كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ٣

الشيخ جعفر كاشف الغطاء

كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء - ج ٣

المؤلف:

الشيخ جعفر كاشف الغطاء


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-371-030-3
الصفحات: ٥٥٢

فلم يجرِ الحسين عليه‌السلام التكبير ، ثمّ بقي على ذلك مع التكبير ثانياً ، وهكذا إلى السابع ، فكبّر الحسين عليه‌السلام (١).

ومنها : أنّ الحسين عليه‌السلام كبّر مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أوّلاً ، فكرر النبيّ إلى السبع ، والحسين عليه‌السلام يكبّر معه ، فجرت السنة بذلك (٢).

ومنها : أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليلة المعراج قطع سبع حجب ، فكبّر عند كل حجاب تكبيرة (٣).

ومنها : أنّ الله خلق السماوات والأرضين والحُجب سبعاً سبعاً ، وقطع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحُجب ، وكبّر عند كلّ حجاب (٤).

ومنها : أنّ أصل الصلاة ركعتان ، ولها سبع تكبيرات ، لكلّ من الافتتاح ، والركوع الأوّل ، والسجدتين ، والركوع الثاني ، والسجدتين تكبير ، فإذا أتى بالسبع أوّلاً ، وحصل نقص فيها ، كان ما سبق عوضاً عنها (٥).

ومنها : ما روي في كون عدد الفرائض خمساً ، وهو : «أنّ الله تعالى أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المعراج أن يأمر أُمّته بخمسين صلاة ، فرجع ، ومرّ على الأنبياء ، فلم يسألوه ، حتّى مرّ على موسى بن عمران ، فسأله ، فأخبره ، فقال له : اطلب التخفيف من ربّك ؛ لأنّ أُمّتك لا تطيق ، فرجع وطلب ، فعادت إلى أربعين ، ثمّ رجع على النحو السابق ، فقال له موسى عليه‌السلام نحو ما قال ، فرجع وسأل التخفيف ، فعادت إلى ثلاثين ، ثمّ رجع على نحو ما مرّ ، فقال له موسى ذلك القول ، فرجع وسأل التخفيف ، فعادت إلى عشرين ، ثمّ رجع على نحو الأوّل ، فقال له موسى عليه‌السلام نحو ما مرّ ، فرجع وسأل التخفيف ، فعادت إلى عشر ، ثمّ رجع كذلك

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٩٩ ح ٩١٨ ، التهذيب ٢ : ٦٧ ح ٢٤٣.

(٢) الفقيه ١ : ١٩٩ ح ٩١٩ ، العلل : ٣٣١ ، الوسائل ٤ : ٧٢١ أبواب تكبيرة الإحرام ب ٧ ح ١ ـ ٤.

(٣) العلل : ٣٣٢ ح ٤ ، الوسائل ٤ : ٧٢٣ أبواب تكبيرة الإحرام ب ٧ ح ٧.

(٤) الفقيه ١ : ١٩٩ ح ٩١٨ و ٩١٩ ، العلل : ٣٣٢ ح ٢ ، الوسائل ٤ : ٧٢٢ أبواب تكبيرة الإحرام ب ٧ ح ١ و ٤ و ٥.

(٥) الفقيه ١ : ٢٠٠ ح ٩٢٠ ، العلل : ٢٦١.

٤٤١

حتّى مرّ بموسى ، فأخبره فقال له ما قال سابقاً ، فعادت إلى خمس ، ثمّ رجع ، فمرّ على موسى ، فقال له نحو ذلك ، فقال : إنّي لأستحيي من ربّي» (١).

وروى : أنّه لم يرجع ؛ لأنّه أراد أن يحصل لأُمّته ثواب الخمسين ؛ لأنّ من جاء بالحسنة له عشر أمثالها (٢).

وروى : «أنّ آدم عليه‌السلام لمّا هبط إلى الدنيا ظهرت به شامة سوداء ، فبكى ، فقال له جبرئيل عليه‌السلام ما يبكيك؟ فقال : من هذه؟ فقال له : يا آدم قم فصلّ ، فهذا وقت الصلاة الأُولى ، فقام وصلّى ، فانحطّت الشامة إلى عنقه ، ثمّ جاءه في الصلاة الثانية فأمره فصلّى ، فانحطت إلى سرّته ، فجاءه في الصلاة الثالثة فصلّى ، فانحطّت إلى ركبتيه ، فجاءه في الصلاة الرابعة فصلّى ، فانحطت إلى قدميه ، فجاءه في الصلاة الخامسة ، فخرج منها ، فحمد الله ، ثمّ قال له : مَن صلّى من ولدك هذه الصلوات ، خرج من ذنوبه كما خرجتَ من هذه الشامة» (٣).

ومنها : ما روي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تعيين أوقات الفرائض ، قال : «أمّا صلاة الزوال ؛ فلأنّ للشمس حلقة تدخل فيها ، فتزول الشمس ، فيسبّح كلّ من دون العرش بحمد ربّي ، ويصلّي على ربّي ، وفي مثل هذه الساعة يؤتى بجهنّم ، فمن صلّى فيها نجا منها.

وأمّا صلاة العصر ؛ فلأنّه وقت أكل آدم عليه‌السلام من الشجرة ، فأمر الله ذريّته بها.

وأمّا صلاة المغرب ؛ فلأن ساعته ساعة التوبة على آدم عليه‌السلام ، وصلّى آدم فيها ثلاث ركعات ، ركعة لخطيئته ، وركعة لخطيئة حوّاء ، وركعة لتوبته.

وأمّا صلاة العشاء ؛ فلأنّ للقبر ظُلمة ، وليوم القيامة ظُلمة ، وهي نور للقبر ، ونور

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٢٦ ح ٦٠٢ ، أمالي الصدوق : ٣٦٦ ح ٢ ، الوسائل ٣ : ٧ أبواب أعداد الفرائض ب ٢ ح ٥.

(٢) الفقيه ١ : ١٢٦ ح ٦٠٣ ، العلل : ١٣٢ ح ١ ، أمالي الصدوق : ٣٧١ ح ٦ ، الوسائل ٣ : ١٠ أبواب أعداد الفرائض ب ٢ ح ١٠.

(٣) الفقيه ١ : ١٣٨ ح ٦٤٤ ، العلل : ٣٣٨ ح ٢ ، الوسائل ٣ : ٩ أبواب أعداد الفرائض ب ٢ ح ٩.

