الاعتبار.
ففيه : أنّ التفكيك بين المتلازمين في الحجيّة لا مانع منه كما ، أنّه في الخبرين المتعارضين كلّ واحد منهما يسقط دلالته المطابقيّة عن الاعتبار بواسطة المعارضة ، فكلّ واحد منهما ليس حجّة في مدلوله المطابقي ـ أي مؤدّاه ـ ولكن كلاهما معتبران في مدلولهما الإلزامي ، أي نفي الحكم الثالث الذي هو خلاف مؤدّى كلّ واحد منهما.
وأمّا ما يقال : من أنّ لازم عدم بطلان الوضوء أو الغسل مع كونهما حرجيّين أن يكون مخيّرا بين الوضوء أو الغسل وبين التيمم في حال كونهما حرجيّين ، وهذا معلوم العدم ؛ لأنّ التفصيل قاطع للشركة ، فإنّ قوله تعالى ( فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً ) (١) علّق التيمّم على عدم وجود الماء ، وعند الوجدان بمعنى التمكّن من استعماله لا محلّ للتيمّم ، بل إمّا الوضوء أو الغسل ، كلّ في محلّه ، كما أنّه عند عدم الوجدان يتعيّن عليه التيمّم ولا محلّ للوضوء ولا للغسل ، وحيث أنّهما نقيضان فلا ثالث غيرهما ، وإلاّ يلزم إمّا اجتماع النقيضين وإمّا ارتفاع النقيضين ، بمعنى أنّه لو كان محلّ الاثنين ـ أي الوضوء مثلا والتيمم ـ جمعا أو تخييرا يلزم اجتماع النقيضين ، وإن لم يكن الاثنين فيلزم ارتفاع النقيضين ، فلا بدّ وأن يكون الواجب عند القيام إلى الصلاة أحدهما المعيّن لا التخيير بينهما.
وفيه : أنّه من الممكن أن يكون في مقام الثبوت عدم وجدان الماء عند القيام للصلاة بمعنى عدم التمكّن من استعماله عقلا أو شرعا علّة منحصرة لوجوب التيمّم ، وأمّا مع التمكّن وعدم مانع شرعي أو عقلي فإن لم يكن استعماله شاقّا وحرجيّا فيجب الوضوء أو الغسل كلّ في محلّه ومورده. وأمّا إن كان شاقّا وحرجيّا فيكون مخيرا بين التيمم وبين الطهارة المائيّة أي الوضوء أو الغسل كلّ في محلّه ومورده.
وأمّا في مقام الإثبات فلو لم تكن هذه القاعدة في البين ، كان مقتضى ظاهر الآية
__________________
(١) النساء (٤) : ٤٣.