كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ٣

الشيخ جعفر كاشف الغطاء

كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ٣

المؤلف:

الشيخ جعفر كاشف الغطاء


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-371-030-3
الصفحات: ٥٥٢

لم يكن مُدركاً للوقت.

وفي تمشية حكم إدراك الركعة إلى جميع ما عدا الفرائض اليوميّة من الجمعة والآيات والملتَزَمات ، والنوافل الموقّتات ، من المرتّبات وغير المرتّبات ، إلا ما نصّ الدّليل على خلافه وجه قويّ.

وفي إدخال إدراك الركعة من العمل المفصول ، كإدراك ركعة من صلاة مُشتملة على أربع ركعات بينها فصل سوى ما قام الدليل على خلافه وجه ، والأوجه خلافه.

البحث الثاني : في أوقات الفرائض اليوميّة الفضيليّة

وهي على قسمين : تدريجيّة ، فأعلاها أوّل الوقت الفضيليّ ، ثمّ تتناقص شيئاً فشيئاً إلى تمامه ، وأدناها الجزء المتمّم.

وتحديديّة : فلكلّ من الفرائض المخصوصة حدّ مخصوص.

فللصبح فضيليّ واحد ، من طلوع الفجر الصادق المعبّر عنه بالصّبح إلى طلوع الحُمرة المشرقيّة ، وظهورها لعامّة النّاس ، ولا عِبرة ببعض الخواصّ. ويستمرّ الإجزاء الى طلوع الشّمس كما مرّ.

وللظّهر ثلاث أوقات فضيليّة :

أحدها : من أوّل الزوال إلى بُلوغ الفَي‌ء الزائد أو الحادث حيث لم يبقَ ظلّ مع عدم التنفّل على الأقوى أو مطلقاً قدمين ، عبارة عن سبعي الشّاخص.

ثانيها : إلى بلوغه أربعة أقدام.

ثالثها : إلى بلوغه مثل الشاخص.

ويمتدّ للإجزاء إلى أن يبقى من المغرب قدر صلاة العصر.

وللعصر أربعة :

أحدها : من حين الفراغ من الظّهر إلى أربعة أقدام.

١٢١

ثانيها : إلى ستّة أقدام.

وثالثها : إلى ستّة أقدام ونصف.

رابعها : إلى مِثلَي الشّاخص ، ويمتدّ للإجزاء إلى المغرب.

ولو احتسب للظهر رابع ، وللعصر خامس ، باعتبار المماثلة من الفي‌ء الزائد ، والظلّ السابق ، لم يكن بعيداً.

وللمغرب ثلاثة :

أحدها : من غروب الحُمرة المشرقيّة إلى غروب الحُمرة المغربيّة.

ثانيها : من غروب المغربيّة إلى ربع اللّيل.

ثالثها : منها إلى ثُلث اللّيل. ويمتدّ للإجزاء إلى أن يبقى لانتصاف الليل مقدار صلاة العشاء.

وللعشاء إجزائيّان :

أحدهما متقدّم : وهو من بعد صلاة المغرب إلى غروب الحمرة المغربيّة. وثانيهما : من ثُلث الليل إلى انتصافه.

وفضيليّان : أوّلهما : من غروب الحمرة المغربيّة ولا اعتبار بالبياض والصّفرة إلى ربع اللّيل. وثانيهما : من ربع اللّيل إلى ثلثه.

وكلّ متقدّم من أوقات الفضيلة أفضل من المتأخّر ، وكلّ متقدّم من أوقات الإجزاء كذلك.

ويُستثنى من ذلك : تأخير الفرائض لفعل الرّواتب في أوقاتها.

وتأخير المغرب والعشاء للمُفيض من عَرفات إلى المشعر ، وإن بلغَ رُبع اللّيل.

وتأخير العشاء إلى غروب الحُمرة المغربيّة.

وتأخير صلاة الصّبح إلى قريب ظهور الحُمرة المشرقيّة ؛ للإتيان بنافلة الفجر.

وتأخيرها إذا صلّى من نافلة اللّيل أربع ركعات فزاحم الصّبح. وفي جري الحكم

١٢٢

بمجرّد الدخول في الثالثة وجه ، والأقوى خلافه ، فيتمّ ، ويؤخّر الباقي.

وتأخير صلاة الظهر عن أوّل وقتها الفضيليّ إذا صلّى من نافلة الزوال ركعة ، وكذا العصر. والظاهر أنّ المأتي به بعد خروج وقت الفريضة للمزاحمة أداء لا قضاء.

وتأخير صلاة المغرب ؛ لانتظار المفطرين.

وتأخير الوقت في كلّ من الصّلوات ؛ لمعارضة فعل مستحبّ فوريّ ، كحاجة مؤمن ، أو تشييع جنازة ، أو لعروض مرض ، أو سبب تشويش ، أو اضطراب.

(وتأخير الظهر والمغرب للمستحاضة إلى آخر وقت الفضيلة (١) لتجمع بين الفضيلتين) ؛ ، إلى غير ذلك.

المقام الثاني : في أوقات النوافل اليوميّة

لنافلة الفجر وقت فضيليّ : من طلوع الفجر الكاذب القائم المشبه لذَنَب السّرحان ، إلى طلوع الفجر الصّادق.

ووقتان إجزائيّان : أحدهما : ما بين طلوع الفجر الصّادق ، إلى أن يبقى مقدار صلاته من طلوع الحمرة.

ويُستحبّ الاضطجاع على الجانب الأيمن بعد فعلها بلا نوم إن بقي شي‌ء من اللّيل ، فإن نام عن اضطجاع أو لا ، استحبّ له إعادتها مع بقاء ما يسعها من الليل. ولو وسع البعض ، لم يبعد استحباب إعادة ما وسع.

ثانيهما : وقت نافلة اللّيل إذا انضمّت إليها ، وجعلت بعضها متّصلة بها. وفي جواز الإتيان بها في وقت نافلة اللّيل مُنفردة وجه قوي. وفي تقديم الشباب ونحوه نافلة الفجر مع نافلة اللّيل على انتصاف اللّيل إشكال ، ومع الانفراد أشكل.

ولنافلة الظهر وقت فضيليّ : ما بين الزّوال إلى بلوغ القدمين.

ووقتان إجزائيّان : أوّلهما وهو أفضل من الثاني إلى ثلثي القامة ، والثاني : إلى

__________________

(١) ما بين القوسين زيادة في «ح».

١٢٣

منتهى القامة ، أو إلى أن يبقى منها مقدار صلاة الفريضة.

