معالم الدين في فقه آل ياسين - ج ٢

شمس الدين محمد بن شجاع القطان الحلّي

معالم الدين في فقه آل ياسين - ج ٢

المؤلف:

شمس الدين محمد بن شجاع القطان الحلّي


المحقق: الشيخ ابراهيم البهادري
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-357-083-5
الصفحات: ٦٤١
الجزء ١ الجزء ٢

الفصل الثامن : في حدّ المرتد

وفيه بحثان :

[ البحث ] الأوّل : المرتدّ من كفر بعد إسلام أصليّ أو مسبوق بكفر ، ويحصل بالفعل كالسجود للصّنم ، وإهانة المصحف ، وإمّا بترك الامتثال كترك السّجود لآدم ، وإمّا بالقول وهو اللفظ الدالّ على جحد ما علم ثبوته بالضرورة من دين النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أو ما نافاه ، سواء كان ذلك اعتقادا أو عنادا (١) أو استهزاء.

ويشترط فيه البلوغ والعقل والاختيار والقصد ، فيؤدب الصبيّ بما يردعه ، وكذا المجنون ، ولو ارتدّ العاقل ثمّ جنّ قتل إن كان عن فطرة وإلّا فلا.

ولو أكره على كلمة الكفر لم يرتدّ ، ولو كذّب الشاهدين بالردّة لم يقبل ، ولو نقل الشاهد لفظه فصدّقه وقال : كنت مكرها قبل.

ولا يحكم بردّة الغافل والسكران والنائم والمغمى عليه ، ولو ادّعى عدم القصد قبل بغير يمين ، وكذا لو حكى قول الغير.

ويجوز التلفظ بكلمة الكفر للتقيّة ، ولو صلّى المرتدّ لم يحكم بإسلامه وإن كان في دار الحرب.

ويثبت بعدلين أو الإقرار مرّة من أهله ، ولا تقبل الشهادة إلّا مفصّلة.

__________________

(١) في « أ » : « اعتيادا » ولعلّه مصحّف.

٥٢١

البحث الثاني :

في حكمه

وفيه مطلبان :

[ المطلب ] الأوّل : المرتدّ عن فطرة وهو من ولد على الإسلام ، فالرجل يجب قتله (١) وتبين منه زوجته ، وتعتدّ عدّة الوفاة وإن لم يدخل بها ، وتنتقل أمواله إلى ورثته وإن لم يقتل ، وتقضى منه ديونه والحقوق الواجبة قبل الردّة لا ما يتجدّد فيها وإن جهل به معاملوه ، ولا ينفق عليه ، ولا يملك بشي‌ء من أسباب التملّك ، ولا يمضى شي‌ء من تصرّفاته ، ولا يستتاب ، ولو تاب لم تقبل توبته ظاهرا ، وتقبل باطنا بمعنى انّه يحكم بطهارته وصحّة عبادته ومعاملته ونكاحه ، ومع ذلك لا يبطل شي‌ء من أحكامه.

ويتولّى قتله الإمام ، فلو بادر غيره أخطأ ، ولا قود عليه ولا دية.

والمرأة تستتاب ، فإن لم تتب لم تقتل ، بل تحبس دائما ، وتضرب أوقات الصلاة حتّى تتوب أو تموت ، وكذا لو كانت عن غير فطرة.

المطلب الثاني : المرتدّ عن غير فطرة ، وهو من كفر بعد إسلام مسبوق بكفر ، وهذا يستتاب ثلاثة أيّام ، فإن تاب وإلّا قتل ، ولو قال حلّوا شبهتي لم ينظر ،

__________________

(١) في « أ » : فالرجل يقتل.

٥٢٢

وألزم التوبة في الحال ثمّ يجاب ، ولو ارتدّ ثلاثا قتل في الرابعة.

