الضدّين الذي أحدهما أهمّ يسقط أمر المهمّ ، ومع ذلك أو عصى امتثال أمر الأهمّ وأتى بالمهمّ ، فالتحقيق صحّة عبادته ؛ لكفاية الملاك في التقرّب بها ولا يحتاج إلى الأمر ؛ ففيما نحن أيضا كذلك.
إن قلت : إنّ هناك ـ أي في باب الواجبين المتزاحمين الضدّين الذي أحدهما أهمّ ملاكا ـ نعلم بوجود الملاك مع سقوط الأمر ؛ لأنّ سقوط الأمر هناك من باب عدم القدرة ، والقدرة العقليّة نعلم بعدم دخلها في الملاك ، فدليل وجوب ذلك الواجب المهمّ كما أنّه دالّ على وجوبه كذلك دالّ على وجود الملاك فيه ، والوجوب والأمر سقط بواسطة عدم القدرة ، وأمّا الدليل على وجود الملاك فباق بحاله.
قلنا : فيما نحن فيه أيضا كذلك ، فإنّ المرفوع هو الإلزام من باب الامتنان لا الملاك ؛ لأنّه لا امتنان في رفع الملاك ، بل رفعه يكون خلاف الامتنان ، بل لا يمكن رفعه في عالم التشريع ؛ لأنّه أمر تكويني ورفعه لا بدّ وأن يكون بأسبابه التكوينيّة ، لا بمثل لا حرج ولا ضرر ، بناء على ما هو التحقيق من أنّ مفادهما رفع الحكم الشرعي ، بل ولو على القول بكون مفادهما نفي الحكم بلسان نفي الموضوع.
وأمّا ما يقال : من عدم الدليل على وجود الملاك بعد عدم الأمر وارتفاعه بواسطة الحرج ؛ لأنّ الملاك كان يستكشف من الأمر ، فإذا سقط الأمر فليس هناك دليل كاشف عن وجوده.
ففيه : أنّ الإطلاقات وعمومات الأدلّة الأوّلية كانت دليلا على أمرين : أحدهما الوجوب ، والآخر هو الملاك. ودلالتها على الوجوب سقط عن الاعتبار بواسطة حكومة هذه القاعدة عليها ، وأمّا دلالتها على وجود الملاك فباق على حاله.
لا يقال : بأنّ ظهور الإطلاقات والعمومات الأوّليّة في وجود الملاك حتّى في حال كون تلك الأحكام حرجيّة ملازم مع ظهورها في الوجوب ، فإذا سقط ظهورها في الوجوب عن الاعتبار بواسطة هذه فيسقط ظهورها في وجود الملاك أيضا عن