ولنافلة العصر وقت فضيليّ : من بعد الزّوال بعد صلاة الظّهر ونافلتها إلى أربعة أقدام. وإجزائي : إلى المثلين ، أو إلى أن يبقى من المثلين مقدار صلاة العصر.

ولنافلة المغرب وقت فضيليّ : بعد صلاة المغرب إلى غياب الحُمرة ، أو فعل العشاء ، وإجزائي يمتدّ بامتداد وقته.

ولنافلة اللّيل والشّفع والوتر (١) وقت إجزائي : من انتصاف اللّيل إلى أن يبقى ثلثه. ووقت فضيلي من الثلث إلى الصّبح.

ويُستحبّ التفريق في نافلة اللّيل أثلاثاً ؛ من الانتصاف إلى طلوع الفجر مع نومتين أو اضطجاعتين بينهما ، كما كان يصنع النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢).

ولنافلة الوتيرة وقت ممتدّ بامتداد وقت العشاء.

والتقديم للجميع في أوّل الوقت أفضل ، سوى نافلة الفجر ، فإنّ تأخيرها إلى ظهور الفجر الكاذب أفضل ، وعدا نافلة اللّيل ، فإنّ تأخيرها إلى قُرب الصّبح أفضل.

وأُذِن في تقديم نافلة اللّيل من أوّل اللّيل لشاب تمنعه رطوبة رأسه عن النهوض ، وتدعوه إلى النوم ، والظاهر إلحاق جميع الموانع به.

ويبدأ بالوِتر ثلاثاً مع ضيق وقت نافلة اللّيل ، ثمّ إن بقي وقت أتى بها ، وإلا قضاها.

ومن نسي ركعتين من صلاة اللّيل حتّى أوتر ، استحبّ له إتمام صلاة اللّيل ، وإعادة الوِتر. وقد يلحق به حال غيرهما من الأربع أو الستّ ، والجمود أولى.

وقد وردت رُخصة عامّة في تقديم النوافل الموقّتة عن أوقاتها ، وأنّها بمنزلة الهديّة متى أُتي بها قُبِلت (٣). وفي خصوص نافلة الظهرين أخبار مُتكثّرة (٤) ، ويمكن تنزيلها على أنّ هذا العدد عوض عددها ، فيكون فيه ثواب عظيم من جهتها ، كالنوافل المبتدأة ؛ جمعاً بين الإجماع والأخبار.

__________________

(١) الوتر : بالكسر على لغة الحجاز وتميم ، وبالفتح في لغة غيرهم. المصباح المنير : ٦٤٧.

(٢) كما في الكافي ٣ : ٤٤٥ ح ١٣ ، والوسائل ٣ : ١٩٥ أبواب المواقيت ب ٥٣ ح ١ ، ٢.

(٣) انظر الوسائل ٣ : ١٦٨ أبواب المواقيت ب ٣٧.

(٤) انظر الوسائل ٣ : ١٦٨ أبواب المواقيت ب ٣٧.

١٢٤

المقام الثالث : في الأحكام

ولا بدّ من التعرّض فيها لأُمور :

أحدها : أنّ الأوقات المخصوصة للفرائض والنّوافل إذا أتى بالعمل أو ببعض منه قبل الوقت عمداً أو سهواً أو غفلة ، وكذا عن خطأ باجتهاد ولو بأقلّ جزء على الأقوى وقع باطلاً ، كما في الموقّتات من الفرائض والنّوافل غير اليوميّة ، من صلاة آياتٍ أو نوافل موظّفات ، بل يتمشّى إلى غير الصّلوات ، مع ملاحظة التعبّد بالخصوصيّات.

ثانيها : أنّ مُدرك الركعة من الفرائض اليوميّة وصلاة الجمعة من آخر الوقت مُدرك للفريضة.

ولو طهرت الحائض ، أو النفساء ، أو عقل المجنون ، أو بلغ الصّبي ، وقد بقي من الوقت قدر الطهارة وركعة ، وجَبَت الصّلاة.

وفي إلحاق جميع الفرائض والنّوافل الموقّتة سوى ما قام الدليل على خلافه فيكون المُدرك فيها مُدركاً لتمام الوقت وجه قويّ ؛ لما دلّ على العموم.

وتتحقّق الركعة : بانفصال الجبهة عن محلّ السّجود وإن لم يبلغ حدّ اللّبنة (١) من السّجدة الثانية في السّجود المتعارف ، وفيما كان سجوده ورفعه بالرّأس أو العينين بالأخذ برفعهما منها ، وفيما إذا كان التكبير عوض الركعة بتمامه ، والأقوى أنّه يكون مؤدّياً ، لا قاضياً ، ولا مُلفّقاً.

ولو تمكّن من إدراك الركعة من الفريضة الثانية مع التقصير في الأُولى في مواضع التخيير تعيّن. وهو في حقّ المعذور رافع للإثم ، مُصحّح للحكم ، وفي غير المعذور لا يدفع الإثم ، وإن صحّ الحكم.

ثالثها : أنّه لا بدّ من التعويل على العلم ، ولا يكفي الظنّ ، مع خلوّ السّماء من العلّة ، من غير فرقٍ بين ما مصدره إخبار العدل ، مؤذّناً أو لا ، أو العدلين ، أو الشّياع المفيد للظنّ ، إلا فيمن تعسّر عليه ذلك ، لعمى يوجب التقليد ؛ لتعسّر حصول العلم

__________________

(١) المعترضة زيادة في «ح».

١٢٥

معه ، أو مانع يمنعه عن التطلّع إلى العلامات.

وإذا كانت السماء معلولة ، جاز البِدار ، ولم يجب الانتظار. والظاهر تمشية الحكم إلى كلّ من تعسّرت عليه معرفة الوقت لحبسٍ أو إقعاد ونحوهما.

رابعها : أنّه يرجح الإتيان بالصّلاة المفروضة في أوّل وقتها.

ويجوز الإتيان بالنافلة كذلك لمن كان عليه قضاء عن نفسه ليوم أو أيّام ، أو لغيره عن تحمّل قرابة ، أو إجارة لم يُشترط فيها الفور.

خامسها : أنّ ضيق الوقت عن أداء واجبات الفريضة يُلغي اعتبار الشروط إذا أدّى فعلها إلى خروج الوقت قبل إتمام الفريضة ، من مكانٍ ، أو لباسٍ ، أو استقبالٍ ، أو استقرارٍ ، أو غيرها ، وتصحّ من دونها ولا إعادة ، سوى ما ينافي حقيقتها من طهارة حَدَث ، أو نيّة قربة ؛ لو أمكن فرض المسألة فيها.