٤٤٢

على الصراط ، وهي الساعة المُختارة للمؤمنين ، وما من قدمٍ مَشَت إليها إلا حرّم الله جسدها على النار.

وأمّا صلاة الفجر ؛ فلأنّ الشمس تطلع بين قرني شيطان ، فأُمرت أن أُصلّي قبل طلوعها ، ولأنّها ساعة تحضرها ملائكة اللّيل والنهار» (١).

وفي أُخرى : أنّ كلا من أوقات الزوال والمغرب والعشاء والصبح أوقات مشهورة ، فأمر بالصلوات فيهنّ ، ووقت العصر أُمر به بعد الفراغ منهنّ (٢) ، وورد غير ذلك (٣).

ومنها : ما ورد في علّة كون مجموع صلاة الفريضة والسنة إحدى وخمسين ركعة ، وهو : أنّ النهار اثنتا عشرة ساعة ، واللّيل كذلك ، وساعة بين الطلوعين ، فلكلّ ساعة ركعتان ، وللغسق ركعة (٤).

ومنها : ما ورد في علّة كون النوافل أربعاً وثلاثين باحتساب الوتيرة ركعة : من أنّ ذلك ليكون في مقابلة كلّ ركعة من الفريضة ركعتان من النافلة (٥).

ومنها : ما ورد في علّة وجوب القراءة في الصلاة : من أنّه حذراً عن أن يهجر القرآن ولا يُحفظ ، ولا يُدرس ولا يُضمحلّ ولا يجهل.

وفي خصوص الحمد ؛ لأنّ فيه الاسم الأعظم ، ولأنّه لا شي‌ء من الكلام والقران أجمع للخير أو الحكمة منه (٦) ، ولاشتماله على الحمد الذي هو أوّل الواجبات على الخلق.

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٣٨ ح ٦٤٣ ، العلل : ٣٣٧ ح ١ ، الوسائل ٣ : ٩ أبواب أعداد الفرائض ب ٢ ح ٧.

(٢) العلل : ٢٦٣ ، العيون ٢ : ١٠٩ ح ١ ، الوسائل ٣ : ١١٧ أبواب المواقيت ب ١٠ ح ١١.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٥٢ ح ١٠٠١ ، الاستبصار ١ : ٢٥٧ ح ٩٢٢ ، العلل ١ : ٢٦٣ ، الوسائل ٣ : ١١٥ أبواب المواقيت ب ١٠ ح ٥.

(٤) الكافي ٣ : ٤٨٧ ح ٥ ، الفقيه ١ : ١٢٨ ح ٦٠٤ ، الخصال : ٤٨٨ ح ٦٦ ، العلل : ٣٢٧ ، الوسائل ٣ : ٣٤ أبواب أعداد الفرائض ب ١٣ ح ١٠.

(٥) العلل : ٤٣٠ ح ١ ، وص ٢٦٧ ، ٢٦٤ ، العيون ٢ : ١١٣ ، الوسائل ٣ : ٧٠ أبواب أعداد الفرائض ب ٢٩ ح ٦.

(٦) الفقيه ١ : ٢٠٣ ح ٩٢٧ ، العيون ٢ : ١٠٧ ، العلل : ٢٦٢ ، الوسائل ٤ : ٧٣٣ أبواب القراءة ب ١ ح ٣ ـ ٤.

٤٤٣

وفي تخصيص الركعتين الأُوليين بوجوب القراءة دون الأخيرتين ؛ لأنّ الأُوليين ممّا فرض الله ، والأخيرتين ممّا أوجب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ومنها : ما ورد في علّة استحباب القنوت في الركعة الثانية بعد القراءة ؛ لأنّ العبد يجب افتتاح قيامه ، وقربه ، وعبادته بالتحميد ، والتقديس ، والرغبة ، والرهبة ، ويختم بمثل ذلك ؛ ليكون في القيام طول ، فيدرك المأموم الركعة ، ولا تفوته الجماعة (١).

ومنها : ما ورد في التسليم ، وهو أُمور :

منها : أن الإمام مُترجم عن الله : الأمان عليهم من عذاب الله.

ومنها : أنّ الدخول في الصلاة تحريم الكلام على المخلوقين ، فيكون تحليلها بتحليله ، وأوّل الكلام السلام.

وجعل التحليل التسليم ؛ لأنّه تحيّة الملكين ، ولأنّ فيه سلامة للعبد من النار ؛ لأنّ في قبول صلاة العبد يوم القيامة قبول سائر أعماله.

ومنها : أن التسليم علامة الأمن ؛ لأنّ الناس كانوا فيما مضى إذا سلّم عليهم وارد أمنوا شرّه ، وإذا ردّوا عليه أمِن شرّهم ، وإن لم يسلّموا لم يأمنوه ، وإن لم يردوا عليه لم يأمنهم ، فجعل التسليم علامة للخروج من الصلاة ، وتحليلاً للكلام ، وأمناً عن أن يدخل في الصلاة ما يفسدها.

والسّلام : اسم من أسماء الله عزوجل ، وهو واقع من المصلّي على المَلَكين الموكّلين (٢).

ومنها : أنّه يسلّم على اليمين دون اليسار ؛ لأنّ الملك الموكّل بكتابة الحسنات على اليمين ، وإنّما لم يقل : السلام عليك ، وهو واحد ؛ ليعمّ من في اليسار. وفضّل الأوّل بالابتداء بالإشارة.

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢١٠ ح ٩٤٥ ، العلل ١ : ٢٦٠ ، العيون ٢ : ١٠٦ ، معاني الأخبار : ١٧٦ ، الوسائل ٤ : ٨٩٦ أبواب القنوت ب ١ ح ٥.

(٢) العلل ١ : ٢٦٢ ، وج ٢ : ٣٥٩ ، الوسائل ٤ : ١٠٠٥ أبواب التسليم ب ١ ح ٩ ، ١٠ ، ١٣.

٤٤٤

وكان التسليم بالأنف لا بالوجه كلّه لمن يصلّي وحده ، وبالعين لمن يصلّي بقوم ؛ لأنّ مَقعد الملكين من ابن آدم الشدقان (١) ، فصاحب اليمين على الشدق الأيمن ، فيسلّم المصلّي عليه ، وليُثبت له صلاته في صحيفته.

