الظهور وما يتصرف منه (١)
قد ذكرنا أن أصله من العلو ، يقال : ظهر فوق البيت إذا علاه ، وقال الشاعر :
وتلك شكاة ظاهر عنك عارها
أي عارها مرتفع عنك لا يلحقك ، وظهر كل شيء أعلاه ، وظهر الرجل ؛ بين درعين إذا ألبس إحداهما فوق أخرى ، وظاهر الرجل الرجل إذا عاونه فعلا أمره ، وهو ظهيره ؛ أي : معينه ، ودرع مظاهرة ؛ إذا نسجت حلقتين حلقتين.
وهو في القرآن على سبعة أوجه :
الأول : ظهر إذا بدا ؛ قال الله : (ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) [سورة الروم آية : ٤١] ، ونتكلم في هذه الآية في باب الفاء إن شاء الله تعالى.
وقال : (أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ) [سورة غافر آية : ٢٦] ، وقال : (يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا) [سورة الروم آية : ٧] يعني : ما بدا منه من معاشهم ؛ أي : يعرفون ذلك من شدة عنايتهم به ، ويغفلون عن المعاد ، وقال : (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها) [سورة النور آية : ٣١] أي : لا يبدين الزينة الباطنة ، نحو : المخنقة ، والخلخال ، والدملوج ، والسوار ؛ فإن ذلك من التبرج ، والذي يظهر الثياب والوجه والكفان ، وزينة الوجه الكحل ، وزينة الكف الخضاب والخاتم.
وقد أباح النظر إلى زينة الوجه والكف ؛ فاقتضى ذلك لا محالة إباحة النظر إلى الوجه والكف ، ويدل على أن الوجه والكف ليسا من العورة ؛ إنها تصلي مكشوفة الوجه واليدين فجاز نظر الأجنبي إليهما لغير شهوة ، وجاز أن ينظر إليهما لعذر وإن كان تشبيها ، مثل : أن يريد تزويجها ، أو ينظر إليها لشهادة ، أو لأنه حاكم يريد أن يسمع إقرارها ، ويدل على أنه لا
__________________
(١) (ظ ه ر) : ظهر الشّيء يظهر ظهورا برز بعد الخفاء ومنه قيل ظهر لي رأى إذا علمت ما لم تكن علمته وظهرت عليه اطّلعت وظهرت على الحائط علوت ومنه قيل ظهر على عدوّه إذا غلبه وظهر الحمل تبيّن وجوده ويروى أنّ عمر بن عبد العزيز سأل أهل العلم من النّساء عن ظهور الحمل فقلن لا يتبيّن الولد دون ثلاثة أشهر. [المصباح المنير : الظاء مع الهاء والراء].