نعم ينتقل الحكم عن حال الاختيار مع وجود الماء إلى حال الاضطرار والتيمّم ، ولا إعادة. ولو تطهّر بالماء والحال هذه ، بَطَلت صلاته وطهارته.

سادسها : لو اختلف اثنان أو أكثر في دخول الوقت ، لم يأتم بعض ببعض في الابتداء.

ولو علم دخول الوقت في أثناء صلاة الإمام ، وكان اشتباه الإمام عن اجتهاد ، وقلنا بالصحّة مع دخول الوقت في الأثناء وإن كان مُخطأً ، أو كانت تخطئة الإمام عن اجتهادٍ لا عن علم ، قويَ جواز الدّخول معه مطلقاً ، ولا يحتسب أحدهما الأخر في عدد الجمعة والعيدين ، ومع الاجتهاد لا يبعد الاحتساب.

سابعها : أنّه يُستحبّ التفريق بين الظهرين والعشاءين ، ولا سيّما في الأخيرين ، مع الإتيان بالنوافل وعدمه. ومع الجمع الأولى تأخير الأُولى إلى آخر وقتها ، وتقديم الثانية إلى أوّل وقتها ؛ للجمع بين الوقتين. ومع حصول الدّاعي إلى الجمع في أوّل الوقت ، يبنى على الترجيح.

ثامنها : أنّه لا خفاءَ في طريق معرفة وقت الصبح والمغرب والعشاء ، ويُعلم انتصاف اللّيل بحركة النجوم ، أو بملاحظة السّاعات المعتبرة ، أو الصنائع والأعمال.

وأمّا وقت الظّهر فيُعرف بزوال الشّمس.

١٢٦

ويُعرف الزوال إمّا بنصب شاخصٍ مُعتدلٍ في أرض مُعتدلة ، فإن حَدَثَ له ظلّ بعد العدم في المواضع التي ينعدم فيها الظلّ وَسَط النّهار ، أو زاد في موضع عدم الانعدام ، فقد زالت الشّمس. أو بطريق الدائرة الهندسيّة ، أو بغير ذلك من العلامات.

ولو حصل الاطمئنان من ساعة أو ساعات مضبوطة ، أو عمل صناعة ، أو حركات كواكب ، أو غير ذلك ، أجزأ عن غيره.

تاسعها : أنّه لا يُفسد الصّلاة بعد الاضطرار والإلجاء بعد الإيمان والتمييز والعقل من الشروط ، سوى النيّة ، والوقت ، والطهارة الحدثيّة.

فلو أُلجئ إلى إيقاع الصّلاة كلا أو بعضاً في غير الوقت ، بطلت ، فرضاً كانت أو نفلاً ، مرتّباً أو غير مرتّب. وما ورد من الرّخصة في تقديم النفل محمول على إرادة البدليّة والإسقاط جمعاً ، أو يُطرح.

عاشرها : أنّه تنبغي المبادرة إلى الصّلاة في أوّل وقتها ، ولا سيّما صلاة الصبح ؛ لتشهدها ملائكة اللّيل والنّهار. وكذا المغرب لمن لم يكن بينه وبين الأُفق حاجب ، من جبال أو جدران عالية لا يسعه الصعود عليها ، فإنّه ينتظر إلى اشتباك النجوم ، كما في الرّواية (١).

حادي عشرها : أنّه يكره التنفّل لمن عليه فريضة حلّ وقتها من مؤدّاة غير النوافل الرّواتب أو مقضيّة أصليّة أو تحمّليّة عن قرابة ، أو ضمان إن أجزناه ، وألحقنا عمل الإجارة المطلقة في العبادات بالديون ، أو إجارة مُطلقة ، وإلا تبع الشرط ، فإنّه بحكم المعاملات.

ثاني عشرها : أنّه ينبغي تأخير النوافل مع جمع الصّلاتين بأذان واحد في جمعٍ والجمعة وغيرهما.

ثالث عشرها : إنّ قضاء نافلة اللّيل أفضل من تقديمها على الانتصاف حيث يجوز.

رابع عشرها : استحباب تخفيف كلّ صلاة مع احتمال خَوف فوتها ، مع ضعف الاحتمال ، وإلا وجب مع وجوبها.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٨١ ح ١٥ ، التهذيب ٢ : ٢٦١ ح ١٠٣٨ ، الاستبصار ١ : ٢٦٩ ح ٩٧٢ ، الوسائل ٣ : ١٥٠ أبواب المواقيت ب ٢٤ ح ١.

١٢٧

خامس عشرها : استحباب إعادة نافلة الفجر لو قدّمها عليه ثمّ نام.

سادس عشرها : استحباب تفريق صلاة اللّيل أربعاً ، وأربعاً ، وثلاثاً.

سابع عشرها : قضاء ما فات من صلاة اللّيل بعد صلاة الصبح ، وقبل طلوع الشمس ، أو بعد العصر ؛ لأنّهما من سرّ آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المخزون.

ثامن عشرها : تعجيل قضاء ما فات نهاراً ولو باللّيل ، وكذا ما فات ليلاً ولو بالنّهار ، والأفضل قضاء نوافل اللّيل باللّيل ، ونوافل النّهار بالنّهار ، في الوقت الذي فاتت فيه ، إذا لم يبادر في القضاء.

تاسع عشرها : أنّه إذا شكّ في الظهر بعد فعل العصر ، أو في أثنائه ، أو في المغرب بعد فعل العشاء ، أو في أثنائه ، لم يلتفت إلى الشكّ.

العشرون : أنّه يُستحبّ تأخير نافلة اللّيل إلى أخره ، وجعل الوِتر بين الفجرين.

الحادي والعشرون : أنّ من جلس بعد الصّبح ، ولم يصلّ نافلة اللّيل ، يُستحبّ له تخفيفها ، ثمّ صلاة الصّبح إن خشي فوتها.

الثاني والعشرون : أنّ الله تعالى كما جعل أزمنة وأمكنة في الدّنيا تتضاعف فيها الأرباح والفوائد ، كذلك جعل للاخرة أزمنة وأمكنة تتضاعف فيها فوائد الآخرة. فمن فاته وقت منها أو مكان ، نقصت فوائده ؛ ومن أدركها ، تضاعفت له.

الثالث والعشرون : أنّه يُستحبّ قضاء النّوافل الرّواتب ، وفعل المستندة إلى الأسباب في كلّ وقت.

وأمّا المبتدأة الدّاخلة في عموم قولهم عليهم‌السلام : «الصّلاة خيرُ موضوع ، فمن شاء استقلّ ، ومن شاء استكثر» (١). وفي قولهم عليهم‌السلام : «الصّلاة قُربان كلّ تقيّ» (٢). فتُكره كراهة عبادة ، بمعنى أنّ الإتيان بها في غير هذه الأزمنة أفضل ، أو بمعنى أنّه لو تركها ناوياً لتجنّب بعض ما يترتّب عليها أُثيب ؛ وإلا فهي راجحة في حدّ ذاتها.

