الدليل الرابع من الأدلّة الدالّة على حجّية مطلق الظنّ : هو الدليل المعروف في اصطلاح الاصوليّين بدليل الانسداد ، وهو مؤلّف من مقدّمات :
الاولى : إنّا نعلم إجمالا بثبوت تكاليف إلزاميّة في الشريعة المقدّسة ، والعلم بثبوت هذه التكاليف من ضروريّات الإقرار بالشريعة وبالدين ، إذ لا معنى لشريعة ليس فيها أحكام إلزاميّة قطعا.
الثانية : أنّ باب العلم إلى امتثال تلك الأحكام منسدّ علينا وكذلك باب العلمي ، والمراد بالعلم الحجّية الذاتيّة وبالعلمي الحجّة الجعليّة كالأمارات.
الثالثة : أنّا مكلّفون بامتثال تلك الأحكام ولسنا كالبهائم والأطفال والمجانين ولا يخفى أنّ ما ذكر في هذه المقدّمة الثالثة بعينه هو ما في المقدّمة الاولى غايته بتغيير في التعبير ، لأنّ معنى العلم بتكاليف إلزاميّة هو أنّا مكلّفون بها وإلّا لم تكن إلزاميّة ، ولو اريد بالمقدمة الاولى عدم نسخ الشريعة المقدّسة فمع أنّه يرجع أيضا إلى هذه المقدّمة من ضروريّات الدين فلا معنى لذكرها وان توقّف عليها دليل الانسداد ، للزوم ذكر وجود الصانع وبعثة الرسل أيضا ، لتوقّفه عليه أيضا ، فالأولى جعل المقدّمات أربعة كما فعله العلّامة الأنصاري قدسسره بحذف الاولى (١).
الرابعة أنّ الامتثال المطلوب إمّا أن يكون بجريان الاصول في الأطراف ، وهو مؤدّ إلى الخروج من الدين مع عدم جريانها ، للزوم المخالفة القطعيّة. أو يكون بالتقليد ، وهو مع أنّه لا دليل عليه مستلزم لرجوع العالم إلى من يعتقد خطأه. أو يكون بالقرعة ، وهو باطل قطعا نظير كونه بالاستخارة إجماعا بحسب الظاهر. أو يكون بالاحتياط ، وهو غير واجب أو غير جائز. فيتعيّن حينئذ دوران الأمر بين الامتثال الظنّي أو الشكيّ أو الوهمي ، فنفتقر حينئذ إلى ذكر المقدّمة الخامسة ، وهي أنّ ترجيح المرجوح على الراجح قبيح عقلا ، فيتعيّن العمل بالظنّ ، للزوم تقديم المشكوك أو الموهوم تقديم المرجوح على الراجح.
__________________
(١) فرائد الاصول ١ : ٣٨٤.