ولا تزول أملاكه عنه ، ويحجر الحاكم على أمواله ، فإن عاد دفعت إليه ، وإن لحق بدار الحرب حفظت ، ويباع ما في بيعه الغبطة كالحيوان ، ويقضى منها ديونه والحقوق الواجبة وإن تجددت في الردة ، وينفق عليه وعلى أقاربه حتّى يتوب أو يقتل ، ويقضى عنه نفقة القريب زمان ردّته ، وكذا ما يلزمه بالإتلاف حال الردّة.

ويملك بجميع أسباب التملك ، ولا يمضى شي‌ء من تصرّفاته ، فإن تاب نفذت إلّا العتق ، ويثبت الحجر عليه بالرّدة لا بحكم الحاكم ، وتعتدّ زوجته من حين الارتداد عدّة الطلاق ، فإن تاب فيها فهو على نكاحه وإلّا بانت منه من غير طلاق.

ولو مات أو قتل قضيت ديونه والحقوق الواجبة ، دون نفقة الأقارب ، ويرثه المسلم ، فإن لم يكن فالإمام.

ويضمن المرتدّ مطلقا ما يتلفه على المسلم في الدارين في حال الحرب وبعدها ، وكذا الحربي ، ولو قتل المرتدّ مسلما قتل قودا ، فإن عفا الوليّ قتل حدّا ، ولو كان خطأ فالدية في ماله مخفّفة مؤجّلة ، ويحلّ بالموت أو القتل.

ولو تاب فقتله الجاهل بها ففي القصاص توقّف.

ولا يصحّ أن يتزوّج المرتدّ مطلقا لا بالمسلمة ولا بالكافرة ، وليس له أن يزوّج أولاده ولا مماليكه.

وولده بحكم المسلم ، فإن بلغ مسلما فلا بحث ، وإلّا استتيب ، فإن

٥٢٣

امتنع قتل ، ولو قتله قاتل قبل وصفه الكفر قتل به ، سواء قتله قبل بلوغه أو بعده.

ولو ولد بعد الردّة ، وأمّه مسلمة فحكمه كالأوّل.

ولو حملت به المرتدّة بعد ارتدادهما فهو بحكمهما (١) لا يقتل المسلم به ، وفي استرقاقه توقّف ، فإن اختار بعد البلوغ الكفر استتيب ، فإن امتنع قتل.

تتمّة

كلمة الإسلام : أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأشهد أنّ محمّدا رسول الله.

ويشترط أن يقول : وأبرأ من كلّ دين غير الإسلام ، ولو أقرّ بالله والنبيّ وجحد وجوده أو عموم نبوّته أضاف إلى الشهادتين ما يدلّ على اعتقاد ذلك. (٢)

__________________

(١) في « أ » : بعد ارتدادها فهو بحكمها.

(٢) في القواعد : ٣ / ٥٧٥ : فيقول من جحد عموم النبوّة : أشهد أنّ محمّدا رسول الله إلى الخلق أجمعين.

٥٢٤

كتاب القصاص

٥٢٥
٥٢٦

مقدّمة

الجناية إمّا عمد محض ، وهو أن يتعمّد الجاني الفعل ويقصد القتل ، وإمّا شبيه عمد ، وهو أن يتعمّد الفعل ويخطئ في قصده ، مثل أن يضرب للتأديب فيموت ، وإمّا خطأ محض ، وهو أن يخطئ فيهما ، مثل أن يقصد صيدا فيصيب إنسانا.

والمراد هنا الأوّل ، وهو قسمان :

[ القسم ] الأوّل : في قصاص النّفس (١)

وفيه مقاصد :

[ المقصد ] الأوّل

في الموجب

وهو إزهاق النفس المعصومة المكافئة عمدا عدوانا ، ويتحقّق بقصد القتل بما يقتل غالبا أو نادرا ، أو يقصد الفعل الّذي يقتل غالبا وإن لم يقصد القتل ، أمّا لو

__________________

(١) وسيوافيك القسم الثاني في صفحة ٥٥٨ تحت عنوان « في قصاص الطرف ».