__________________

(١) الخصال : ٥٢٣ ح ١٣ ، أمالي الطوسي ٢ : ١٥٣.

(٢) الفقيه ١ : ١٣٦ ح ٦٣٧ ، عيون أخبار الرضا (ع) ٢ : ٧ ح ١٦ ، الخصال : ٦٢٠ ، دعائم الإسلام ١ : ١٣٣ ، الوسائل ٣ : ٣٠ أبواب أعداد الفرائض ب ١٢ ح ١ ، ٢.

١٢٨

منها : عند طلوع طرفٍ من الشّمس ، وبعده حتّى تذهب حُمرتها.

(ومنها : عند غروبها حتّى تذهب حُمرتها) (١) أو بعده حتى تذهب صُفرتها.

ومنها : عند قيامها حتّى تزول في غير يوم الجمعة ، وقيل : من بعد طلوع الفجر إلى الزوال ، وقيل : من بعد طلوع الشمس إلى الزوال (٢).

ومنها : بعد صلاة الصبح إلى طلوع الشمس.

ومنها : من العصر إلى غروبها.

الرابع والعشرون : نافلة الجمعة عشرون ركعة ، والأحوط للمُقصّر أن لا يفعلها ؛ لاحتمال دخولها في حكم الرواتب ، وإن كان القول بعدم المنع لا يخلو من قوّة : ستّ عند انبساط الشمس ، وستّ عند ارتفاعها ، وستّ عند قيامها قبل الزّوال ، وركعتان عند الزّوال.

وفي بعض الرّوايات : ركعتان أُخريان بعد الزّوال ، فتصير اثنتين وعشرين ركعة (٣).

وفي بعض الأخبار : إنّ الستّ الأُوَل من الفجر إلى ما بعد طلوع الشمس (٤) ، وفي بعضها : بعد طلوع الشّمس (٥) وفي بعضها : إذا كانت الشمس مثلها عند العصر (٦) ، وفي بعضها : الاقتصار على ستّ عشر منها ، وتعيينها : ستّ في صدر النّهار ، وستّ في نصف النّهار ، وأربع بعد الظهر (٧).

ومنها : ستّ قبل الزّوال ، وركعتان عند الزّوال ، وثمان بعد الفريضة (٨) (وروى :

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في «م» ، «س».

(٢) نقله عن الحسن بن عيسى في مفتاح الكرامة ٢ : ٤٩.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٤٦ ح ٦٦٩ ، الاستبصار ١ : ٤١١ ح ١٥٧١ ، مصباح المتهجد : ٣٠٩ ، الوسائل ٥ : ٢٣ أبواب صلاة الجمعة ب ١١ ح ٥.

(٤) الوسائل ٥ : ٢٣ أبواب صلاة الجمعة ب ١١ ح ٥ ، ١٣ ، ١٩.

(٥) مستطرفات السرائر ٣ : ٥٨٥ ، الوسائل ٥ : ٢٦ أبواب صلاة الجمعة ب ١١ ح ١٨.

(٦) الكافي ٣ : ٤٢٨ ح ٢ ، التهذيب ٣ : ١١ ح ٣٥ ، الاستبصار ١ : ٤١٠ ح ١٥٦٦ ، الوسائل ٥ : ٢٥ أبواب صلاة الجمعة ب ١١ ح ١٢.

(٧) التهذيب ٣ : ٢٤٥ ح ٦٦٧ ، الاستبصار ١ : ٤١٣ ح ١٥٨٠ ، الوسائل ٥ : ٢٣ أبواب صلاة الجمعة ب ١١ ح ٧.

(٨) التهذيب ٣ : ١١ ح ٣٧ ، الاستبصار ١ : ٤١٠ ح ١٥٦٨ ، الوسائل ٥ : ٢٤ أبواب صلاة الجمعة ب ١١ ح ٩.

١٢٩

أنّ الجميع بعد الفريضة) (١). والمراد الظهر أو العصر ، والعمل على الجميع مخيّراً بينها غير بعيد.

الخامس والعشرون : أنّ الأوقات متساوية في القضاء ، الفريضة أو نافلة ، ما لم تعارض واجباً ، ولا فوريّة فيه إلا مع ظنّ الوفاة ، أو بلوغ حدّ يصدق فيه التهاون والتكاسل ، أو تكون مشروطة في استيجار على عبادة.

ويجب الترتيب في القضاء عن النّفس مع العلم بكيفيّة الفوات ، ومع الجهل به والانحصار في عدد يمكن فيه العمل بالترتيب ، وهو لا يمكن إلا في قليل من العدد ؛ لأنّه متى بلغ العشر توقّف على ما يزيد على عشرات الأُلوف.

ولا ترتيب في النيابة عن الأموات من دون فوات ، وأمّا في القضاء عنهم فكذلك ، أمّا حيث يتعدّد ويكون في الترتيب حرج وهذا جارٍ في أكثر النيابات أو يكون النوّاب بحيث لا يعلمون حالهم في تقديم وتأخير ، فينبغي عدم التأمّل ؛ إذ الفرع لا يزيد على الأصل.

ثمّ الترتيب بين أعمالهم لا يستدعي موافقة ترتّب المنوب عنهم ، وإطلاقات النيابة تعمّ ما إذا كان بفريضة واحدة أو فرائض ، وهو مقتضي لعدم لزوم الترتيب ، على أنّ خطاب الترتيب متوجّه إلى المنوب عنه ، وهو من الشرائط ، لا من المقدّمات ، فيكون لكلّ حكم نفسه ، كما في اللّباس ، والاستقبال ، والجهر ، والإخفات ، ونحوها.

والتطوّع مرتّب على الفريضة على القول به ، مع أنّه لا يجري على النوّاب.

وصيام التطوّع لمن عليه صوم غير جائز ، ويجوز للنّائب مع كونه على المَنوب عنه ، فحال هذه المسألة كحال المديون إذا أوجب على نفسه ترتيب وفاء الدّيون ، فإنّه ليس على المتبرّع أن يرعى ذلك ، فلا بأس بصلاة النّوّاب دفعة ، ولا بائتمام بعضهم ببعض.

ولا يجوز للأوصياء والوكلاء اشتراط الترتيب على النوّاب ؛ لإفضائه إلى التعطيل ، وبقاء الميّت مؤاخذاً ؛ أو لأنّه مُعرّض للخُلف وفساد العمل غالباً.

