أنّ المقدّمة المفوّتة أي التي يكون تركها مفوّتا للواجب أو الملاك الملزم واجبة ولو قبل وجوب الواجب ، وقد مثّلنا ذلك بالعبد المسافر مع مولاه العالم بأنّ مولاه غدا يعطش ويعلم بأنّ الطريق خال من الماء ، فمثل هذا العبد إذا ترك أخذ الماء معه يكون مستحقّا للعقاب ؛ لأنّ هذا الترك يؤدّي إلى هلاك المولى والمولى يجب حفظه ، فهو وإن لم يأمره الآن بحمل الماء ولم يطلب منه الآن الماء لكن علمه بأنّ المولى يطلبه بعد ذلك حيث لا ماء يحتّم عليه حمله معه.
الثاني : أن تكون القدرة المعتبرة فيه قيدا شرعيّا نظير الوضوء ، فإنّ غير القادر عليه ليس للوضوء ملاك ملزم بالنسبة إليه أصلا ، بل يكون الملاك في التيمّم حينئذ ، فمثل هذا يؤول التكليف إلى كون المكلّف إنّما هو القادر ، فهذا التكليف بالنسبة إلى العاجز خال عن الملاك وعن المصلحة أصلا ، فمثل هذا لا يجب عليه التعلّم خارج الوقت ؛ لأنّه حينئذ لا وجوب نفسي للتعلّم ولا مقدّمي لعدم وجوب ذي المقدّمة حينئذ ، ولا عقلي لعدم الملاك حينئذ ولعدم احتمال الضرر ؛ لأنّه بعد الوقت عاجز فلا يتوجّه إليه التكليف لفرض كون موضوع التكليف هو القادر ، فلا يجب عليه التعلّم ليدرج نفسه في موضوع التكليف ، نظير من كان عنده ماء قبل دخول الوقت أو كان متطهّرا فله أن يهريق الماء أو يحدث وإن علم بعدم الماء بعد ذلك ؛ لأنّه بهذا العمل يجعل نفسه عاجزا ، فلا يتوجّه إليه التكليف ؛ لأنّ موضوعه هو القادر.
فتلخّص أنّ التعلّم واجب إلّا حيث تكون القدرة قيدا شرعيّا لموضوع التكليف فلا يجب التعلّم حينئذ ، غاية الأمر أنّ وجوب التعلّم قبل دخول الوقت إمّا من باب وجوب المقدّمة الّتي يكون تركها مفوّتا أو من باب وجوب دفع الضرر المحتمل فهما مشتركان في كون الوجوب عقليّا ، إلّا أنّهما مختلفان في الملاك.
وممّا يترتّب على الاختلاف أنّ ما كان وجوبها من باب وجوب دفع الضرر المحتمل لو ترك التعلّم فإنّما يعاقب عند ترك الواجب النفسي الّذي كان ترك التعلّم سببا له ، وما كان وجوبها من باب المقدّمة المفوّتة فالعقاب على ترك