وتسليم المأموم ثلاثاً ؛ لتكون واحدة ردّاً على الإمام ، وتكون عليه وعلى ملكيه ، وتكون الثانية على يمينه ، والمَلكين الموكّلين به ، وتكون الثالثة على مَن على يساره ، ومَلَكيه الموكّلين به.

ومَن لم يكن على يساره أحد ، لم يسلّم على يساره.

فتسليم الإمام يقع على ملكيه والمأمومين ، يقول لملكيه : اكتبا سلامة صلاتي ممّا يفسدها ، ويقول لمن خلفه : سلمتم وأمنتم من عذاب الله عزوجل ، إلى غير ذلك ممّا وردَ في هذا المقام (٢).

ثمّ لنختم الكلام بحديثين أوّلهما عن الصادق ، والثاني عن الكاظم عليهما‌السلام.

الحديث الأوّل : ما روي بطريقين ، عن الصباح المزني ، وسدير الصيرفي ، ومؤمن الطاق ، وعمر بن أُذينة ، عن الصادق عليه‌السلام في حديث طويل : «إنّ الله عرج بنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأذّن جبرئيل عليه‌السلام ، فقال : الله أكبر ، الله أكبر ، أشهدُ أن لا إله إلا الله ، أشهدُ أن لا إله إلا الله ، أشهدُ أنّ محمداً رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أشهدُ أن محمّداً رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حيّ على الصلاة ، حيّ على الصلاة ، حيّ على الفلاح ، حيّ على الفلاح ، حيّ على خير العمل ، حيّ على خير العمل ، قد قامت الصلاة ، قد قامت الصلاة.

ثمّ إنّ الله عزوجل قال : يا محمّد ، استقبل الحجر الأسود ، وهو بحيالي ، وكبّرني بعدد حُجبي ، فمن أجل ذلك صار التكبير سَبعاً ؛ لأنّ الحُجب سَبعة ، وافتتح القراءة

__________________

(١) شدق الإنسان والدابة : هو لحم باطن الخدّين من جانبي الفم. جمهرة اللغة ٢ : ٦٥٢.

(٢) العلل ٢ : ٣٥٩ ح ١ ، الوسائل ٤ : ١٠٠٩ أبواب التسليم ب ٢ ح ١٥.

٤٤٥

عند انقطاع الحجب ، فمن أجل ذلك صار الافتتاح سنّة ، والحجب مطابقة ثلاثاً والنور الذي نزل على محمّد ثلاث مرّات ، فلذلك كان الافتتاح ثلاث مرّات ، فلأجل ذلك كان التكبير سبعاً ، والافتتاح ثلاثاً.

فلمّا فرغ من التكبير والافتتاح ، حينئذٍ قال الله تعالى : الان وصلت إليّ ، فسمّ باسمي ، فقال (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، فمن أجل ذلك جعل بسم الله الرحمن الرحيم في أوّل السورة.

ثمّ قال : احمدني فقال (الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ). فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في نفسه شكراً ، فقال الله : يا محمّد ، قطعت حمدي فسمّ باسمي ، فمن أجل ذلك جعل في الحمد (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) مرّتين.

فلمّا بلغ (وَلَا الضّالِّينَ) قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) شكراً ، فقال الله العزيز الجبّار : قطعت ذكرى ، فسم باسمي ، فمن أجل ذلك جعل بسم الله الرحمن الرحيم بعد الحمد في استقبال السورة الأُخرى ، فقال له : اقرأ : قل هو الله أحد كما أُنزلت ، فإنّها نسبتي ونعمتي ، ثمّ طأطئ يديك واجعلهما على ركبتيك ، فانظر إلى عرشي.

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فنظرت إلى عظمةٍ ذهبت لها نفسي ، فغُشي عليّ ، فأُلهمت أن قلت : «سبحان ربّي العظيم وبحمده» لعظم ما رأيت ، فلما قلت ذلك ، تجلّى الغشي عنّي ، حتّى قلتها سبعاً ، أُلهَمُ ذلك ، فرجعت إليّ نفسي كما كانت ، فمن أجل ذلك صار في الركوع «سبحان ربّي العظيم وبحمده».

فقال : ارفع رأسك ، فرفعت رأسي فنظرت إلى شي‌ء ذهب منه عقلي ، فاستقبلت الأرض بوجهي ويدي ، فأُلهمت أن قلت : «سبحان ربّي الأعلى وبحمده» لعلوّ ما رأيت ، فقلتها سبعاً ، فرجعت إلى نفسي ، كلّما قلت واحدة منها تجلّى عنّي الغشي ، فقعدت ، فصار السجود فيه «سبحان ربّي الأعلى وبحمده» ، وصارت القعدة بين السجدتين استراحة من الغشي ، وعلوّ ما رأيت.

فألهمني ربّي عزوجل ، وطالبتني نفسي أن أرفع رأسي ، فرفعت ، فنظرت إلى

٤٤٦

ذلك العلوّ ، فغشي عليّ ، فخررت لوجهي ، واستقبلت الأرض بوجهي ويدي ، وقلت : «سبحان ربّي الأعلى وبحمده» فقلتها سبعاً ، ثمّ رفعت رأسي.

فقعدت قبل القيام لأُثنّي النظر في العلو ، فمن أجل ذلك صارت سجدتين ، وركعة ، ومن أجل ذلك صار القعود قبل القيام قعدة خفيفة.

ثمّ قمتُ ، فقال : يا محمّد ، اقرأ الحمد ، فقرأتها مثل ما قرأتها أوّلاً ، ثمّ قال لي : اقرأ إنا أنزلناه فإنّها نسبتك ، ونسبة أهل بيتك إلى يوم القيامة.

ثمّ ركعت ، فقلت في الركوع والسجود ، مثل ما قلت أوّلاً ، وذهبت أن أقوم ، فقال : يا محمّد ، اذكر ما أنعمت عليك ، وسمّ باسمي ، فألهمني الله أن قلت : «بسم الله ، وبالله ، لا إله إلا الله ، والأسماء الحسنى كلها لله».

فقال لي : يا محمّد ، صلّ عليك وعلى أهل بيتك ، فقلت «صلّى الله عليّ وعلى أهل بيتي».

وقد فعل ، ثم التفت ، فإذا بصفوف من الملائكة والنبيين والمرسلين ، فقال لي : يا محمّد ، سلّم ، فقلت : «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته».

