فمرجع الشكّ إلى الشكّ في جعل الناقضيّة والأصل عدمها ، فالأصل حينئذ مؤيّد لبقاء الطهارة لا معارض لها ، وكذا الطهارة الخبثيّة حيث يكون الحكم المجعول إلزاميّا كتحريم وطء الحائض قبل الغسل بعد النقاء ، أو يؤول إلى كونه إلزاميّا كالنجاسة مثلا مورد المعارضة ، وأمّا إذا لم يكن إلزاميّا أو وضعيّا لا يؤول إلى الإلزام كالطهارة مثلا فلا مانع من جريان الاستصحاب في الشبهات الحكميّة ، فافهم وتأمّل.
هذا تمام الكلام في هذا التفصيل ، وملخّصه أنّ الاستصحاب حجّة في الشبهات الموضوعيّة والحكميّة حيث يكون الحكم المجعول ترخيصيّا أو يؤول إلى الترخيص كالطهارة ، وعدم حجّيته حيث يكون الحكم المجعول إلزاميّا.
بقي شيء وهو أنّه ربّما يقال : إنّ الصحيحة المذكورة إنّما دلّت على تحريم نقض كلّ يقين بالشكّ فلا تدلّ على حجّية الاستصحاب ، إذ لفظ اليقين محلّى بلام الجنس وقد وقع في سياق النفي ، فمعناها أنّ مجموع أفراد اليقين لا تنقضها بالشكّ فلا تدلّ على حرمة نقض كلّ فرد من أفراد اليقين بالشكّ ، فلا تدلّ على حجّية الاستصحاب كلّية ، بل في الجملة. ولا يخفى عليك ظهور اليقين في إرادة كلّ فرد فرد منه لا المجموع ، مع أنّ كونه في سياق النفي إنّما يوجب إرادة المجموع إذا وقع مدخولا للنفي مثل : لا تكرم كلّ أحد ، كما أنّه لا يناسب حينئذ تعليل الإمام عليهالسلام بها للمورد كما هو واضح جدّا ، فتأمّل.
في صحيحة زرارة الثانية وهي رواية طويلة تضمّنت فروعا كثيرة لها أهمّيتها وتضمّنت عدم وجوب الفحص في الشبهة الموضوعيّة ، فتكون هي الدليل لعدم وجوب الفحص لا الإجماع كما قيل ، ولو قيل بأنّها إنّما تضمّنت عدم وجوب الفحص في خصوص موردها لدلّت على عدم وجوب الفحص بعدم القول بالفصل أو بالقول بعدم الفصل الّذي هو الإجماع المركّب.