتداء وجود السبب مُتلازمان ؛ لترتّب كلّ منهما على المسافة الّتي يتحقّق بها موضع السفر ، ولهُ معنى واحد.

وقد يحصل الانفكاك بينهما لبعض العوارض ، كما إذا خرجَ صائماً بعد الزوال ، مُبيّتاً لنيّة السفر أو لا ، على أصحّ الأقوال ، ولم يأتِ بالصلاة إلا بعد بلوغ محلّ الترخّص.

أو ذهب إلى محلّ الترخّص قبل بلوغ المسافة ناوياً لها ، فأفطر ، ثمّ عدل ، ورجع ، فأتمّ أو أفطر ، ثمّ دخل إلى محلّ التمام أو أفطر ، ثمّ نوى الإقامة ، أو تمّ له الثلاثون ، أو حصلَ له بعض ما يقضي بالتمام من غير ما ذكر ، أو صام ثلاثة أيّام للحاجة في المدينة ، أو بدَلِ الهدي ، ونحو ذلك.

وليس بين الإفطار والصوم في الصوم الواجب المعيّن مطلقاً ، ولا في الصلاة في غير مواضع التخيير تخيير.

الثالث عشر : لو ضاقَ الوقت عن الإتمام ، وكانَ المانع عن التقصير مُمكن الرفع ، كأن يكون على حدّ محلّ الترخّص ، احتمل وجوب التخطّي إليه ، أو يكون عاصياً في سفره ، قادراً على رفع المعصية بالتوبة ، أو ناوياً لسفر المعصية ، قادراً على إصلاح نيّته على القول برجوع حكم التقصير بمجرّد ارتفاع التقصير (١) ، احتمل وجوب التوبة ، وإصلاح النيّة ، إلى غير ذلك.

وفي مواضع التخيير مع الضيق عن الإتمام يتعيّن التقصير.

الرابع عشر : لو كانَ عليه صوم مُعيّن من رمضان أو قضاؤه مع مزاحمة رمضان آخر أو من مُلتزم معيّن (٢) ، قوي القول بجواز السفر والقضاء. ولو كانَ في أثناء السفر ،

__________________

(١) التقصير هنا بمعنى : الذنب.

(٢) في «ح» زيادة : من دون شرط المقام.

٣٥٤

لم تلزمه الإقامة أو غيرها من مُسبّبات التمام ، مع احتمال اللزوم.

ومن كانَ عليه صوم لازم ، فعصى وصام ، صحّ صومه ، ووفّى بالتزامه ، وأثم في معصيته.

الخامس عشر : كلّ من زعم أنّه على حالٍ فنسي ، وعمل على خلاف ما زعم ، فأصاب الواقع لخطأه في زعمه ، مضى عمله.

وهذه قاعدة متمشّية في الشطور ، والشروط ، والمنافيات ، إلا ما اعتبر فيه ذكر العنوان.

السادس عشر : مَن علمَ المسافة أو عدمها فعمل بمقتضى علمه ، ثمّ انكشف له الخلاف ، مع بقاء الوقت ولو بمقدار ركعة ، لم يبعُد لزوم الإعادة ، وبعد مضيّ الوقت يقوى القول بلزوم القضاء بالقسم الأوّل منهما. ولو علم في المسافة والقصر ، ثمّ نسي ، ونوى التمام ، ثمّ نسي ، وانصرف على القصر ، فالظاهر صحّة ما فعل.

السابع عشر : الأقوى استحباب الجمع بأذان وإقامتين سفراً ، كما أنّ الأقوى استحباب التفريق حضراً.

الثامن عشر : يُستحبّ جبر المقصورة بالتسبيحات الأربع ثلاثين مرّة ، وروى استحبابها بعد كلّ فريضةٍ (١) ، ولعلّ الجمع بينهما حتّى يكون ستّين في المقصورة أولى. ويتخيّر في وضعها قبل تسبيح الزهراء عليها‌السلام والتعقيبات ، وما بعدها.