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في «م» ، «س».

١٣٠

ومَن كان عليه مقضيّات لا يعلم عددها ، فإن كانت عنهُ ، أتى منها بما يغلب معه في ظنّه الوفاء. وإن كانت لغيره ، اقتصر على المتيقّن ، والأحوط فيهما ولا سيّما في الأخير طلب اليقين.

ومن فاته شي‌ء من الفرائض لاعن تقصير ، وجب على أكبر ولده القضاء عنه. والأحوط إلحاق الأُمّ بالأب ، والمقصّر بغير المقصّر ، وباقي الأولياء من الأرحام بالأولاد مع عدمهم.

ولو كان الوَلَدان من بطن واحد ، قدّم المؤخّر في التولّد ، والأحوط المساواة والتوزيع.

ومَن كان غير مُكلّف حين موت أبيه فلا شي‌ء عليه ، والاحتياط في قيامه.

ويجوز للوليّ الاستيجار على الأقوى.

السادس والعشرون : أنّه تُستحبّ اليقظة والإيقاظ في أوقات الصّلاة ممّن لم يصلّ ، كما يُؤذن به قوله عليه‌السلام : «تعلّموا من الدّيك خمس خصال : مُحافظته على أوقات الصّلاة ، والغيرة ، والسّخاء ، والشجاعة ، وكثرة الطروقة» (١) ، وقوله : عليه‌السلام «لا تسبّوا الدّيك ؛ لأنّه يوقظ للصّلاة» (٢) فإنّ فيه إشعاراً بهما.

وفي فعل أمير المؤمنين عليه‌السلام ليلة الجرح ، وما ورد في تعليل استحباب الأذان والجهر بنافلة اللّيل ، وإيقاظ الرّجل زوجته للصّلاة ونحوها أبين شاهد عليه.

(السّابع والعشرون : أنّ من نسي ركعتين من نافلة اللّيل ، ثمّ صلّى الوِتر ، أتى بهما ، ثمّ أعاد الوِتر) (٣).

المبحث السّابع : من المباحث التي بُني عليها كتاب الصّلاة

في أعداد الصلاة اليوميّة ، فرائضها ونوافلها ، وأعداد ركعاتها.

فالبحث في مقامين :

__________________

(١) الفقيه ١ : ٣٠٥ ح ١٣٩٦ ، الخصال : ٢٩٩ ح ٧٠ ، الوسائل ٣ : ٨٠ أبواب المواقيت ب ١ ح ٩.

(٢) سنن أبي داود ٢ : ٧٤٨ ح ٥١٠١ ، الجامع الصغير للسيوطي ٢ : ٢٠٠.

(٣) ما بين القوسين ليس في «م» ، «س».

١٣١

الأوّل : في أعداد الفرائض

الفرض الأصلي منها في كلّ يوم مع عدم المانع خمس : الظهر ، والعصر ، والمغرب ، والعشاء ، والصبح. وهي الضرورية في الدين ، ومُنكر أحدها خارج عن رِبقة المسلمين.

ومن جهة المانع من حيض أو نقصِ عقلِ مجنون أو إغماء أو صغر قد تكون واحدة أو ثنتين أو ثلاثاً أو أربعاً.

وركعاتها في غير السفر الشرعي والخوف سبع عشرة ، لكلّ واحدة من الظهر ، والعصر ، والعشاء أربعاً ، وثنتان للصبح ، وثلاث للمغرب.

وفي مواضع التخيير إذا استغرق صلاة اللّيل والنّهار فيها أو اختصّ السفر أو الخوف ببعضها قد يكون ثلاث عشرة وخمس عشرة. وإذا تعلّقا بالجميع ، كانت إحدى عشرة.

ومتى نقص شي‌ء من العدد في واحدة عن علم مختاراً أو مجبوراً أو جهل أو غفلة أو نسيان ، بطلت صلاته. ولو قصّر في مقام التقيّة أو أتمّ ، صحّت.

المقام الثاني : في النوافل

وفيها بحثان :

البحث الأوّل : في أعدادها وجملة من أحكامها

وهي ستّ ، خمس كلّ واحدة منها لواحدة من الخمس : نافلة الظهر ، ونافلة العصر ، ونافلة المغرب ، ونافلة العشاء ، ونافلة الصّبح.

والظاهر أنّها مستحبّة للأوقات في ذاتها ، لا للأفعال ، وإن تبعتها في القصر والإتمام ، فمن أصاب النافلة وأخطأ الفريضة جاء بالسّنة.

والسّادسة : نافلة اللّيل ، ومنها الشّفع والوِتر.

١٣٢

وأمّا عددها الذي بُني عليه أصل الوضع ولا أرى في الاقتصار على البعض فيها وفي أمثالها من المعدودات ، لتحصيل بعض الأجر بمقدار ما عمل بأساً ، فيفوته أجر ما ترك ، والثواب المترتّب على التمام ، ومع التعذّر وشبهه لا يبقى كلام فأربعة وثلاثون ركعة :

ثمان لنافلة الزوال ، وتُنسب إلى الظهر.

ومثلها لنافلة العصر ، وفي انتسابها إلى الظهر ، أو العصر ، أو التنصيف ، أو ستّ إلى الظهر وثنتان إلى العصر وجوه ، ولكلٍّ مُستند ، ولا بأس بالعمل على الجميع ، والظاهر عدم اعتبار ذلك ، فيسهل الأمر في النيّة. ومع اعتبار الزمان دون القصد لا يبقى للكلام ثمرة يُعتدّ بها (إلا فيما إذا اختص القصر بأحدهما).

وأربع بعد المغرب.

وثنتان بعد العشاء تُعدّان بركعة ؛ لتكون النافلة ضعف الفريضة.

وإحدى عشر ركعة نافلة اللّيل ، منها : ركعتان للشفع ، وركعة للوتر ، وركعتان قبل الصّبح.

ووردت رُخصة في الاقتصار في نافلة العصر على ستّ ، فتبقى اثنان وثلاثون ، وعلى أربع فتبقى ثلاثون ، وفي المغرب على اثنتين ، فتبقى ثمان وعشرون ، وفي ترك نافلة العشاء ، فتبقى سبع وعشرون.

ومعنى الإذن في الاقتصار على ما اخترناه أنّ لهذه الأعداد خصوصيّة زائدة على ما يلحقها من التوزيع بسبب الجزئيّة.

والظاهر أنّ أفضلها نافلة اللّيل ، وأفضلها ثلاث الوِتر ، وأفضل الثلاث الأخيرة. ثمّ نافلة الزّوال ، ثمّ نافلة الصّبح ، ثمّ نافلة المغرب ، ثمّ نافلة العصر ، وأدناها الوتيرة.