٥٢٧

قصد الفعل الذي لا يقتل غالبا ولم يقصد القتل فاتّفق كالضرب بالحصاة أو العود الخفيف فالأقوى أنّه يوجب الدّية دون القود.

ثمّ الموجب إمّا مباشرة ، كالذبح والخنق والضرب بالسّيف والسكين والنشاب وغير ذلك ممّا يخرج من الحديد وغيره ، حتّى لو غرزه بإبرة في مقتل ، أو جرحه جرحا يسيرا فيبقى منه ضمنا (١) حتّى مات أو ورم أو تآكل بسببه فمات ، وكذا لو ضربه بالمثقل أو بالحجر الغامر أو بالعصا مكرّرا بما لا يحتمله مثله بالنسبة إلى زمانه ومكانه وبدنه (٢) حتّى يموت ، أو يعقبه مرضا فيموت ، أو يلكزه بها في مقتل ، أو كان ضعيفا بمرض أو صغر ، أو داس بطنه ، أو عصر خصيته (٣) فمات ، أو أرسله منقطع النفس ، أو ضمنا فمات.

وإمّا بسبب ، وهو أنواع :

[ النوع ] الأوّل : انفراد الجاني به ، وله صور :

الأولى : الخنق بالحبل أو بوضع شي‌ء على فيه وأنفه فيموت ، أو يصير ضمنا حتّى يموت ، ولو حبس نفسه زمانا لا يقتل مثله غالبا ثمّ أرسله فمات ، فإن قصد القتل ، أو كان ضعيفا فالقصاص ، وإلّا فالدّية ، وكذا لو اشتبه القصد.

الثانية : أن يرميه بالسّهم أو بحجر المنجنيق فيقتله.

الثالثة : أن يحبسه ويمنعه الطعام أو الشراب مدّة لا يحتملها مثله فيموت ، أو يعقبه مرضا فيموت.

__________________

(١) الضّمن : الزّمن ، أو المريض المصاب بعاهة أو علّة. المعجم الوسيط مادة « ضمن ».

(٢) كذا في « أ » ولكن في « ب » و « ج » : بالنسبة إلى زمانه أو بدنه.

(٣) كذا في « ب » و « ج » ولكن في « أ » : خصيتيه.

٥٢٨

الرابعة : طرحه في الماء أو النّار ولا يقدر على الخروج ، ولو علم أنّه ترك الخروج تخاذلا فلا قود ولا دية ، ولو لم يعلم فالقصاص وإن قدر على الخروج ، لأنّه قد يدهش.

أمّا لو جرحه فترك المداواة فسرت ، وجب القصاص ، ولو فصده فلم يشدّه فلا قصاص ، والفرق أنّ عدم الموت بالترك في الأوّل غير مقطوع به ، بخلاف الثاني.

الخامسة : سقى السّم أو شيئا قاتلا فيموت ، ولو قتل كثيره فأطعمه الكثير فهو عمد ، وإن أطعمه القليل فمات به ، فإن قصد القتل فهو عمد وإلّا فلا ، ويتفاوت بتفاوت الأمزجة.

السادسة : أن يقع على غيره من علوّ فيموت ، فإن قصد القتل قيد به ، سواء قتل مثله غالبا أو نادرا ، ولو لم يقصده في النادر فهو شبيه عمد.

ولو أوقعه غيره وقصد قتل الأسفل قيد به وبالواقع إن كان الوقوع ممّا يقتل ، ولو لم يقصده ضمن ديته وقتل بالواقع. (١)

السابعة : أن يقتله بالسحر ، لأنّ له حقيقة.

النوع الثاني : أن ينضمّ إليه مباشرة المجنيّ عليه ، فلو قدّم له طعاما مسموما وكان عالما مميّزا فلا قصاص ولا دية ، ولو كان جاهلا فالقود ، ولو قصد قتل غير الآكل ضمن دية الآكل.

ولو جعل السمّ في طعام صاحب المنزل فأكله جاهلا فمات فعليه القود.

__________________

(١) في « أ » : وقيد بالواقع.

