الطغيان (١)
أصله مجاوزة الحد ، ومنه قوله تعالى : (إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ) [سورة الحاقة آية : ١١] ، ثم استعمل في شدة الظلم ؛ لأنه تجاوز لحد الصفة ؛ وهو في القرآن على أربعة أوجه :
الأول : الضلال ؛ قال الله : (فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) [سورة البقرة آية : ١٥] أي : في ضلالهم يتحيرون ، ويجوز أن يكون أراد أنهم يتحيرون فيما هم فيه من مجاوزة الحد في التمرد ؛ وتحيرهم فيه لأنهم لا يعرفون وجه قباحته ، والمتحير غير عارف لوجه أمره والعمد التحير.
ومثله قوله تعالى : (رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ) [سورة ق آية : ٢٧] أي : ما أضللته ، والشاهد قوله : (وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) [سورة ق آية : ٢٧] ، ويجوز أن يكون المراد أي : لما حمله على التمرد وشدة الظلمة لنفسه ولغيره.
الثاني : قال تعالى : (اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى) [سورة طه آية : ٤٣] ويجوز أن يكون أراد أنه جاوز الحد في الكبر أو الظلم والغشم ، وقال : (بَلْ كُنْتُمْ قَوْماً طاغِينَ) [سورة الصافات آية : ٣٠].
الثالث : الارتفاع ومجاوزة الحد في الكثرة ؛ وقال : (إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ) [سورة الحاقة آية : ١١] أي : حملنا آباءكم على حسب ما يقال لبني شيبان : اليوم أنتم أصحاب يوم ذي قار.
الرابع : الخطأ ؛ قال : (ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى) [سورة النجم آية : ١٧] أي : ما يمل ولم يخطئ في الرؤية ، وقيل : ما عدل وما جاوز القصد في رؤيته ؛ يعني : جبريل عليه
__________________
(١) (ط غ ي) : طغا طغوا من باب قال وطغي طغى من باب تعب ومن باب نفع لغة أيضا فيقال طغيت.
وفي التّهذيب ما يوافقه قال الطّاغوت تاؤها زائدة وهي مشتقّة من طغا والطّاغوت يذكّر ويؤنّث والاسم الطّغيان وهو مجاوزة الحدّ وكلّ شيء جاوز المقدار والحدّ في العصيان فهو طاغ وأطغيته جعلته طاغيا وطغا السّيل ارتفع حتّى جاوز الحدّ في الكثرة. [المصباح المنير : الطاء مع الغين].