وكلّ مَنسوبة إلى فريضة تتبعها إتماماً وتقصيراً وتخييراً. فإذا عمّ القصر فرائض اليوم واللّيلة ، سقط منها ستّ عشرة ركعة : نافلة الزوال ونافلة العصر حتماً ، ونافلة الوتيرة احتياطاً.

فيكون الباقي منها في السّفر مساوياً لركعات الفرائض في الحضر ، وللسّاقط منها

١٣٣

في السّفر ؛ فإنّه سبع عشرة ، والباقي بعد ذلك سبع عشرة نصف نوافل الحضر ، وكأنّها قصرها : نافلة اللّيل ، وركعتا الفجر ، وأربع المغرب.

وإذا حَضَرَ بعد الوقت سقط من النوافل ما يتبع المقصورة من الفرائض واحدة أو اثنين أو ثلاث ، وفي مقام التخيير يجري فيه ذلك.

ويُحتمل جواز النفل مع القصر ، وبدونه ، ومنعه مطلقاً ، وخير الثلاثة أوسطها.

وما لا ربط لها بالفرائض كنافلة اللّيل ، والمؤخّرة عن الفريضة إذا فُعلت قبلها ، بناءً على جواز التطوّع وقت الفرض ، هل تصحّ نظراً إلى اعتبار الزّمان في دخول الوقت فقط ، أو لا نظراً إلى اعتبار الإتيان بالفعل أيضاً؟ وهي أداء على الحالين لو أجزناهما.

وأمّا المقدّمة عليها إذا فُعلت بعد الفريضة ، مع بقاء وقتها ، فيحتمل فيها الأداء مدّة بقاء الوقت ، والقضاء ؛ لأنّ الأداء مشروط بالوقت والتقدّم ، والأخير لا يخلو من قوّة. وحيث إنّ نيّة الأداء والقضاء عندنا مُلغاة ارتفعت الثمرة.

وفصل العشاء كغيرها من الصّلوات بين المغرب ونافلتها لا ينافي أداء النافلة مع بقاء الوقت.

ولو دار الأمر بين الحضور مع الجماعة في المسجد أو غيره مع ترك النوافل ، وبين الإتيان بها مع ترك ما سبق ، فإن كان على الاستدامة أتى بالنوافل وترك الجماعة في وجه ، وفي الاتفاق ترجّح الجماعة.

وصلاة الغُفَيلة إن دخلت في أربع المغرب دخلت في الرّواتب ، وإلا خرجت ، والأحوط إدخالها ، فيقتصر على الأربع ، وإن كان الأقوى جواز زيادتها على الأربع. وهي مستحبّة ، ووقتها في ساعة الغَفلة بين المغرب والعشاء.

روي عن الصادق عليه‌السلام : أنّه من صلّى بين العشاءين ركعتين يقرأ في الأُولى الحمد و (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً) إلى قوله (وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) وفي الثانية : الحمد و (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ) إلى آخرها ، فإذا فرغ من القراءة رفع يديه فقال : «اللهم إنّي أسألك بمفاتح الغيب التي لا يعلمها إلا أنت أن تصلّي على محمّد وآل محمّد ، وأن تفعل بي كذا وكذا» أُعطي ما سأل ، أو قال : «اللهم أنت وليّ نعمتي

١٣٤

، والقادر على طلبتي ، تعلم حاجتي ، فأسألك بحقّ محمّد وآله عليهما‌السلام لمّا قضيتها لي» وسأل حاجته أعطاه الله تعالى ما سأل (١).

وتُستحبّ ركعتان بعد العشاء الآخرة ، يقرأ فيهما مائة أية ، ولا يحتسب بهما ، فإن لم يستيقظ إلى الصبح ، صلّى ركعتين شفعاً ، واحتسب بالسّابقتين وتراً.

وصلاة الوصيّة بين العشاءين.

وصورتها : أن يصلّي بين العشاءين ركعتين ، يقرأ في الأُولى بعد الحمد إذا زلزلت ثلاث عشرة مرّة ، وفي الثانية بعد الحمد التّوحيد خمس عشرة مرّة.

وقد روي : أنّ من فعلها في كلّ سنة كان من المحسنين ، وفي كلّ جمعة من المخلصين ، وفي كلّ ليلة زاحمني في الجنّة ، ولم يحصي ثوابه إلا الله تعالى (٢).

وهذه الصّلوات الثلاث ليست من الرّواتب التابعة للفرائض ، وإنّما ذكرتها لشباهتها بها ، فلا يجري فيها القضاء ، ولا يسقط ما كان منها بعد رباعيّة في مقام القصر ، والأحوط تركها على القول بمنع التطوّع في وقت الفريضة.

والنّوافل في السّفر ، مع سقوط الوتيرة فيه تساوي ركعاتها ركعات فرائض الحضر ، وتكون نوافل الحضر ضعف نوافل السّفر ، وكأنّها مقصورة في السّفر.

وتنبغي شدّة المحافظة على النوافل ، ولا سيّما الرّواتب ، فقد روي عن أبي جعفر عليه‌السلام في تفسير قوله تعالى (الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ) بصلاة النوافل (٣). وروى : أنّها تَكمِلَة للفرائض (٤) ، إمّا كل نافلة لفريضتها ، أو مطلقاً.

وأنّ الله تعالى يقول : إنّ عبدي ليتقرّب إليّ بالنوافل حتّى أُحبّه ، فإذا أحببته ، كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ولسانه الذي ينطق به ، ويده التي

__________________

(١) مصباح المتهجد : ٩٤ ، الوسائل ٥ : ٢٤٩ أبواب بقيّة الصلوات المندوبة ب ٢٠ ح ٢.

(٢) مصباح المتهجد : ٩٥ ، الوسائل ٥ : ٢٤٧ أبواب بقية الصلوات المندوبة ب ١٧ ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ٢٧٠ ذ. ح ١٢ ، التهذيب ٢ : ٢٤٠ ح ٩٥١ ، مجمع البيان ٥ : ٣٥٦ ، الوسائل ٣ : ٤١ أبواب أعداد الفرائض ب ١٣ ح ٢٧. والآية في سورة المعارج : ٢٣.

(٤) الكافي ٣ : ٢٦٩ ح ١١.

١٣٥

يبطش بها ، إنْ دعاني أجبته ، وإنْ سألني أعطيته (١).