٥٢٩

ولو جعل السّم في طعام نفسه فأكله إنسان لم يضمنه ، سواء دخل بإذنه أو لا إذا لم يقدّمه إليه ، ولو قدمه قيد به.

ولو كان السمّ ممّا لا يقتل غالبا فقتل فهو شبيه عمد.

ولو جرحه فداوى جرحه بدواء سمّيّ فمات ، فإن كان مجهزا فعلى الجارح قصاص الجرح خاصّة ، وإلّا قيد به بعد ردّ نصف الدّية ، سواء غلبت السلامة أو التلف ، وكذا لو خاط الجرح في لحم حيّة (١) فمات منهما ولو حفر بئرا بعيدة ودعا غيره جاهلا بها فوقع فمات فعليه القصاص وكذا لو حفر بئرا وغطّى رأسها ودعا غيره فوقع فيها فمات.

النوع الثالث : أن ينضمّ إليه مباشرة حيوان ، فلو ألقاه إلى البحر فالتقمه الحوت قبل وصوله قيد به ، وكذا لو التقمه بعد الوصول على الأقوى.

ولو ألقاه إلى السّبع فافترسه فعليه القود إن لم يتمكّن من الفرار ، ولو ألقاه مكتوفا في مسبعة فاتّفق الافتراس فعليه الدّية ، وكذا لو لم يعهد بالسباع.

ولو أغرى كلبا عقورا فقتله فعليه القود ، وكذا لو أنهشه حيّة قاتلا (٢) فمات ، أو طرحها عليه فقتلته.

ولو جرحه ثمّ عضّه الأسد ، أو نهشته حيّة فسرتا فعليه القود بعد ردّ نصف الدية.

ومثله لو شاركه أبوه أو اشترك عبد وحرّ في قتل عبد.

__________________

(١) بعبارة أخرى : خاط جرحه فصادف اللحم الحيّة.

(٢) في المسالك : ١٥ / ٨٢ : المراد بكونه أنهشه الحيّة أنّه قبضها وأنهشها ببدنه. وعلى هذا يكون المراد من « قاتلا » أي أنهشه بنية القتل وفي بعض النسخ : « قاتلة » فتكون صفة الحية.

٥٣٠

النوع الرابع : أن ينضمّ إليه مباشرة إنسان ، فلو حفر بئرا فدفع آخر ثالثا ، فالقود على الدافع.

ولو ألقاه من شاهق فاعترضه آخر فقدّه بنصفين ، فالقصاص على المعترض.

ولو أمسك واحد وقتل آخر ، فالقود على القاتل ، ويحبس الممسك أبدا ، ولو نظر لهما ثالث فسملت عيناه.

ولا يتحقّق الإكراه في القتل بل في غيره ، فلو أكرهه على قطع يد أو جرح فالقصاص على الآمر ، وكذا لو أكرهه على قطع يد أحد هذين (١) فاختار واحدا.

ولو أكرهه على القتل فالقود على المباشر ، ويحبس الآمر أبدا ، هذا إذا كان المقهور بالغا عاقلا ، ولو كان طفلا غير مميّز أو مجنونا فالقود على الآمر ، ولو كان مميّزا حرّا فلا قود ، والدية على عاقلته ، وإن كان مملوكا تعلّقت الدية برقبته.

ولو أكرهه على صعود شجرة فزلق فمات ، فعليه الدّية.

ولو قال : اقتلني وإلّا قتلتك ، لم يسغ قتله ، فلو قتله ففي القود توقّف.

ولو قال للميّز : اقتل نفسك ، فلا شي‌ء على الملزم إذ لا يتحقّق إكراه العاقل على قتل نفسه ، ولو كان غير مميّز فعلى الملزم القود.

ولو أمره من يخاف ضرره إذا خالفه لم يعذر ، فيقتصّ منه ، ولو أمر السيّد عبده فالقصاص على العبد.

ويباح بالإكراه غير القتل ، كالزنا ، وشرب الخمر ، والإفطار ، حتّى كلمة الشرك ، وأخذ مال الغير.

