المقدّمة الثانية : أنّ الشيخ الأنصاري ذكر في بعض كلماته في الجمع بين الحكم الظاهري والواقعي أنّ الحكم الواقعي مجعول للشيء مطلقا والظاهري مجعول للشيء بقيد الشكّ (١).
وأورد عليه الآخوند قدسسره بلزوم التناقض في فرض الشكّ (٢) إذ الحكم الواقعي موضوع للشيء مطلقا فهو شامل لصورة الشكّ فيجتمع كلا الحكمين فيها.
وقد ذكرنا في التوفيق بين الحكم الظاهري والواقعي أنّ الحكم ليس إلّا عبارة عن الاعتبار وأن ليس بين الاعتبارين لشيء واحد تناقض إلّا أن يكون التناقض في ناحية المبدأ وهي المصالح والمفاسد أو ناحية المنتهى وهي ناحية الامتثال وبلوغ كلا التكليفين مرتبة الفعليّة.
وقد ذكرنا أنّ الحكم الظاهري ليس تابعا لمصلحة في المتعلّق بل لمصلحة في الجعل نفسه بخلاف الحكم الواقعي ، فالحكم الظاهري والواقعي في ناحية المبدأ لا تضادّ بينهما وكذا في ناحية الامتثال ؛ لأنّ الحكم الظاهري إنّما يصل إلى مرتبة الفعليّة في صورة الشكّ في الحكم الواقعي. فلا يعقل اجتماعهما في مقام الامتثال أصلا ، إذ كون الحكم الواقعي واصلا لا يبقي مجالا للحكم الظاهري إذ حينئذ يرتفع موضوعه.
إذا عرفت هاتين المقدّمتين عرفت أنّ شمول أدلّة الاصول لأحد أطراف العلم الإجمالي مشروط بترك الآخر عند التحليل يؤدّي إلى الترخيص في الخمر المحرّم مع بقاء حرمته ؛ وذلك لأنّه يؤدّي إلى الترخيص في شرب الماء عند ترك الخمر ، كما يؤدّي إلى الترخيص في شرب الخمر على تقدير ترك الماء مع بقاء حرمة الخمر ، ومثل هذا الترخيص قبيح من المولى ، لوصول كلا الحكمين في المقام ، لأنّا نعلم
__________________
(١) فرائد الاصول ٢ : ١١.
(٢) انظر درر الفوائد : ٦٩.