والضحاك وقتادة : هو أجل الحياة إلى الموت ، وأجل الموت إلى البعث ، وهذه الآية دليل على صحة البعث ؛ لأن الذي قدر على الإبتداء قادر على الإعادة.
وأولها : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ)(١) [سورة الأنعام آية : ٢] أي : خلق آدم الذي أنتم ولده من الطين ، كما تقول لقريش اليوم : أنتم أصحاب يوم الفجار ، أي : أباؤكم أصحابه وليس هذا انقضاء ؛ لقوله : (مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ) [سورة السجدة آية : ٨] ، لأنه أراد بذلك ولد آدم.
وقيل : أجلا أي : وقتا تحيون فيه ، : (وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ) يعني أجل الساعة ، وجعله عنده ؛ لأنه لا يعرفه غيره ، كما تقول : خبر فلان عندي. أي : أنا العالم به دون غيري.
وقيل : (أَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ) يعني أوقات حياتكم في الآخرة وجعله عنده ؛ لأنه حيث لا يحكم فيه غيره أيضا ، وقيل : قضى أجل الماضين ، وأجل مسمى عنده للباقين.
وقيل : أجل انقضاء الدنيا ، وأجل ابتداء الآخرة ، : (ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ) [سورة الأنعام آية : ٢] أي : خلقكم من طين ، وجعل الظلمات والنور ، وضرب لكم هذه الآجال وأنتم مع هذا تشكون فيه فيعبدون غيره.
__________________
(١) قال الشوكاني : قوله : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ) في معناه قولان : أحدهما ، وهو الأشهر ، وبه قال الجمهور أن المراد آدم عليهالسلام ، وأخرج مخرج الخطاب للجميع ، لأنهم ولده ونسله. الثاني ، أن يكون المراد جميع البشر باعتبار أن النطفة التي خلقوا منها مخلوقة من الطين ، ذكر الله سبحانه خلق آدم وبنيه بعد خلق السموات والأرض إتباعا للعالم الأصغر بالعالم الأكبر ، والمطلوب بذكر هذه الأمور دفع كفر الكافرين بالبعث ، وردّ لجحودهم بما هو مشاهد لهم لا يمترون فيه
وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ) يعني آدم (ثُمَّ قَضى أَجَلاً) يعني أجل الموت (وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ) أجل الساعة والوقوف عند الله. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، والحاكم وصححه ، عنه في قوله : (ثُمَّ قَضى أَجَلاً) قال : أجل الدنيا ، وفي لفظ أجل موته (وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ) قال : الآخرة لا يعلمه إلا الله.
وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عنه (قَضى أَجَلاً) قال : هو اليوم يقبض فيه الروح ، ثم يرجع إلى صاحبه من اليقظة (وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ) قال : هو أجل موت الإنسان. [فتح القدير : ٢ / ٣٨٩ ـ ٣٩٠].