__________________

(١) في « ب » و « ج » : على قطع يد أحدهما.

٥٣١

ولو شهد اثنان بما يوجب قتلا كالقصاص ، أو شهد أربعة بالزنا فقتل ، ثمّ ثبت التزوير بعد الاستيفاء ، فالقود على الشهود ، ولا ضمان على الحاكم والحدّاد.

ولو علم الوليّ تزوير هم وباشر فعليه القود دون الشهود ، ولو لم يباشر فالقود على الشهود وإن أذن فيه الوليّ.

تنبيه

إذا اجتمع السبب والمباشر ، فقد يغلب السبب المباشر كقتل الحدّاد بشهود الزّور ، فالقصاص على ذي السبب ، وكذا لو ألقاه في البحر فالتقمه الحوت.

وقد تغلب المباشرة ، كما لو ألقاه من شاهق فاعترضه آخر بالسّيف فقتله ، فالقصاص على المباشر ، وكذا لو تكافئا كالإكراه.

النوع الخامس : أن ينضمّ إلى السبب مثله ، فالضمان على ذي السّابق ، فلو وضع حجرا في الطريق ، وحفر فيه آخر بئرا ، فعثر إنسان بالحجر فوقع في البئر فمات ، فالضمان على واضع الحجر ولو تعدّى أحدهما اختصّ بالضمان.

ولو نصب سكّينا في بئر محفورة في الطريق ، فوقع فيها إنسان فمات بالسكين ، فالضمان على الحافر.

النوع السادس : أن تنضمّ المباشرة إلى مثلها ، فلو جرحه فبقيت حياته غير مستقرّة ، ثمّ قتله آخر ، فالقود على الأوّل ، وعلى الثاني دية الميّت ، ولو كانت مستقرّة فالقود على الثاني ، وعلى الأوّل قصاص الجناية ، سواء قضى الجرح بالموت ، كشقّ الجوف أو لا كقطع الإصبع.

٥٣٢

ولو قطع واحد يده وآخر رجله فاندملت إحداهما ثمّ مات ، فالمندمل جارح والآخر قاتل فيقتصّ منه بعد ردّ دية الجرح المندمل ، ولو مات بهما فهما قاتلان.

ولو ادّعى أحدهما اندمال جرحه وصدّقه الوليّ لم يقبل في حقّ الآخر ، لأنّه متّهم لجواز أن يريد أخذ دية الجرح من الجارح والدية من الآخر ، ولأنّ المنكر مدّعي الأصل.

ولو قطع يده من الكوع ، وآخر من المرفق ، فمات بالسراية قتلا به ، لعدم انقطاع سراية الأوّل بشياع ألمه قبل الثاني ، ولو قتله الثاني قتل به ، لانقطاع السراية بالتعجيل ، وعلى الأوّل ضمان القطع.

ولو اتّحد الجاني دخلت دية الطرف في دية النفس إجماعا ، ويدخل قصاص الطرف في قصاص النفس إن اتّحدت الضربة ، ولو فرّق لم يدخل.

ولو قطع يده فسرت إلى النفس فالقصاص في النفس لا في الطرف.

ولو اشترك اثنان فصاعدا في قتل إنسان ، فللوليّ قتلهم بعد ردّ ما فضل عن دية المقتول ، فيأخذ كلّ واحد الفاضل من ديته عن جنايته ، وله قتل واحد ويردّ الباقون دية جنايتهم عليه ، وله قتل أكثر ويردّ الباقون جنايتهم على المقتولين ، وعلى الوليّ ما بقي.

وتتحقّق الشركة بأن يفعل كلّ واحد منهم ما يقتل لو انفرد ، أو ما يكون له شركة في السراية.

ولا يشترط التساوي في الجناية ، فلو جرحه جرحا واحدا وآخر مائة ، ثمّ سرى الجميع فهما سواء في القود والدية.

