ووجهه أنّ الرفع كما قدّمنا إنّما يكون حيث يمكن وضع الاحتياط وجعله ، وحيث يشكّ في استحباب مستحبّ ، الاحتياط مستحبّ فيه قطعا ، فحديث الرفع لا يرفع استحباب الاحتياط لكونه معلوما. وهذا بخلاف الأجزاء الّتي يشكّ في كونه جزءا أو شرطا لمستحبّ فإنّ المرفوع حينئذ جزئيّتها وشرطيّتها ، إذ هي كلفة زائدة مجهولة فترفع برفع ما لا يعلمون.
نعم ، لو قلنا بأنّ المرفوع خصوص العقاب لم يجر في المستحبّات حينئذ أصلا) (١).
وبالجملة ، فقد ظهر أنّ حديث الرفع تامّ الدلالة على رفع الحكم المشكوك ، بل غير المعلوم ، فيصلح أن يكون معارضا لما دلّ على الاحتياط في الأحكام المجهولة ، وسيأتي الكلام في ذلك إن شاء الله تعالى.
[حديث الحجب]
الحديث الثاني : حديث الحجب وهو قوله : «ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم» (٢) بتقريب أنّ الحكم المجهول ممّا حجب علمه فيكون صغرى للكبرى الكلّية المذكورة فيه.
والاستدلال بهذه الرواية وإن كان أظهر من الاستدلال بحديث الرفع ـ لاقتصاره فيها على خصوص المجهول وعدم ذكره المضطرّ إليه والمكره عليه حتّى يستشكل بأنّ وحدة السياق بضميمة أن المرفوع في غير المجهول هو الفعل تقتضي أن يختصّ المرفوع بالفعل في المجهول أيضا فيخصّ الشبهة الموضوعيّة فهو من هذه الجهة أظهر إلّا أنّ هناك جهة اخرى تقتضي التضعيف في دلالته ، وهي إسناد الحجب إلى الله تعالى فإنّ الحكم المبحوث عنه في المقام لم يحجبه الله تعالى وإنّما حجبه الظالمون
__________________
(١) ما بين القوسين من إضافات بعض الدورات اللاحقة.
(٢) الوسائل ١٨ : ١١٩ ، الباب ١٢ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٢٨.