الثالث : الظلمة بعينها ؛ قال الله : (وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ) [سورة الأنعام آية : ١] وقد تقدم ذكر الظلمات لأنه خلق الظلمة قبل النور ، كما خلق الجنة قبل النار ، والسماوات قبل الأرض.
وفي هذا معنى حسن ، وهو جعله مثالا للشك الذي غلبه البرهان والدلالة ؛ فأما الجنة فقدمت لأنها الغرض المطلوب ، وأما السماوات فقدم خلقها لأنها أشرف من الأرض من غير اعتراض معنى يزيلها عن مرتبتها.
والفرق بين جعل الظلمات وفعل الظلمات ؛ أن الجعل يقتضي فعلها على الصفة التي هي عليها ، كما يقال : جعل الطين خزفا ، والجعل أيضا يدل على الاتصال ؛ ولذلك جعل طرفا للفعل يستفتح به ؛ كقولك : جعل يقول ، وجعل ينشد ، قال الشاعر :
وزعمت أنّك سوف تسلك فازرا |
|
والموت مكتنع طريقي فازر |
فاجعل بحلل من يمسّك إنّما |
|
حنث اليمين على الأثيم الفاجر |