٥٣٣

ولو قطع جماعة طرفا اقتصّ منهم بعد ردّ ما يفضل لكلّ واحد منهم عن جنايته ، وله أن يقتصّ من واحد ويردّ الباقون دية جنايتهم.

وتتحقّق الشركة بالاشتراك في الفعل الواحد ، فلو وضع ثلاثة آلة على يد إنسان واعتمدوا عليها حتّى قطعت تحقّقت الشركة ، ولو قطع كلّ واحد ثلثا [ من يده ] لم تتحقّق ، وكان على كلّ واحد قدر جنايته ، وكذا لو وضع أحد آلته فوق يده والآخر تحتها واعتمدا حتى التقتا.

المقصد الثاني

في شرائطه

وهي خمسة :

[ الشرط ] الأوّل : التساوي في الحرّية أو الرقّيّة

وفيه فصول :

[ الفصل ] الأوّل : في جناية الأحرار على مثلهم

يقتل الحرّ بالحرّ وبالحرّة بعد ردّ نصف الدية ، والحرّة بالحرّة وبالحرّ ولا ردّ.

والمرأة تساوي الرّجل قصاصا ودية حتّى تبلغ ثلث دية الحرّ ، ثمّ تصير على النّصف ، فيقتصّ لها منه بعد ردّ التفاوت.

٥٣٤

ولو قتل حرّ حرّين فليس للأولياء إلّا قتله ، ولو قتله أحدهم استوفى الحقّ وأخطأ ، ولا يؤخذ من التركة شي‌ء.

ولو قتل حرّ وحرّة حرّة فللوليّ قتلهما ، ويردّ على المرأة ربع الدية ، وعلى الرّجل ثلاثة أرباع.

وله قتل المرأة ، ويردّ الرّجل الربع.

وله قتل الرجل ، وتردّ المرأة الربع والوليّ النصف.

ولو قتل حرّ وحرّة حرّا فللوليّ قتلهما ، ويردّ على الرّجل نصف الدية.

وله قتل الرّجل ، وتردّ المرأة على وليّه ديتها.

وله قتل المرأة ، ويأخذ من الرجل نصف ديته.

ولو قتل رجلان امرأة ، فلوليّها قتلهما بعد ردّ دية ونصف.

ولو قتلت امرأتان رجلا قتلتا به ، ولا ردّ ، وللوليّ قتل إحداهما ، ويأخذ من الأخرى ديتها.

ويجب تقديم الردّ على الاستيفاء في كلّ موضع يثبت.

ولو قطع يمين رجل ويمين آخر ، قطعت يمينه بالأوّل ويساره بالثاني ، ولو قطع يد ثالث قطعت رجله ، وكذا بالرابع.

ولو لم يكن له يد ولا رجل فعليه الدّية.

٥٣٥

الفصل الثاني : في جناية المماليك على مثلهم

يقتل العبد بالعبد وبالأمة ، والأمة بالأمة وبالعبد إن كانا لمالك واختار القصاص ، وكذا لو كانا لمالكين تساويا في القيمة أو تفاوتا ولا ردّ ، ولو طلب الدية تعلّقت برقبة الجاني ، فإن تساوت القيمتان أو نقصت قيمة القاتل ، كان لمولى المقتول استرقاقه ، وإن زادت استرقّ منه بقدر قيمة عبده.

ولا يضمن مولى القاتل شيئا ، نعم لو تراضيا بالمفاداة فداه بأقلّ الأمرين من قيمة القاتل وأرش الجناية.

ولو كان القتل خطأ تخيّر مولى القاتل بين فكّه بقيمته ، وبين دفعه [ إلى مولى المقتول ] وله منه ما يفضل عن قيمة المقتول ، وليس عليه ما يعوز.

والمدبّر كالقنّ فيقتل بالعبد في العمد وإن زادت قيمته ، ولمولى العبد استرقاقه إن لم تزد قيمته ، ولو زادت استرقّ منه بقدر قيمة عبده ، والباقي مدبّر ، ولمولاه مفاداته بالأقلّ من قيمته وأرش الجناية ، ويقوّم مدبّرا ، فإن فكّه فالتدبير باق.