وأنّ تارك النّوافل الرّاتبة بلا سبب يلقى الله تعالى مُستخفّاً مُتهاوناً مُضيّعاً لحُرمة رسوله الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وروى : «أنّه إذا لم يقضها ، كفّر عن كلّ ركعتين بمدّ ، فإن لم يقدر ، فعن كلّ أربع ، فإن لم يقدر ، فمدّ لصلاة اللّيل ، ومدّ لصلاة النهار» (٢).

وأنّ من فاته منها نوافل كثيرة لا يعرف عددها ، صلّى قضاءً عنها صلوات كثيرة لا يعلم عددها من كثرتها (٣).

البحث الثاني : في كيفيّات النوافل مطلقاً

النوافل كلّها ثنائيّة ، كهيئة الفريضة الثنائيّة ، إلا أنّها لا يجب فيها سورة بعد الفاتحة ، ويجوز تبعيضها ، وقرانها ، والعدول منها إلى غيرها ، من أيّ سورة شاء ، توحيداً أو جحداً أو غيرهما ، وفي أيّ وقت شاء (٤).

ولا يخلّ بها الشكّ بين الواحدة والثنتين ، بل يتخيّر بين البناء على الأكثر ، وهو الأفضل ، والبناء على الأقلّ.

وعدم تعيّن الاستقرار إذا لم يكن في محلّ قرار ، ولا الاستقبال ، ولا السّجود بالجبهة ، وباقي المساجد ، بل يكتفى بالإيماء ، ولا رفع المسجد ، بل يكتفى بإيماء الرّأس ، ولو تعذّر فبالعينين (وهذا على طريق الرّخصة دون العزيمة ، فلو تمكن من الرّكوع أو السّجود على الوفق ، وفعل ، جاز على الأقوى) (٥).

__________________

(١) الكافي ٢ : ٣٦٢ ح ٨ ، الوسائل ٣ : ٥٣ أبواب أعداد الفرائض ب ١٧ ح ٦

(٢) الكافي ٣ : ٤٥٤ ح ١٣ ، الفقيه ١ : ٣٥٩ ح ١٥٧٧ ، التهذيب ٢ : ١٩٨ ح ٧٧٨ ، المحاسن : ٣١٥ ح ٣٣ ، الوسائل ٣ : ٥٥ أبواب أعداد الفرائض ب ١٨ ح ٢.

(٣) الكافي ٣ : ٤٥٤ ح ١٣ ، الفقيه ١ : ٣٥٩ ح ١٥٧٧ ، التهذيب ٢ : ١٩٨ ح ٧٧٨ ، المحاسن : ٣١٥ ح ٣٣ ، الوسائل ٣ : ٥٥ أبواب أعداد الفرائض ب ١٨ ح ٢.

(٤) في «ح» زيادة : ويستحب فعلها وإكمالها والقران فيها.

(٥) ما بين القوسين ليس في «م» ، «س».

١٣٦

فتصحّ ركوباً في سفينة ، وعلى حيوان ، ومشياً ، وعدواً في أحد الوجهين ، مع الاختيار.

ولا القيام مع الاستقرار ، فيجوز الجلوس ، دون الاستلقاء والاضطجاع على أحد الجنبين اختياراً في أقوى الوجهين.

ولا الكون في غير الكعبة ، وفي تخصيص الأحكام بغير ما وجب بالالتزام وجه قوي.

ولا سجود السّهو ، ولا عمل الاحتياط ، ولا قضاء الأجزاء المنسيّة ، ولا جهر ، ولا إخفات ، والظاهر أنّها لاحقة للذات ، لا لخصوص الندب.

وكلّها فيها القنوت قبل الرّكوع واحدة أو ثنائية ، شفعاً أو لا ، وروى في الوتر قبله وبعده (١).

ولا تزيد على ركعتين.

وصلاة الأعرابي ؛ وهي ، على ما رواه زيد بن ثابت ، عشر ركعات : أربع ، وأربع ، وثنتان ، بتسليمات ثلاث (٢). وصلاة التسبيح ؛ بجعل الأربع بسلام واحد ، كما يظهر من الصّدوق (٣). وصلاة أربع موصولة ليلة الجمعة ، كما في المصباح يرويه عن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٤) غير ثابتة.

ودليل اعتبار ضعيف الأخبار في السّنن إنّما يجري حيث لا تعارضه حجّة ولا قاعدة ، كما إذا كان داخلاً في العموم كمّاً ، وكيفاً ، ووضعاً ، وزماناً ، ومكاناً ، وإنّما أفاد الضعيف رجحان خصوصيّته ، فلم تكن فيه معارضة ولا مدافعة لدليل ، ولا لقاعدة.

ويُستحبّ في أول ركعة التعوّذ ، وأكمله : «أعوذ بالله السّميع العليم من الشّيطان

__________________

(١) الخلاف ١ : ٣٨١ ، المعتبر ٢ : ٢٦.

(٢) مصباح المتهجد : ٢٨١.

(٣) الفقيه ١ : ٣٤٩.

(٤) مصباح المتهجد : ٢٢٩ ، ٢٨٠ ، ٢٨٢.

١٣٧

الرجيم». والتوجّه بقول (وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ) إلى أخره.

وقراءة السّور القصار في نوافل النّهار ، ونافلة المغرب ، والمطوّلات في نوافل اللّيل. والجهر في نوافل الليل ، والإخفات في نوافل النّهار.

وقراءة الجحد في الأُولى من نوافل الزوال ، ومن نوافل المغرب ، ومن نوافل اللّيل ، وقراءة الإخلاص ثلاثين مرّة في أوّلتي صلاة اللّيل.

وفي كلّ واحدة من ركعتي الشّفع بعد الحمد ثلاث مرّات سورة الإخلاص ، وفي ركعة الوتر بعد الحمد سورة الإخلاص ثلاثاً ، والمعوّذتين مرّة مرّة.

وروى : أنّ النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يقرأ في الثلاث تسع سور : في الأُولى : التكاثر ، والقدر ، والزلزلة ، وفي الثانية : العصر ، والنّصر ، والكوثر ، وفي الثالثة : الجحد ، وتبّت ، والتوحيد (١).

وروى في الأُولى من الشّفع سورة النّاس ، وفي الثانية الفلق ، وفي الوتر قل هو الله أحد ثلاثاً ، والمعوّذتين (٢).

وروى : أنّ تقصير الفريضة وتطويل النافلة من العبادة (٣).

وأنّ من العجب قبول صلاة من لم يقرأ إنّا أنزلناه في صلاته ، وأنّه ما زَكَت صلاة من عبدٍ لم يقرأ فيها بقل هو الله أحد (٤).

وفي خصوص اليوميّة روي : أنّه من مضى عليه يوم واحد صلّى فيه الصّلوات الخمس ، ولم يقرأ التوحيد في شي‌ء منها قيل له : يا عبد الله ، لست من المصلّين (٥). وفيها دلالة على رجحانها في النوافل.