التاسع عشر : أنّه متى ارتفع موجب القصر أو موجب التمام بعد قول : «السلام علينا» وقبل قول : «السلام عليكم» ، أتى بالتسليم الأخير ، واجتزى بما فعل ، وإلا عاد

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٠٧ ح ٤٠٦ ، معاني الأخبار : ٣٢٤ ، الوسائل ٤ : ١٠٣١ أبواب التعقيب ب ١٥ ح ٤.

٣٥٥

إلى الحكم الأوّل ، وفعل ما يلزمه ، والمدار على الخروج وعدمه.

العشرون : أنّه لو انقلب حكمه إلى القصر ، ولم يبقَ من الوقت إلا ما يسع الفريضة فقط ، أدّى ما عليه من القصر ؛ وإن لم يكن تنفّل قضى النافلة على إشكال. ولو انعكس الأمر صلّى تماماً ، ولا يقضي النافلة.

الحادي والعشرون : أنّه إذا قصّر ولا يعلم وجوب القصر ، أعادَ ، وقضى قصراً إن كان قد علم المسافة. ولو لم يعلمها ، ثمّ علم ، وقد أتمّ والوقت باقٍ ، أعادَ قصراً. وفي القضاء وجهان ، أقواهما أنّه كذلك.

وكذا لو صلّى بنيّة التمام ، ثمّ سلّم على الأُوليين ، وانصرف ناسياً ، ثمّ بانت المسافة في الوقت أو بعده ، فلا يبعد القول بعدم لزوم الإعادة ، وكذا لو علم المسافة والقصر ، فنوى التمام سهواً ، ثمّ انصرف ناسياً على القصر. ومثله ما إذا سلّم بزعم القصر ، فنسي وأتمّ ، وليس عليه سوى سجود السهو.

المبحث الخامس عشر : في صلاة الخوف

وهي مقصورة عدداً ، حضراً وسفراً ، إن كان الخوف من حيوان ناطق أو صامت ، كأسدٍ ونحوه ، دون ما كان من جماد ، كمطرٍ ووحلٍ وسيلٍ ونحوها. وفي قصر الكيفيّة لا يختلف الحال.

وهيئتها جماعة مع التمكّن من اجتماع الجميع ، وفُرادى مع إمكان الإتيان بها على هيئتها على نحو صلاة السفر.

ومع إرادة الجماعة ، وعدم تيسّر الاجتماع للجميع خوفاً ، لها كيفيّات مرويّة :

أحدها : صلاة ذات الرقاع

وشروطها : كون العدوّ في غير القِبلة ، في دُبرها أو أحد جانبيها ، بحيث

٣٥٦

لا يمكنهم القِتال مُصلّين إلا بالانحراف عنها ، أو في جهتها مع وجود ما يمنع من قِتالهم ، من حائل ونحوه.

وقوّته بحيث يخشى هجومه.

وكثرة المسلمين ، بحيث يمكنهم الافتراق فِرقتين ، وأن لا يحتاج إلى أكثر من فرقتين ، وإباحة القتال على قول.

فيقف الإمام بطائفة بحيث لا يبلغهم ضرر العدوّ ، والأُخرى تحرسهم ، فيصلّي في الثنائيّة بالأُولى ركعة ، ثمّ يفارقونه بعد قيامه على الأقوى ، ويتمّون ، ثمّ يحرسون.

وتأتي الأُخرى ، فتدخل معه في الثانية ، ثمّ يفارقونه في تشهّده بنيّة الانفراد على الأقرب ، فتجب القراءة في الثانية لهم ، ويطوّل في تشهّده حتّى تلتحق به ، ويسلّم بهم. والأقوى جواز السلام ، وعدم الانتظار.

وفي المغرب ؛ يصلّي بالأُولى ركعة ، وبالثانية ركعتين ، أو بالعكس ، والأوّل أفضل على الأظهر.

ويمكن أن يزيد لفرقة ، وينقص لأُخرى ، والأولى ما تقدّم.

ولا يجب تساوي الفرقتين عدداً.

ويجب على الفرقتين حمل السلاح ، وإن كان نجساً. ولو منع واجباً في الصلاة ، لم يجز مع الاختيار. ولا يختصّ الوجوب بالفرقة المقارنة على الأقرب.