والمكاتب المشروط وغير المؤدّي كالقنّ ، ولو أدى البعض لم يقتل بالقنّ ولا بالمدبّر ولا بالمشروط ولا بالأقلّ حريّة ، ويقتل بمثله وبالأكثر حريّة.

ولو قتل عبدا سعى في نصيب الحريّة ، ويسترقّ باقيه ، أو يباع في نصيب الرقّ ، وتبطل الكتابة بذلك.

وفي الخطأ على الإمام بقدر ما فيه من الحريّة ، ويتعلّق برقبته من

٥٣٦

الدية بقدر الرقيّة ، ويتخيّر مولاه بين فكّ نصيب الرقيّة ، وبين تسليمه ليقاصّ به.

ولو قتل عبد عبدين لمالكين ، واختارا القود ، اشتركا في قتله ، إلّا أن يختار الأوّل استرقاقه قبل الجناية الثانية ، فيكون للثاني خاصّة.

ولو قتل عبدان عبدا فلمولاه قتلهما ، ولا شي‌ء عليه إن لم تزد قيمة أحدهما عن جنايته ، ولو فضل لهما أو لأحدهما ردّ على مولاه الفاضل ، ولا يجبر نقص أحدهما بفضل الآخر إلّا أن يكونا لمالك.

ولو نقصت قيمتهما عن قيمة المقتول فلا شي‌ء لمولاه.

وله قتل أحدهما ، فإن زادت قيمته عن جنايته ردّ الزيادة ، ويأخذ من مولى العبد الآخر نصف قيمة عبده ، أو يسترقّه إن ساوت قيمته جنايته ، وإلّا ما قابل جنايته.

الفصل الثالث : في جناية الأحرار والمماليك

لا يقتل حرّ بعبد ولا بأمة ، بل يغرم القيمة يوم القتل ، ولا يتجاوز بها دية الحرّ وإن كان لامرأة ، ولا بقيمة الأمة دية الحرّة وإن كانت لرجل.

ولو كان ذمّيّا لذميّ لم تتجاوز بقيمة الذكر دية الذميّ ، ولا بالأنثى دية الذميّة.

ولو اختلف الجاني والمولى في قيمته قدّم قول الجاني مع اليمين.

ولو اعتاد الحرّ قتل العبيد قتل حسما للجرأة ، ولا ردّ.

٥٣٧

ولو قتل المولى عبده عزّر وكفّر ، قيل : ويتصدّق بقيمته. (١) ولو اعتاد ذلك قيد به.

ولو قتل العبد مولاه فللمولى قتله والعفو ، وكذا لو قتل أحد عبديه الآخر.

ولو قتل العبد حرّا لم يضمنه المولى ، وللوليّ قتله أو استرقاقه ، وليس لمولاه فكّه إلّا برضى الوليّ.

ولو جرح حرّا فله القصاص ، ولو طلب الدية تعلّقت برقبته ، وله استرقاقه إن أحاطت به الجناية وإلّا بقدرها ، وليس له قتله وإن ساوت الجناية قيمته.

وللمولى فكّه بالأرش أو بالأقلّ إذا طلب المجروح الأرش ، وإن طلب القصاص لم يكن له فكّه قهرا.

ولو امتنع من فكّه فللمجروح بيعه إن أحاطت الجناية برقبته ، وإلّا باع ما ساواها.

والمدبّر وأمّ الولد والمكاتب المشروط والمطلق غير المؤدّي كالقنّ ، ولو أدّى البعض فللحرّ القصاص منه في النفس والطرف دون العكس ، وللوليّ استرقاق نصيب الرقية.

ولو قتل العبد حرّين على التعاقب ، فإن استرقّه الأوّل فهو للثاني ، وإلّا اشتركا فيه.

ولو قتل العبد والحرّ حرّا فللوليّ قتلهما ، ويردّ على الحرّ نصف ديته ، وعلى مولى العبد الزائد من قيمته عن جنايته ، ولو تجاوزت قيمته دية الحرّ ردّ إليها.

