بقي هنا أمران يجب التنبيه عليهما :
أحدهما : أنّ أوامر الاحتياط هل هي إرشاديّة أو مولويّة فتفيد استحبابه؟
الثاني : أنّها على تقدير كونها مولويّة فهل تفيد استحبابه لذاته أم تفيد استحبابه مقصودا به الأمر الواقعي؟ فعلى الأوّل لو أتى به بقصد الاستحباب أجزأ ، وعلى الثاني الاستحباب إنّما تعلّق بإتيانه رجاء لإدراك الواقع فلا بدّ أن يأتي به بذلك الرجاء حتّى يتحقّق الاستحباب بمعنى أن يأتي به بقصد الأمر الواقعي.
أمّا الكلام في الأمر الأوّل فنقول : ذهب الميرزا النائيني قدسسره (١) إلى كون بعض أوامر الاحتياط أوامر إرشاديّة ـ وهي ما كان المقصود بها المحافظة على الواقع ـ لوقوعها في سلسلة معلولات الحكم ، وما يحكم به العقل ويقع في سلسلة معلولات الحكم لا بدّ من كون الأمر الشرعي فيه إرشاديّا. نعم ، لو أدرك العقل شيئا في سلسلة علل الحكم كإدراكه حسن الإحسان وقبح العدوان فهنا لا بدّ أن يكون مولويّا فيحكم الشارع على طبقه بحكم مولوي ، ومثله بعض أوامر الاحتياط الدالّة على حسنه في نفسه لإثبات التورّع النفسي ، بخلاف ما كان في سلسلة المعلولات للحكم كمراتب الامتثال فإنّ الأوامر الاحتياطيّة باعتبار كونها في مرتبة امتثال الحكم كأوامر الإطاعة في لزوم حملها على الإرشاد.
نعم ، يمكن أن يكون الأمر بالاحتياط ليس من جهة الامتثال ، بل من جهة أنّ الآتي بشيء لاحتمال الأمر به فهو أولى أن يأتي بالمأمور به الواقعي المعلوم ، والتارك لشيء لاحتمال النهي فهو للمنهيّ عنه المعلوم أشدّ تركا كما ورد : «من ترك ما اشتبه عليه من الإثم فهو لما استبان له أترك» (٢) فيكون أوامر الاحتياط لمصلحة في نفس الاحتياط ، وهي القوّة النفسيّة المعبّر عنها بالتورّع
__________________
(١) أجود التقريرات ٣ : ٣٥٤.
(٢) الوسائل ١٨ : ١١٨ ، الباب ١٢ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٢٢.