فقال : يا محمّد ، إنّي أنا السلام ، والتحيّة ، والرحمة ، والبركات أنت وذريّتك.

ثمّ أمرني ربّي العزيز الجبار أن لا ألتفت يساراً ، وأوّل سورة سمعتها بعد قل هو الله أحد إنا أنزلناه في ليلة القدر ومن أجل ذلك كان السلام مرّة واحدة تجاه القبلة ، ومن أجل ذلك صار التسبيح في الركوع والسجود شكراً.

وقوله : «سمع الله لمن حمده» ، لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : سمعتُ ضجّة الملائكة ، فقلت : «سمع الله لمن حمده» بالتسبيح والتهليل ، فمن أجل ذلك جُعلَت الركعتان الأُوليان كلّما حدث فيهما حدث كان على صاحبهما إعادتهما ، وهي الفرض الأوّل ، وهي أوّل ما فرضت عند الزوال يعني صلاة الظهر (١).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٨٢ ح ١ ، العلل ٢ : ٣١٥ ح ١ ، الوسائل ٤ : ٦٧٩ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ١٠.

٤٤٧

وروى عنه عليه‌السلام إضافة : أنّه أوحى الله إليه : اركع لربّك يا محمّد ، فركع ، فأوحى الله إليه قل : «سبحان ربّي العظيم» فقالها ثلاثاً ، ثمّ أوحى إليه أن ارفع رأسك يا محمّد ، ففعل ، فقام مُنتصباً ، فأوحى الله إليه أن اسجد لربّك يا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فخرّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ساجداً ، فأوحى إليه قل : «سبحان ربّي الأعلى» ففعل ذلك ثلاثاً (١).

الحديث الثاني روي عن إسحاق بن عمّار أنّه قال : سألت أبا الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام ، كيف صارت الصلاة ركعة وسجدتين؟ وكيف إذا صارت سجدتين لا تكون ركعتين؟ فقال عليه‌السلام : «إذا سألتَ عن شي‌ء ، ففرّغ قلبك لتفهم ، إنّ أوّل صلاة صلاها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إنّما صلاها في بين يدي الله تبارك وتعالى ، قُدّام عرشه جلّ جلاله.

وذلك أنّه لما أسرى به ، قال : يا محمّد ، ادنُ من صاد ، فاغسل مساجدك ، وطهرها ، وصلّ لربّك.

فتوضّأ ، وأسبغَ وضوءَه ، ثمّ استقبل عرشَ الجبّار قائماً ، فأمره بافتتاح الصلاة ، ففعل ، فقال يا محمّد : اقرأ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) إلى آخرها ، ففعل ذلك.

ثمّ أمره أن يقرأ نسبة ربّه (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ اللهُ الصَّمَدُ) ففعل ، ثمّ أمسك عنه القول ، فقال : «كذلك الله ، كذلك الله ، كذلك الله».

فلمّا قال ذلك ، قال : اركع يا محمّد لربّك ، فركع ، فقال له وهو راكع : قل «سبحان ربّي العظيم وبحمده» ففعل ذلك ثلاثاً.

ثمّ قال له : ارفع رأسك يا محمّد ، ففعل ، فقام مُنتصباً بين يدي الله.

فقال له : اسجد يا محمّد لربّك ، فخرّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ساجداً ، فقال قل : «سبحان ربّي الأعلى وبحمده» ففعل ذلك ثلاثاً.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٨٦ ح ١ ، الوسائل ٤ : ٦٨١ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ١٠.

٤٤٨

فقال له : استوِ جالساً يا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ففعل ، فلما استوى جالساً ذكر جلالة ربّه ، فخرّ لله ساجداً من تلقاء نفسه ، لا لأمرٍ أمره ربّه عزوجل ، فسبّح أيضاً.

فقال : ارفع رأسك ، ثبّتك الله ، واشهد أن لا إله إلا الله ، وأنّ محمّداً رسول الله ، وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها ، وأنّ الله يبعث من في القبور ، اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد ، كما صلّيت ، وباركت ، وترحّمت ، ومننت على إبراهيم وآل إبراهيم ، إنّك حميد مجيد ، اللهم تقبّل شفاعته في أُمّته ، وارفع درجته ، ففعل.

فقال له : يا محمّد ، واستقبل ربّك تبارك وتعالى مُطرقاً ، فقال : السلام عليك ، فأجابه الجبّار جلّ جلاله ، وقال : وعليك السلام يا محمّد.

قال أبو الحسن عليه‌السلام : إنّما كانت الصلاة التي أُمر بها ركعتين ، وسجدتين ، وهو إنّما سجد سجدتين في كلّ ركعة ، كما أخبرتك من تذكّره لعظمة ربّه ، فجعله الله تبارك وتعالى فرضاً (١) الحديث) (٢).

كتاب القرآن

وهو الكتاب المُنزل من السماء على سيّد الرسُل ، وخاتم الأنبياء ، مفصّلاً سوراً وآيات ، مَعدوداً من أكبر الآيات والمُعجزات ، راجحة قراءته حيث تكون غير منسوخة تلاوته. فخرجت باقي الكُتب السماويّة ، والأحاديث القدسيّة ، ومنسوخ التلاوة ، وإن كان في مبدأ خلقه مُحتسباً منه.

وفي كونه حقيقة في المجموع فقط ، أو مُشتركاً معنوياً ، أو لفظيّاً بينه وبين البعض وجوه ، أقواها الأوّل.

وفيه مباحث :

__________________

(١) العلل ٢ : ٣٣٤ ح ١ ، الوسائل ٤ : ٦٨١ أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ١١.

(٢) إلى هنا تنتهي المطالب الغير الموجودة في «م» ، «س».

٤٤٩

الأوّل : في حدوثه

لا ريب أنّه من مَقولة الأصوات ، وهي من الأعراض الطارئة على الذوات ، المتخيّل وجودها مع عدمها ، والحروف الناشئة عن تقطيع تلك الأصوات ، والكلمات المركّبة من تلك الحروف والحركات ، مع الهيئات. فهو من المخلوقات المُحدثات ، ولا يمكن وجوده إلا في بعض الجسميّات.