والأقوى أنّه لا سهو للمأموم حال المتابعة. ولو صُلّيت مع الأمن ، أو مع تحريم القتال ، أو حال طلب العدوّ لضعفه ، ففيها وجهان.

ولو صلّى بهم الجمعة في الحضر ، خطب للأُولى بشرط أن يحصل بها مُنفردة تمام العدد. ولو كان السفر ممّا لا يقصر فيه ، وكان مسافة ، فحكمه حكم الحضر.

ولو أرادوا أن يكونوا فِرقاً ، وتأتم كلّ فرقة بركعة أو بعض ركعة ، ثمّ تنفرد ، بُني على جواز الانفراد منويّاً بالأصل أو بالعارض ، ولعلّه الأقوى.

ولو ضاقَ عليهم الوقت عن الافتراق ، وأمكنهم دفع الخوف بمالٍ لا يضرّ بالحال ، ولا يقتضي الهوان والنقصان ، لزمهم ذلك.

٣٥٧

ثانيها : صلاة عسفان

ونقل لها كيفيّتان :

إحداهما : أن يصلّي بكلّ فريق ركعة ، ويسلّموا عليها ، فتكون له ركعتان ، ولكلّ فريق ركعة واحدة ، وفيها إشارة إلى جواز الانفراد اختياراً ، وكذا في صلاة ذات الرقاع.

ثانيهما : أن يصفّهم صَفّين ، ويحرم بهم جميعاً ، ويركع بهم ؛ فإذا سجد ، سجد معه الصف الأوّل ، وحرس الثاني ، فإذا قام سجد الحارسون. وفي الركعة الثانية يسجد معه الحارسون أوّلاً ، ويحرس الساجدون ، سواء انتقل كلّ صفّ إلى موضع الأخر أو لا ، وإن كان الأوّل أفضل.

والأقرب جواز حراسة الصف الأوّل في الركعة الأُولى ، والثاني في الثانية ، بل يجوز تولّي الصفّ الواحد الحراسة في الركعتين.

وشروطها : كون العدوّ في القبلة ، و (١) إمكان الافتراق ، ورؤية العدوّ.

والأقرب جواز تعدّد الصفوف ، ويترتّبون في السجود والحراسة. وفي جواز هذه الصلاة مع الأمن وجهان.

ثالثها : صلاة المطاردة والمعانقة

حيث لا تمكن الهيئات السابقة ، فالواجب ما أمكن ماشياً وراكباً ، ويسجد على قربوس (٢) سرجه أو عُرف (٣) دابّته. فإن تعذّر ، أومأ برأسه. فإن تعذّر ، أومأ بعينيه ؛ ، (٤) ويجعل السجود أخفض من الركوع.

__________________

(١) في «س» : أو.

(٢) القَرَبوس بالتحريك : حِنو السرج ، ولا يخفّف إلا في الشعر. لسان العرب ٦ : ١٧٢.

(٣) عرف الدابة : الشعر النابت في محدّب رقبتها. المصباح المنير : ٤٠٤.

(٤) في «م» ، «س» زيادة : فإن تعذر فبعينه.

٣٥٨

ويجب الاستقبال ، ولو بتكبيرة الإحرام ، فإن عجزَ سقط ، ويجب ولو بتكبيرة الإحرام مع الإمكان ، وتسقط مع عدمه.

ومع تعذّر الأفعال يجزي عن كلّ ركعة التسبيحات الأربع مع النية ، والتكبير ، والتشهّد ، والتسليم.

وهي صلاة عليّ عليه‌السلام وأصحابه ليلة الهرير في الظهرين والعشاءين ، ولم يأمرهم بإعادتها (١).

ويجوز الائتمام مع اتحاد الجهة. ولو اختلفت ، فالأقرب أنّهم كالمستديرين حول الكعبة ؛ لأنّ كل واحد حوله قبلته ، وليسوا كمختلفي الاجتهاد (في وجه قويّ) (٢).

