الثاني من المناقشات على الاستدلال بالاستصحاب ما ذكره الميرزا النائيني قدسسره (١) وملخّصه : أنّ استصحاب عدم التكليف إنّما هو استصحاب عدمه الثابت حال صغر الإنسان ، وعدم التكليف حينئذ إنّما هو من جهة اللاحرجيّة العقليّة المرتفعة قطعا حال البلوغ ، فلا معنى لاستصحابها ، إذ لا يحتمل بقاؤها أصلا.
والجواب أنّ عدم التكليف حال الصغر له زمانان : أحدهما : حال عدم قابليّته للتكليف ، وهو عقلي بمعنى اللاحرجيّة العقليّة كما ذكره قدسسره. والثاني : قبل البلوغ بشهر مثلا فإنّه حينئذ قابل للتكليف ، فعدم التكليف حينئذ مستند إلى الشارع ، إذ بيده جعل الحكم حينئذ ورفعه. ولذا جعله على الانثى قبل إكمال الخمس عشرة ، ورفعه عن الذكر حتّى يبلغها ، وما ذكرناه هو المناسب لقوله : رفع القلم ، المشعر بإمكان الجعل إلّا أنّه رفعه امتنانا ، وحينئذ فهذا الرفع شرعيّ مشكوك في ارتفاعه فلا مانع عن جريان الاستصحاب فيه أصلا.
وممّا ذكرناه ظهر الدفع لإيراد الميرزا النائيني الثاني (٢) الّذي هو الإيراد الثالث على الاستصحاب ، وهو أنّ العدم حال الصغر (أو قبل الشرع) (٣) عدم أزلي ، والعدم بعد البلوغ (أو تشريع الشريعة) (٤) عدم شرعي ، واستصحاب العدم الأزلي لا يثبت العدم الشرعي إلّا بالأصل المثبت الّذي هو ليس بحجّة.
وتوضيح اندفاع هذا الإيراد هو أنّ العدم قبل البلوغ بيسير عدم شرعي لا أزلي ، (وكذا العدم في بدء البعثة) (٥) فيستصحب هو بنفسه فأين الأصل المثبت؟ ولذا عبّر برفع القلم المنبئ عن إسناد الرفع إلى الله تعالى مع وجود مقتضي الجعل وهو القابليّة ، (على أنّه يكفي في كون العدم شرعيّا نسبته بحسب البقاء إلى الشارع بنفس دليل الاستصحاب ، فافهم) (٦).
__________________
(١ و ٢) أجود التقريرات ٣ : ٣٣١.
(٣ ـ ٤ ـ ٥ ـ ٦) ما بين القوسين من إضافات بعض الدورات اللاحقة.