(وتُستحبّ الصلاة على النبي صلّى الله عليه وإله وسلّم مائة مرّة بين نافلة الفجر

__________________

(١) مصباح المتهجد : ١٣٢ ، الوسائل ٤ : ٧٩٩ أبواب القراءة ب ٥٦ ح ١٠.

(٢) مصباح المتهجد : ١٣٢.

(٣) المحاسن : ٣٢٤ ، الوسائل ٤ : ٦٨٨ أبواب القيام ب ٤ ح ٢.

(٤) الاحتجاج ٢ : ٤٨٢ ، الوسائل ٤ : ٧٦١ أبواب القراءة ب ٢٣ ح ٦.

(٥) الكافي ٢ : ٤٥٥ ح ١٠ ، عقاب الأعمال : ٢٨٣ ، ثواب الأعمال : ١٥٥ ح ١ ، المحاسن : ٩٦ ح ٥٦ ، الوسائل ٤ : ٧٦٢ أبواب القراءة ب ٢٤ ح ٢.

١٣٨

وفريضتها ، ويُستحبّ بعد الفراغ من استغفار الوتر قول : «هذا مقام العائذ من النار» سبع مرات) (١).

وروى : إدخال صلاة جعفر في نافلة اللّيل (٢) ، فتدخل قراءتها وأذكارها فيها.

(ومن شرائطها : الاستقرار في جميع أحوالها ، ويتضاعف الحكم حال الإتيان بأقوالها وأفعالها من قراءة ، وذكر ، وركوع ، وسجود وتشهّد ، وتسليم ، ونحوها. ويعتبر في الهويّ بالنّسبة إلى ما زاد من حركته ، فلو تحرّك لسبب سكت عن أقواله ، وتعمّد المفضول من أحواله ثمّ من أقواله) (٣).

المبحث الثامن : في أفعال الصّلاة والأعمال المرتبطة بها المشبهة لأجزائها

والبحث فيها في مقامات :

الأوّل : في المقدّمات

والنظر فيها في أُمور :

منها : أنّه ينبغي الإقدام عليها بعشقٍ ، ورغبةٍ ، وهمّةٍ عاليةٍ ؛ لا مُتكاسلاً ، ولا متناعساً ، خاشعاً خاضعاً ، ذليلاً خائفاً وجلاً ، ممثّلاً للجنّة والنار بين يديه ، مُترقّباً لملك الموت متى يُؤمر عليه ، مُتأهّباً للحساب ، وحصول الثواب ، وحلول العقاب ، متحذّراً من الشّيطان ، متحفّظاً من الرياء ، والعُجب ، وحبّ السّمعة ، التي قلّ ما يخلو منها إنسان.

روي : أنّ زين السّاجدين عليه الصّلاة والسّلام وعلى آبائه الطاهرين إذا أراد الوضوء اصفرّ لونه (٤).

والعُمدة في هذا المقام إمعان النظر التام في أنّ لباس الإمكان في الموجود القاضي

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في «م» ، «س».

(٢) الفقيه ١ : ٣٤٩ ح ١٥٤٢ ، التهذيب ٣ : ٣٠٩ ح ٩٥٦ ، عيون أخبار الرضا (ع) ٢ : ١٨١ ح ١٨٠ ، الوسائل ٥ : ٢٠١ أبواب صلاة جعفر ب ٥ ح ٥ ، وج ٣ : ٤٠ أبواب أعداد الفرائض ب ١٣ ح ٢٤.

(٣) ما بين القوسين زيادة في «ح».

(٤) فلاح السائل : ٥١ ، أسرار الصلاة : ١٣٠ ، مستدرك الوسائل ١ : ٣٥٥ أبواب الوضوء ب ٤٧ ح ٥ ، ٨.

١٣٩

عليه بمساواة العدم و (الوجود قاضٍ عليه بالعبوديّة (١) لواجب الوجود ، فصفة السّلطان والجبروت لا تليق إلا لربّ الملك والملكوت ، والوقوف على قدم لا يليق إلا بمن ساوى وجوده العدم ، وبذلك تتقوّم حقيقة العبادة والعبوديّة.

ومتمّمها الأعمال الصورية المتعلّقة بالأبدان ، والأقوال المتعلّقة باللسان ، فهي جلوتها (٢) ، وتلك حقيقتها ؛ لأنّ لكلّ حقّ حقيقة ، ولكلّ ثوابٍ نوراً ، فبمثل ذلك يُعرف أنّ الحقيقة هي الحقيقة الشرعيّة المنصوص عليها بالأدلّة الشرعيّة ، لا ما جرَت على ألسن الفرقة المبدعة المسمّاة بالصّوفيّة.

ومنها : أنّه ينبغي أن يكون مُستحضراً لمجملاتها ، من مندوباتها ، وواجباتها ، وشرائطها ، ومقدّماتها ، ومقتضياتها ، ومنافياتها ، عارفاً بها عن مجتهد حيّ ، أو كتابه ، أو واسطته ، والكلّ في طبقة.

وإن لم يكن ، فعن الاحتياط.

فإن لم يكن ، فعن المشهور ، أو عن من نقل إجماعهم ، أو الأدلّة إن كان من أهل ذلك.

فإن لم يكن ، فعن كلّ من يحصل الظنّ بقوله من العدول.

فإن لم يكن ، لزمته الهجرة عن بلاده إلى موضع يرجو فيه تحصيل مراده ، كلّ ذلك مع الاحتياج إلى العمل.

ولا يلزمه الفرق بين الواجبات والمندوبات ، ولا الوقوف على معرفة حقيقة الذّات ، بل تكفيه المعرفة الإجماليّة ، وهي المطلوبة في النيّة ، ويكفي فيها معرفة أنّ الصّلاة هي المقابلة لما عداها من الواجبات الفرعيّة.

ومنها : أنّ كلّ من صلّى وعمل ما حكمه نظري من غير رجوع إلى مأخذ شرعيّ ، وكان متفطّناً خبيراً بأن الرّجوع إلى المجتهدين معتبر ، دون الإباء والأُمّهات والمُعلّمين ، فلم يرجع ، بطلت صلاته ، وافقت الواقع ، أو خالفته.

وإن لم يعلم بذلك ، ولم يخطر بباله ، زاعماً أنّ الحجّة بينه وبين الله تعالى أُمّه أو

__________________

(١) في «ح» زيادة : وبالمعبوديّة.

(٢) في قولك جلوت العروس جلوةً وجلاءً. المصباح المنير / ١٠٦.

١٤٠