بيان ذلك : أنّ قاعدة نفي الضرر ، وكذلك قاعدة نفى الحرج بناء ـ على ما استظهرناه من أنّ مفادهما نفي الأحكام الضرريّة والحرجيّة ـ يكون حاكمة على أدلّة الأحكام الأوّليّة ، بمعنى أنّ الأدلّة الأوّليّة لها إطلاق أو عموم يشمل كلتا حالتي الحكم ، من كونه ضرريّا وغير ضرري ، فالقاعدة تخرج حالة كونه ضرريّا عن مفاد الإطلاق أو العموم ، فنتيجة هذه الحكومة لبّا تقييد ذلك الإطلاق ، أو تخصيص ذلك العموم بغير حالة كون ذلك الحكم ضرريا.
وأمّا إذا كان الحكم المجعول على موضوع ضرري دائما كوجوب الجهاد وإعطاء الخمس والزكاة مثلا ، أو كان نفس الحكم دائما ضرريّا كحكمه بضمان اليد في مورد التلف ، فخارج عن مصبّ هذه القاعدة. وليس من باب التخصيص حتّى يكون مستهجنا لكونه تخصيص الأكثر ، نعم لو اتّفق لهذه الأحكام الضرريّة ومن قبلها ترتّب ضرر آخر غير ما يقتضي طبع نفس هذه الأحكام أو موضوعاتها ، فحينئذ يكون مشمولا لهذه القاعدة ، ولا محذور فيه أصلا. وذلك من جهة شمول الحكومة لمثل هذا المورد ؛ لأنّه بالنسبة إلى مثل هذا الضرر الذي اتّفاقي وليس من مقتضيات طبع نفس الحكم أو موضوعه ، يكون من مداليل الإطلاق أو العموم للأدلّة الأوّلية ، فالقاعدة تقيد ذلك الإطلاق ، أو يخصّص ذلك العموم بغير مورد ترتّب هذا الضرر على ذلك الحكم ، فيكون تقييدا أو تخصيصا لدليل ذلك الحكم لبّا بلسان الحكومة.
وبعبارة أخرى : هذه القاعدة ناظرة إلى تضييق المجعول الأوّلي وتخصيصه بإحدى حالتيه ، أي حالة عدم كونه ضرريّا فلا بدّ وأن يكون لذلك المجعول الأوّلي حالتان ، حتّى يكون داخلا في موضوع القاعدة ، وإلاّ لو لم يكن له إلاّ حالة واحدة يكون خارجا عن موضوع القاعدة ، وليس من باب التخصيص. وحيث أنّ في الموارد المذكورة للتخصيص إمّا يكون الموضوع موضوعا ضرريّا دائما ، أو نفس الحكم كذلك ، فيكون خروجها بالتخصّص لا بالتخصيص.
التنبيه الثالث : في بيان وجه تقديم هذه القاعدة على الأدلّة الأوليّة القائمة على