والكلام النفسي كاللفظي من المركّبات ؛ لأنّ هذه الألفاظ الصوريّة منطبقة على التصوريّة ، فحقيقة الكلام لا تخرج عن الوجهين المذكورين ، على أنّه مَجاز في القسم الثاني ، وإلا دخلت في العلم والإدراك ، وليسا من الكلام بلا كلام.

فلو جازَ القِدَم في الأصوات والحروف والكلمات ، لجازَ القِدَم في جميع أنواع المركّبات. ومن تتبّعَ الأخبار ، ظهرَ له ذلك ظهور الشمس في رائعة النهار.

المبحث الثاني : في إعجازه

أصل الإعجاز في الجملة ممّا أذعنت به فُصحاء اليمن ، ونجد ، والعراق ، والحجاز. واختاروا المُحاربة ؛ عجزاً عن المُعارضة.

وهو ممّا اتفقت عليه كلمات أهل الإسلام ، وتواترت به أخبار النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة عليهم‌السلام ، ودلّ عليه صريح الكتاب.

ولا يلزم من ذلك دور ؛ لأنّ طريق إثبات النبوّة غير مُنحصر فيه.

وإنّما الكلام في أنّ إعجازه للصرف عن مباراته ، أو لما اشتمل عليه من الفصاحة والبلاغة في سوره وآياته؟

ثمّ هل ذلك من مجموع المباني والمعاني ، أو في كلّ واحد منها؟

وهل ذلك مخصوص بالجملة ، أو يتمشّى إلى السور الطوال ، أو إليها وإلى القصار؟ وهل يتسرّى إلى الآيات أو لا؟ وأمّا الكلمات والحروف فلا.

ولا يبعد القول بالصرفة بالنسبة إلى بعض السور القصار ، وبالأمرين معاً في حقّ

٤٥٠

الكبار ، أو المجتمع عن الصغار.

وربّما يوجّه بذلك التّعجيز بسورة مرّة ، وبعشر أُخرى ، وإن كانت له وجوه أُخر.

وقد يقال : بثبوت الإعجاز في صغار السور إذا ظهر ما اشتملت عليه من الحكم ، وكان يظهره لمن ينكره.

المبحث الثالث في كيفيّة الخطاب به

قد دلّت الأخبار على تقدّم خَلقه على زمان البِعثة بما لا يخفى على الأعوام ، فلا معنى لتوجيه الخطاب حين الخلق إلى أهل الإسلام ، فيكون حينئذٍ خطاب وضع ، لا خطاب مُشافهة إلى حين حمل جبرئيل ، ثمّ بتلاوته على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يكون جبرئيل مُخاطباً له ؛ إذ من البعيد أن يقال بخَلقه مرّة ثانية على لسانه ، وإنّما هو حاكٍ للخطاب.

ثمّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضاً حاكٍ ؛ لبُعد كونه مَخلوقاً مرّة ثالثة على لسانه على نحو الخلق الأوّل ، فهو المخاطب حينئذٍ للمكلّفين.

فعلى مذهبنا من اشتراط موجوديّة المخاطب ، وحضوره ، وسماعه ، وفهمه ، وإقباله ، كما دلّ عليه صريح العقل ، لا يكون الخطاب من الله خطاب شفاه ، وكذا من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالنسبة إلى الأعقاب ، وجميع من لم يكن حاضراً وقت الخطاب (فالبحث في خطاب المشافهة مبنيّ على خطاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للحاضرين على وجه الرسالة) (١) وإنّما تسرية الأحكام بنصّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة عليهم‌السلام.

ولو كان وضعه لأعلى وضع المراسلات ، بل على وضع الصكوك والسجلات ، ساوى الحاضرون الغائبين.

غير أنّ الأوّل أقرب إلى الصواب ، ولذلك أدخلوه في مُشافهة الخطاب ، وجعلوا

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في «م» ، «س».

٤٥١

ثبوت الحكم لغير المُشافهين من الضرورة والإجماع والأخبار. وعلى كلّ حال لا يتمشّى إلا في المماثل المتّحد في النوع.

والقول : «بأنّ الخطاب في الأخبار لأشخاصٍ بأعيانهم من قبيل الوضع العامّ ، وأنّ خطاب المعنيّ من قبيل المثال» ممّا لا ينبغي أن يخطر في البال.

ثمّ يبقى الكلام في أنّ صدق الحقيقة والمجاز وحكمهما يلحق زمان الوضع ، فلا ينزّل على حين التبليغ أو بالعكس ، ويختلف الحكم فيما كان حقيقة في أيّام النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وليس بحقيقة قبله ، ويختلف الحال أيضاً باختلاف زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما بعده باختلاف احتمالي الوضع والرسالة.

ثمّ يجري في الأحاديث القدسيّة نحو ما جرى في القرآن ، (والظاهر أنّ المدار على حين التبليغ ، واصطلاح الحاضرين عنده. وتبدّل الحقيقة بعده ولو في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يغيّر حكمه).

المبحث الرابع : أنّه أفضل من جميع الكُتب المُنزلة من السماء ، ومن كلام الأنبياء والأصفياء.

وليس بأفضل من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأوصيائه عليهم‌السلام ، وإن وجب عليهم تعظيمه واحترامه ؛ لأنّه ممّا يلزم على المملوك ، وإن قرب من الملك نهاية القرب ، تعظيم ما يُنسب إليه من أقوال ، وعيال ، وأولاد ، وبيت ، ولباس ، وهكذا ؛ لأنّ ذلك تعظيم للمالك.

فتواضعهم لبيت الله تعالى ، وتبرّكهم بالحجر ، والأركان ، وبالقرآن ، وبالمكتوب من أسمائه ، وصفاته من تلك الحيثيّة لا يقضي لها بزيادة الشرفيّة.

المبحث الخامس : أنّ تلاوته أفضل من تلاوة الدعاء ، والأذكار ، والأحاديث ، قدسيّة وغيرها ، وإن ورد العكس في الدعاء ، وهي في نفسها سنّة من دون حاجة إلى فهم المعاني إجمالاً وتفصيلاً. نعم يعتبر فيها فهم القرآنيّة ، كما يُعتبر في الذكر والدعاء

٤٥٢

فهم الذكريّة والدعائيّة ، ونحوها ، في نحوها ، وربّما يكتفى بمجرّد العلم بأنّه ممّا يتقرّب به.

