وأصل : ادارك : تدارك كأنه قال : قد يدرك بعض علمهم بعضا في الآخرة حتى يتكامل ، ثم قال : (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها) [سورة النمل آية : ٦٦] ، وهذا إخبار عن الدنيا ، كأنه قال : دع ما تقدم ذكره من تكامل علمهم في الآخرة بأن ما وعدوا منها حق مع ما أفدتك بذلك ، وخذ في أنهم في الدنيا شاكون في البعث ، ثم قال : (بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ) [سورة النمل آية : ٦٦] ، أي : دع ما تقدم من ذكر شكهم ، وخذ في أنهم عمون عنه ، أي : جاهلون ، والشاك في الشيء بمنزلة الجاهل به ، وقوله : (بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ) [سورة النمل آية : ٦٦] ، توكيد لقوله : (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها) [سورة النمل آية : ٦٦] ، وهذا كقولك : فلان جاهل بكذا ، بل هو أعمى عنه ، تريد توكيد ما وصفته به من الجهل.
وأما" بلى" فليس من" بل" في شيء ، و" بلى" لا يكون إلا جوابا لما كان فيه حرف جحد ، كقوله تعالى : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) [سورة الأعراف آية : ١٧٢] ، وقوله : (أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ) [سورة الأنعام آية : ١٣٠ ، الزمر : ٧١] ، ثم قال في الجواب : (قالُوا بَلى) [سورة الأعراف آية : ١٧٢] ، وهو مخالف لنعم لأن نعم لا يكون إلا جوابا للاستفهام بلا جحد ؛ كقوله تعالى : (فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ) [سورة الأعراف آية : ٤٤] ، وكذلك جواب الخبر ، إذا قال : فعلت ذلك ، قلت : نعم لعمري قد فعلته.
__________________
وقال أبو جعفر : وأولى الأقوال في تأويل ذلك بالصواب على قراءة من قرأ" بل أدرك" القول الذي ذكرناه عن عطاء الخراساني ، عن ابن عباس ، وهو أن معناه : إذا قرئ كذلك (وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) بل أدرك علمهم نفس وقت ذلك في الآخرة حين يبعثون ، فلا ينفعهم علمهم به حينئذ ، فأما في الدنيا فإنهم منها في شكّ ، بل هم منها عمون.
وإنما قلت : هذا القول أولى الأقوال في تأويل ذلك بالصواب ، على القراءة التي ذكرت ؛ لأن ذلك أظهر معانيه. وإذ كان ذلك معناه ، كان في الكلام محذوف قد استغني بدلالة ما ظهر منه عنه ، وذلك أن معنى الكلام : وما يشعرون أيان يبعثون ، بل يشعرون ذلك في الآخرة ، فالكلام إذا كان ذلك معناه ، وما يشعرون أيان يبعثون ، بل أدرك علمهم بذلك في الآخرة ، بل هم في الدنيا في شك منها. وأما على قراءة من قرأه (بَلِ ادَّارَكَ) بكسر اللام وتشديد الدال ، فالقول الذي ذكرنا عن مجاهد ، وهو أن يكون معنى بل : أم ، والعرب تضع أم موضع بل ، وموضع بل : أم ، إذا كان في أول الكلام استفهام. [جامع البيان : ١٩ / ٤٨٨ ـ ٤٨٩].