ذلك في تعدد الاستحقاق ، بعد رؤية العقل ثبوت الاستحقاق المتعدد في الخارج فان الوقوع أدل دليل على الامكان .. اذ الشيء ما لم (يتقرر) لم (يمكن) وما لم يمكن لم (يحتج) وما لم يحتج لم (يوجب) وما لم يوجب لم (يجب) وما لم يجب لم (يعط الوجود) وما لم يعط الوجود لم (يوجد) ومن هنا قالوا (الشيء قرر ، فأمكن فاحتاج ، فأوجب ، فوجب ، فأوجد ، فوجد) .. فالوجود يقع في مرحلة متأخرة عن الامكان ، وما لم يمر الشيء بمرحلة (الامكان) لا يمكن أن يصل الى مرحلة (الوجود) لاستحالة (الطفرة) في المراتب ، كاستحالتها في الزمان والمكان ، فالوجود اللاحق كاشف عن الامكان السابق.
ومما يؤيد ما ذكرناه من تعدد الاستحقاق عقلا أن المولى لو أمر عبده بانقاذ جمع من الغرقى على سبيل الترتب ، فلم يمتثل ، فعاقبه المولى أضعاف ما يعاقب به العبد المأمور بانقاذ غريق واحد ، لما كان عند العقلاء ملوما ، وكان العبد عندهم به جديرا.
قلب الاشكال
ثم انه يمكن أن يقلب هذا الاشكال (أي اشكال تعدد الاستحقاق الذي أورد به على القائل بامكان الترتب) على القائل بعدم الامكان ، اذ تعدد الاستحقاق ـ في صورة عصيان الامرين ـ لا شك فيه عند العقلاء ، وإلّا لزم تساوي العاصي للامر المولوي الواحد ، والعاصي للامرين المسوقين على نحو الترتب ، في العقوبة ، وهو خلاف حكم العقل بالتعدد ، وخلاف ما جرت عليه سيرة العقلاء ، ومن المعلوم أن العقوبة على الهيئة لا تصح في مخالفة الامر الارشادي ، فيتعين كون الامر بالمهم ـ كالاهم ـ مولويا ، وهو المطلوب ، فتأمل.