المبحث السادس : أنّ فيه المُتشابه الذي لا يُعلم إلا بتعليم ، كأسماء العبادات من الصلاة ، والصيام ، والحجّ ، ونحوها ، وأسماء لا يعرفها العرب كالحروف في مفتتح السور ، وأسماء أشياء توجد في الآخرة.

وفيه المبيّن الذي يعرفه العرب بلسانهم ، وبه عُرِفَ الإعجاز ، وحُجّ الخصوم من غير أهل الإسلام ، وبه يتّضح حال الصحيح من الأخبار ، وعليه مدار الضرورة ، والسيرة ، واحتجاج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة عليهم‌السلام والأصحاب سلفاً بعد سلف ، وعليه بُني عمل الاستخارة ، وما يُكتب من الهياكل من غير رجوع إلى تفسير ، وحجيّته من ضروريّات الدين ، وقد مرّ الكلام فيه مفصّلاً.

المبحث السابع : في زيادته

لا زيادة فيه ، من سورة ، ولا أية ، من بسملة ، وغيرها ، لا كلمة ، ولا حرف. وجميع ما بين الدفتين ممّا يُتلى كلام الله تعالى بالضرورة من المذهب ، بل الدين ، وإجماع المسلمين ، وإخبار النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والأئمّة الطاهرين عليهم‌السلام ، وإن خالف بعض من لا يُعتدّ به في دخول بعض ما رسم في اسم القرآن.

المبحث الثامن : في نقصه

لا ريبَ في أنّه مَحفوظ من النقصان ، بحفظ الملك الديّان ، كما دلّ عليه صريح القرآن (١) ، وإجماع العلماء في جميع الأزمان ، ولا عبرة بالنادر.

وما ورد من أخبار النقيصة تَمنع البديهة من العمل بظاهرها ، ولا سيّما ما فيه نقص

__________________

(١) الحجر : ١٥.

٤٥٣

ثلث القرآن ، أو كثير منه ، فإنّه لو كان ذلك لتواتر نقله ؛ لتوفّر الدواعي عليه ، ولاتّخذه غير أهل الإسلام من أعظم المطاعن على الإسلام وأهله.

ثمّ كيف يكون ذلك ، وكانوا شديدي المحافظة على ضبط آياته ، وحروفه. وخصوصاً ما ورد أنّه صرّح فيه بأسماء كثير من المنافقين في بعض السور ، ومنهم فلان وفلان.

وكيف يمكن ذلك ، وكان من حكم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الستر على المنافقين ، ومعاملتهم بمعاملة أهل الدين.

ثمّ كان صلوات الله عليه يختشي على نفسه الشريفة منهم ، حتّى أنّه حاول عدم التعرّض لنصب أمير المؤمنين عليه‌السلام ، حتّى جاءه التشديد التامّ من ربّ العالمين ، فلا بدّ من تأويلها بأحد وجوه :

أحدها : النقص ممّا خلق ، لا ممّا أُنزل.

ثانيها : النقص ممّا أُنزل إلى السماء ، لا ممّا وصل إلى خاتم الأنبياء.

ثالثها : النقص في المعاني.

رابعها : أنّ الناقص من الأحاديث القدسيّة.

والذي اختاره أن المُنزل من الأصل ناقص في الرسم ، وما نقصَ منه مَحفوظ عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وآله عليهم‌السلام.

وأمّا ما كان للإعجاز الذي شاعَ في الحجاز وغير الحجاز ، فهو مقصور على ما اشتهر بين الناس ، لم يغيّره شي‌ء من النقصان ، من زمن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى هذا الزمان ، وكلّما خطب أو خاطب به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على المنبر ، لم يتبدّل ، ولم يتغيّر.

المبحث التاسع : في بيان معنى القراءة والتلاوة

وتتحقّق للقادر بالإتيان بالحروف على النحو المألوف ، والنطق بالكلمات على نحو ما وضعت عليها من الهيئات ، فلا عِبرة بأحاديث النفس ، ولا بالصوت الخارج من الفم

٤٥٤

ولا يدعى حَرفاً عُرفاً ، ولا بالحروف المقطّعات التي لم تحصل بها هيئات الكلمات.

ولا مع الفصل بسكوت أو كلام طويلين بين الحروف أو الكلمات ، حتّى يكونا عن اسم القرآن والقراءة مخرجين.

ويُكتفى من العاجز عن البعض بقدر المقدور منها ، ومن العاجز عن الكل بلَوك اللّسان ، مع الإشارة بدلاً عنها.

ولا اعتبار بالحروف المنثورة ، ولا بالقراءة المقلوبة ، ولا بالمشتركة التي قصد بها غيرها ، وهذا جارٍ في جميع الكلمات الداخلة في الأذكار والدعوات.

المبحث العاشر : في بيان ما يحرم منها ، وهو أقسام :

منها : ما تَشتمل على الغِناء ، وقد سبق تحقيق معناه.

ومنها : ما يكون مؤذياً للمصلّين ، ومُزعجاً للنّائمين ، ونحو ذلك.

ومنها : ما يُرفع زائداً على العادة ، حتّى لا يبقى للقران حُرمة.

ومنها : ما يفضي إلى فساد الصلاة أو خروج وقتها ، كقراءة سور العزائم في الفرائض ، أصليّة أو عارضيّة ، أو ما يفوّت وقت الفريضة الواجبة.

ومنها : ما يكون بلسان مغصوب ، كلسان العبد مع منع مولاه.

ومنها : ما يكون في مكان مغصوب في وجه قويّ ، أمّا ما كان في إله معدّة للتصويت ، فلا شكّ في تحريمه.

ومنها : ما يتلذّذ فيه بالسماع من الأجانب ؛ لترطيب الصوت وتلطيفه.

ومنها : ما يكون في وقت عبادة مضيّقة ، وإن لم تكن حُرمته أصليّة في أحد الوجوه.

ومنها : ما يكون في حالة يُنهى عنها بسببها ، كقراءة العزائم للجنب ، ونحوه.

ومنها : ما يحرم لنذر عدمه ونحوه حيث يعارضه أرجح منه. وهذا الحكم متمشّ في جميع أقسام القراءة ، في ذكرٍ ، ودعاءٍ ، ومدحٍ ، وثناءٍ ، وغيرها من باقي الأشياء.

٤٥٥

المبحث الحادي عشر : في استحباب أن يكون في البيت ، وأن يعلّق فيه (١) ؛ لأنّ كلا منهما يَنفي الشياطين.