ولا بأس بالأقوال المضطرّ إليها ، والأفعال الكثيرة من الطّعن ، والضرب ، والقتل ، والجذب ، والدفع ونحوها.

رابعها : صلاة بطن النحل

وهي أن يكمل الصلاة بكلّ فرقة على عدادها ، فتكون الواحدة له فرضاً ، والباقيات نفل ، وهذه تجوز مع الأمن والخوف ؛ ويترجّح فعلها حال الخوف والأمن ، وإن كانت في الأوّل أرجح. ولا تجوز الجمعة الثانية هنا.

وفيها ما يُرشد إلى جواز إعادة الإمام صلاته نفلاً لجماعة أُخرى.

وأمّا قصر الكيفيّة فسائغ حيث لا يمكن غيرها ، والأفضل تأخير الخائف الراجي للأمن ، ويجوز له التقديم كسائر أرباب الأعذار.

ويُشترط فيها كما في غيرها عدم المندوحة إلا في التقيّة ، فإنّها تجوز مطلقاً. فلو زالَ الخوف وقد بقي من الوقت ما يسع الفريضة ولم يكن صلّى ، أتمّ.

ولو خرجَ ، قضى قصراً إن استوعب الوقت ، ولم يبقَ مقدار الفريضة أو الركعة

__________________

(١) التهذيب ٣ : ١٧٣ ح ٣٨٤ ، الوسائل ٥ : ٤٨٦ أبواب صلاة الخوف ب ٤ ح ٨.

(٢) ما بين القوسين ليس في «س».

٣٥٩

أيضاً في وجه. ولا تُراعى الكيفيّة إلا في حال الصلاة أداءً أو قضاءً.

ولا يعيد ، ولا يقضي ما صلاه خائفاً ، إلا أن يكون فارّاً من الزحف ، أو عاصياً بقتاله (أو سفره في وجه) (١).

ولا يُشترط في تقصير الخوف عدداً وكيفاً عدم (٢) المعصية في نفس سفره أو غايته في وجه.

ولو قصّر كيفاً بظنّ العدوّ ، فظهَر خطأ ، أو ظهر وجود حائل ، فلا إعادة. ولو خافَ في أثناء الصلاة ، أتمّها قصراً مع بقاء المحلّ. ولو أمن في أثنائها ، أتمّها ، وإن استدبر.

وعلى القول باشتراط السفر في صلاة الخوف يجوز التفريق في الرباعيّة فِرقاً متعدّدة ، أربعاً ، وثلاثاً ، واثنين. وفي التفريق خمساً وستّاً بتبعيض الركعات وجه قريب.

ويشترك الحكم في قصر الكيفيّة والعدد بين الرجال والنساء ، وبين صلاة العيد والكسوف والاستسقاء.

ولو خافَ المُحرم فوتَ أحد الوقوفين ، والمَدِين المُعسر الخائف من الغريم ، والمُدافع عن ماله ، يقوى جري الحكم فيهم ، دون مُستحق القود ؛ لرجاء العفو ممّن له الحقّ.

ويجوز القصر في الكيفيّة في النوافل ، مع حصول السبب. ولو كانت حوله أمكنة ، بعضها يكون العدوّ فيها من وجه ، وبعضها من وجوه ، ولا ترجيح في الأمن ، كان الأولى من الأقسام ما كان أجمع للأحكام.

ولو اختلفوا في الخوف وعدمه ، أتى كلّ بتكليفه ، ويجوز أن يأتم بعض ببعض.

ولو صلّى الخائف أربعاً ، بطلت صلاته. ولو كان جاهلاً بحكم القصر ، فالأقوى صحّة صلاته.

ولو كان ناسياً ، احتمل لحوقه بحكم المسافر ، والبطلان. ولعلّ الأوّل أولى ؛ لاستفادة حكمه من أية السفر (٣). ولو خافَ في بعض أحواله من ركوب أو مشي أو

__________________

(١) ما بين القوسين زيادة في «ح».

(٢) في «ح» زيادة : سبب التمام ممّا عدا.

(٣) النساء : ١٠١.

٣٦٠