والمناصب الجليلة يترفّعون عن ذلك ، ويصعب عليهم الحضور للمنازعة ، ويرون دفع ذلك عنهم من أعظم مصالحهم ، والشرع لا يمنع من وقاية النفس وصيانتها ودفع الشرّ عنها ببذل الأموال ، والمدّعي يأخذ ذلك عوضاً عن حقّه الثابت له في زعمه ، ولا يمنعه الشرع من ذلك أيضاً.
ولا فرق بين أن يكون المأخوذ من جنس حقّه أو من غير جنسه ، ولا بين أن يكون بقدر حقّه أو أقلّ ، فإن أخذ من جنس حقّه بقدره فهو مستوفٍ لحقّه ، وإن أخذ دونه فقد استوفى بعض حقّه وترك البعض.
وإن أخذ من غير جنس حقّه ، فقد أخذ عوضه ، فيجوز أن يأخذ أزيد حينئذٍ.
وإن أخذ من جنس حقّه أزيد ، فالأقرب : الجواز.
ومَنَع منه بعضُ الجمهور ؛ بناءً على أنّ الزائد لا عوض له ، فيكون ظالماً (١).
وهو غلط إذا رضي الدافع باطناً وظاهراً ، وقد سبق (٢).
مسألة ١١٠٥ : إذا ادّعى على غيره مالَ الأمانة ، فأنكر أو اعترف ، ثمّ صالح عنه إمّا بجنسه أو بغير جنسه ، جاز ، كالمضمون ؛ عملاً بعموم قوله تعالى : ( وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ) (٣).
وقوله عليهالسلام : « الصلح جائز بين المسلمين » (٤).
فلو ادّعى على رجلٍ وديعةً أو قراضاً أو لقطةً أو غيرها من الأمانات ، أو ادّعى تفريطاً في وديعةٍ أو في قراضٍ أو غير ذلك فصالح ، جاز ؛ لما
__________________
(١) المغني ٥ : ١١ ـ ١٢ ، الشرح الكبير ٥ : ١٢.
(٢) في ص ٣٧ ـ ٣٨ ، المسألة ١٠٤٥.
(٣) النساء : ١٢٨.
(٤) تقدّم تخريجه في الهامش (٣) من ص ٢٠.