ويُكره ترك القراءة فيه ؛ لقول الصادق عليه‌السلام ثلاثة يشكون إلى الله تعالى : مسجد خراب لا يصلّي فيه أهله ، وعالم بين جُهّال ، ومصحف مُعلّق قد وقع فيه الغبار ، ولا يقرأ فيه (٢).

المبحث الثاني عشر : في تعلّمه أو تعليمه

فعن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خياركم من تعلّم القرآن وعلمه (٣).

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا قال المعلّم للصبي : قُل بسم الله الرحمن الرحيم ، فقال ، كتب الله براءة للصبي ، ولأبويه ، وللمُعلّم (٤).

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما من رجل علّم ولده القرآن ، إلا توّج الله أبويه يوم القيامة بتاج الملك ، وكُسيا حُلّتين لم يرَ الناس مثلهما (٥).

وعن الصادق عليه‌السلام : ينبغي للمؤمن أن لا يموت حتّى يتعلّم القرآن ، أو يكون في تعليمه (٦) إلى غير ذلك.

وعن الأمير عليه‌السلام إنّ الله ليهمّ بعذاب أهل الأرض ، فلا يحاشي منهم أحداً ، فينظر إلى الشيب ناقلي أقدامهم إلى الصلوات ، والولدان يتعلّمون القرآن ، فيؤخّر ذلك عنهم (٧).

__________________

(١) في «ح» زيادة : والظاهر أنّ المراد منه مجرّد الوجود.

(٢) الكافي ٢ : ٤٤٩ ح ٣ ، الوسائل ٤ : ٨٥٥ أبواب قراءة القرآن ب ٢٠ ح ٢.

(٣) أمالي الطوسي : ٣٥٧ ح ٧٣٩ ، ٧٤٠ ، الوسائل ٤ : ٨٢٥ أبواب قراءة القرآن ب ١ ح ٦.

(٤) مجمع البيان ١ : ٩٠ ، الوسائل ٤ : ٨٢٦ أبواب قراءة القرآن ب ١ ح ١٦.

(٥) مجمع البيان ١ : ٧٥ ، الوسائل ٤ : ٨٢٥ أبواب قراءة القرآن ب ١ ح ٨.

(٦) الكافي ٢ : ٦٠٧ ح ٣ ، الوسائل ٤ : ٨٢٤ أبواب قراءة القرآن ب ١ ح ٤.

(٧) الفقيه ١ : ١٥٥ ح ٧٢٣ ، علل الشرائع ٢ : ٥٢١ ، ثواب الأعمال : ٦١ ، الوسائل ٤ : ٨٣٥ أبواب قراءة القرآن ب ٧ ح ٢.

٤٥٦

وعن الصادق عليه‌السلام لا تنزلوا النساء الغرف ، ولا تعلّموهنّ الكتابة ، ولا سورة يوسف ، وعلّموهن المغزل ، وسورة النور (١).

المبحث الثالث عشر : في إكرامه ، وعدم إهانته

ففي الرواية إنّه يجي‌ء يوم القيامة ، فيقول الله : وعزّتي ، وجلالي ، وارتفاع مكاني ، لأكرمنّ اليوم من أكرمك ، ولأهيننّ من أهانك (٢). وبيعه من الكافر ، ومُطلق تمليكه ، وتمكينه منه ، برهانةٍ أو إعارةٍ أو أمانةٍ من الإهانة ، حرام ، وعقده فاسد.

وفي إلحاق من فسدت عقيدته به وجه ، (والأقوى خلافه ؛ لأنّه يرى تعظيمه واحترامه) (٣).

وبيعه ومُطلق المعاوضة عليه مع إدخال الكتابة من مكروه الإهانة. وبيع الجلد والورق ونحوهما مُغنٍ عن تعلّق البيع به. وهل هو من المجاز ، فالإكرام بتجنّب الصورة ، أو من الحكم لأمن الاستعمال ، أو من الإشارة كذلك؟ وجوه ، أوجهها الأوّل.

والنقش والكتابة بالذهب مُنافيان للأدب ؛ لأنّ العظمة تأبى ذلك. وربّما لحق به جميع التحسينات.

ولعلّ ذلك هو الباعث على كراهة ذلك في المساجد ، أو من جهة نقص الدنيا ، وزينتها.

وفي تمشية ذلك إلى الكتب المحترمة وجه.

المبحث الرابع عشر : في إكرام أهله ، وعدم إهانتهم

فعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّ أهل القرآن في أعلى درجة من

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٤٥ ح ١٠٨٩ ، الوسائل ٤ : ٨٣٩ أبواب قراءة القرآن ب ١٠ ح ١.

(٢) الكافي ٢ : ٦٠٢ ح ١٤ ، الوسائل ٤ : ٨٢٧ أبواب قراءة القرآن ب ٢ ح ١.

(٣) ما بين القوسين يس في «م» ، «س».

٤٥٧

الادميّين ، ما خلا النبيين والمرسلين ، فلا تستضعفوا أهل القرآن حقوقهم ، فإنّ لهم من الله العزيز الجبّار لمكاناً (١).

المبحث الخامس عشر : في شرف حملته

فعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أشراف أُمّتي حملة القرآن في الدنيا ، عرفاء أهل الجنّة يوم القيامة (٢).

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حملة القرآن المخصوصون برحمة الله تعالى ، الملبسون نور الله تعالى ، المعلّمون كلام الله تعالى ، المقرّبون عند الله تعالى ، من والاهم فقد والى الله تعالى ، ومن عاداهم فقد عادى الله تعالى (٣).

المبحث السادس عشر : في حفظه

عن الصادق عليه‌السلام الحافظ للقران العامل به مع السفرة الكرام البررة (٤). وعنه عليه‌السلام إنّ الّذي يعالج القرآن ، ويحفظه بمشقّة منه ، لقلّة حفظه له ، لهُ أجران (٥).

المبحث السابع عشر : في ترك السفر به إلى أرض العدوّ

روي : أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى أن يسافر بالقران إلى أرض العدوّ ؛

__________________

(١) الكافي ٢ : ٦٠٣ ح ١ ، ثواب الأعمال : ١٢٥ ح ١ ، الوسائل ٤ : ٨٣٠ أبواب قراءة القرآن ب ٤ ح ١.