__________________

(١) ذهب إليه الشيخ في النهاية : ٧٥٢ ـ كتاب الديات باب القود بين الرجال والنساء ....

٥٣٨

وله قتل الحرّة ، ويردّ مولى العبد إلى أولياء الحرّ نصف دية الحرّ ، أو يدفع إليهم العبد ليسترقّوه ، ويأخذ من الحرّ نصف ديته.

ولو قتل العبد والحرّة حرّا ، فللوليّ قتلهما ، ولا ردّ على المرأة ، ولو زادت قيمة العبد عن جنايته ردّ الزائد على مولاه ما لم يتجاوز دية الحرّ.

وله قتل المرأة واسترقاق العبد إن ساوت قيمته نصف الدية ، أو نقصت والاسترقاق بقدره.

وله قتل العبد فإن ساوت قيمته جنايته أو نقصت أخذ المولى من المرأة دية جنايتها ، وإن زادت ردّت المرأة الزيادة ما لم تتجاوز دية الحرّ ، ولو فضل كان للوليّ.

ولا يقتل الحرّ الذميّ بالعبد المسلم وإن التحق بدار الحرب واسترقّ ، بل يجب عليه قيمته لمولاه ، ويقتل حدّا ، لأنّه نقض العهد.

ولا يقتل العبد المسلم بالذّميّ ، بل لوارثه المطالبة بديته ، فإن دفعها المولى ، وإلّا استرقّوا العبد إن كانوا مسلمين ، وإلّا بيع على المسلمين.

تتمة

إذا قتل العبد حرّا عمدا فأعتقه مولاه لم يصحّ ، وكذا لو باعه أو وهبه ، ولو كان خطأ صحّ إن ضمن الدّية.

ولو جنى الحرّ على المملوك فسرت إلى نفسه ، فلمولاه كمال قيمته ، ولو تحرّر ثمّ سرت فلا قصاص ، ولمولاه أقلّ الأمرين من دية الجناية (١) والدية عند

__________________

(١) في « أ » : من قيمة الجناية.

٥٣٩

السراية ، لأنّ القيمة إن زادت لم تملك الزيادة ، لأنّها بسبب الحرّية ، وإن نقصت لم يلزم الجاني النقيصة ، لأنّ دية الطرف تدخل في دية النفس.

فلو قطع يده وقيمته ألف ، فعليه النصف ، فلو تحرّر ثمّ قطع آخر يده ، وثالث رجله ، وسرى الجميع ، سقطت دية الطرف ، ووجبت دية النفس ، فيلزم الأوّل ثلث الألف للمولى ، وعلى الآخرين الثلثان للورثة.

ولو قطع حرّ يده ثمّ أعتق فسرت فلا قود ، وعليه دية الحرّ المسلم ، لسيّده نصف قيمته وقت الجناية ، ولورثته الباقي.

ولو قطع آخر رجله بعد العتق ، وسرى الجرحان ، فلا قصاص على الأوّل في النفس لا في الطرف ، وعليه نصف دية الحرّ ، وعلى الثاني القود بعد ردّ نصف ديته إليه.

ولو قطع يده فأعتق ، ثمّ قطع رجله ، فعلى الجاني نصف قيمته وقت الجناية لمولاه ، وعليه القصاص في الجناية حال الحريّة ، فإن اقتصّ المعتق جاز ، وإن طلب الدية أخذ نصفها ، ويختصّ بها دون مولاه.

ولو سرتا فلا قصاص في الأوّل ، وللوليّ (١) القود بعد ردّ ما يستحقه السّيّد ، وله القصاص في الرّجل ، ويأخذ السيّد نصف قيمة العبد وقت الجناية ، وإن فضل شي‌ء من دية اليد فهو للوارث ، فيحصل له قصاص الرّجل والفاضل من دية العبد.

__________________

(١) في « ب » و « ج » : وللمولى.

٥٤٠