وبالجملة فبين الكتمان في المرأة والكتمان في المقام فرق ظاهر ، حيث إنّ كتمان المرأة لأمر خفيّ لا يعلم إلّا من قبلها والكتمان في الآية ليس كذلك لنصّ الآية على كتمان الظاهر ، وحرمة كتمان الظاهر لا توجب قبول خبر الواحد فيه أصلا.
ثمّ مع الإغماض عمّا ذكرنا فالكتمان في الآية لو حرم لا يوجب أيضا قبول قول الواحد بخلافه في المرأة ، وذلك لأنّ قول المرأة الواحدة حيث إنّه لا يوجب القطع بل ولا الظنّ القويّ فتحريم كتمانه يدلّ على قبوله ، بخلاف الكتمان في الآية فإنّه لو لم يكتم جميع الناس البيّنات والهدى وأظهروه يحصل العلم للإنسان من تواتر النقل بينهم ، فإنّ عدم كتمانهم بمعنى إظهارهم ذلك والتحدّث به أمام الناس ، وحينئذ فلو تحدّث به جميع هؤلاء لحصل العلم للسامعين ، فلا يدلّ على قبول خبر الواحد.
نعم يبقى الإشكال في إطلاق الآية وشمولها لما إذا كان المخبر واحدا فأيّ معنى لوجوب إظهاره مع عدم حصول العلم من إخباره؟
وجوابه : أنّ انخرام حكمة التشريع في مورد لا يوجب خللا في المشرّع أصلا ، بل هو معنى الحكمة ، فإنّ الحكمة هي الّتي تنخرم في بعض الموارد كما في العدّة وغيرها من الموارد الكثيرة في الفقه.
ومن جملة الآيات قوله تعالى : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ*)(١) بتقريب ما تقدّم.
وقد اورد عليها بأنّ سؤال أهل الذكر الّذي هو بمعنى أهل العلم لا يوجب إلّا قبول قولهم من حيث إنّهم أهل علم لا من حيث إنّهم رواة ، فلا تدلّ على حجّية خبر الواحد. وبهذا ظهر أنّ جواب الآخوند عن هذا الإيراد بأنّه إذا ثبت حجّية قول زرارة ومحمّد بن مسلم وأضرابهما ممّن هم أهل علم فبعدم
__________________
(١) النحل : ٤٣ ، والأنبياء : ٧.