(٢) الفقيه ٤ : ٢٨٥ ح ٨٥١ ، معاني الأخبار : ٧ ح ١٧٨ ، ٣٢٣ ، الخصال : ٢٨ ح ١٠٠ ، الوسائل ٤ : ٨٣١ أبواب قراءة القرآن ب ٤ ح ٢ ، ٣.

(٣) تفسير الحسن العسكري (ع) : ٤ ، مجمع البيان ١ : ٨٥ ، الوسائل ٤ : ٨٣١ أبواب قراءة القرآن ب ٤ ح ٤.

(٤) الكافي ٢ : ٦٠٣ ح ٢ ، ثواب الأعمال : ١٢٧ ، أمالي الصدوق : ٥٧ ح ٦ ، الوسائل ٤ : ٨٣٢ أبواب قراءة القرآن ب ٥ ح ١.

(٥) الكافي ٢ : ٦٠٦ ح ١ ، ثواب الأعمال : ١٢٧ ، الوسائل ٤ : ٨٣٢ أبواب قراءة القرآن ب ٥ ح ٢.

٤٥٨

مخافة أن يناله العدوّ (١). ويُراد بهم الكفّار ، والظاهر أنّ الحكم دائر مَدار خوف ذلك.

المبحث الثامن عشر : في الإسرار به

روي أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لأبي ذر اخفض صوتك عند الجنائز ، وعند القتال ، وعند القرآن (٢) ، وروى ما يعارضه (٣) ، وينزّل على اختلاف الجهات والنيّات.

المبحث التاسع عشر : في الطهارة حال قراءته

فعن أبي الحسن عليه‌السلام لا تقرؤوا القرآن من غير وضوء (٤) وعن عليّ عليه‌السلام مثله (٥).

وروى : أنّ للقارئ مُتطهّراً في غير صلاة خمساً وعشرين حسنة ، ولغير المتطهّر عشر حسنات (٦).

المبحث العشرون : في الخضوع والخشوع والتذلّل

روي : أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نادى بأعلى صوته يا حامل القرآن ، تواضع به ، يرفعك الله تعالى ، ولا تعزّز به ، فيذلّلك الله تعالى ؛ يا حامل القرآن ، تزيّن به لله يزيّنك الله تعالى ، ولا تتزيّن به للنّاس ، فيشينك الله تعالى ، من ختم القرآن ، فكأنّما أُدرجت النبوّة بين جَنبيه ، ولكنه لا يُوحى إليه» (٧).

__________________

(١) أمالي الطوسي : ٣٨٢ ح ٨٢٣ ، الوسائل ٤ : ٨٨٧ أبواب قراءة القرآن ب ٥٠ ح ١.

(٢) أعلام الدين للديلمي : ١٩٦ ، الوسائل ٤ : ٨٥٨ أبواب قراءة القرآن ب ٢٣ ح ٣.

(٣) السرائر ٣ : ٦٠٦ ، الوسائل ٤ : ٨٥٧ أبواب قراءة القرآن ب ٢٣ ح ٢.

(٤) قرب الإسناد : ١٧٥ ، الخصال : ٦٢٧ ، الوسائل ٤ : ٨٤٧ أبواب قراءة القرآن ب ١٣ ح ١.

(٥) الخصال ٢ : ٦٢٧ ، الوسائل ٤ : ٨٤٧ أبواب قراءة القرآن ب ١٣ ح ٢.

(٦) عدّة الداعي : ٢٨٧ ، الوسائل ٤ : ٨٤٨ أبواب قراءة القرآن ب ١٣ ح ٣.

(٧) الكافي ٢ : ٦٠٤ ح ٥ ، الوسائل ٤ : ٨٣٥ أبواب قراءة القرآن ب ٨ ح ١.

٤٥٩

الحادي والعشرون : البُكاء والتباكي عند سُماع قراءته ، روي : أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أتى شباباً من الأنصار ، فقال إنّي أُريد أن أقرأ عليكم ، فمن بكى ، فلهُ الجنّة ، ومن تباكى ، فلهُ الجنة (١).

الثاني والعشرون : الاستخارة به بفتحه ، ومُلاحظة أوّل ما يَقع عليه النظر ، والتفؤل به ؛ للرّواية (٢). والمعارض للتفأل لا نعتبره.

الثالث والعشرون : أنّه يُستحبّ للقارئ والمستمع استشعار الرقّة ، والخوف ، من دون إظهار الغشية ، ونحوها ، فقد روي عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : قلت له : «إنّ قوماً إذا ذكروا شيئاً من القرآن أو حدّثوا به ، صعق (٣) أحدهم ، حتّى يُرى أنّ أحدهم لو قطعت يداه ورجلاه لم يشعر ، فقال : «سبحان الله تعالى ، ذلك من الشيطان» (٤).

الرابع والعشرون : العَوذة والرقية (٥) والنُّشرة (٦) إذا كانت من القرآن ، وكذا إذا كانت من الذكر ، أو مرويّة عنهم لا بأس بها ، دون غيرها من الأشياء المجهولة.

ولا بأس بتعليق التعويذ من القرآن والدعاء والذكر ، كما ورد في الأخبار (٧).

__________________

(١) أمالي الصدوق : ٤٣٨ ح ١٠ ، ثواب الأعمال : ١٩٢ ، الوسائل ٤ : ٨٦٥ أبواب قراءة القرآن ب ٢٩ ح ١.

(٢) الكافي ٢ : ٦٢٩ ح ٧ ، الوسائل ٤ : ٨٧٥ أبواب قراءة القرآن ب ٣٨ ح ١.

(٣) صعق : غشي عليه لصوتٍ سمعه. المصباح المنير : ٣٤٠.

(٤) الكافي ٢ : ٦١٦ ح ١ ، أمالي الصدوق : ٢١١ ح ٩ ، الوسائل ٤ : ٨٦٠ أبواب قراءة القرآن ب ٢٥ ح ١.

(٥) رقيتهُ أرقيه رقياً : عوّذته بالله ، والاسم الرقيا ، والمرّة الرقية ، المصباح المنير : ٢٣٦ ، مجمع البحرين ١ : ١٩٣.

(٦) النشرة : الرقية التي يعالج المريض بها. مفردات الراغب : ٤٩٣.

(٧) انظر الوسائل ٤ : ٨٧٧ أبواب قراءة القرآن ب ٤١.

٤٦٠