إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ) ، ثم بيّن سبحانه أن ليل الفترة ونهار المشاهدة من كمال لطفه بأوليائه ؛ ليترفهوا في زمان الفترة ، ويستريحوا لحظة من ثقل واردات المشاهدة ، ويستبشروا في نهار الكشف والعيان برؤية الرحمن ، ويتلذذوا بالروح والريحان ، وذلك قوله : (وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ.)
قال الحسين بن منصور : من علم من أين جاء علم أين يذهب ، ومن علم ما يصنع علم ما يصنع به ، ومن علم ما يصنع به علم ما يراد به ، ومن علم ما يراد به علم ما له ، ومن علم ما له علم ما عليه ، ومن علم ما عليه علم ما معه ، ومن لم يعلم من أين جاء وأين هو وكيف هو ولمن هو ومما هو وما هو وإلى أين هو فذلك ممن أهمل أوقاته ، وترك ما ندبه الله إليه ، بقوله : (وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ.)
(وَنَزَعْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً فَقُلْنا هاتُوا بُرْهانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٧٥) إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (٧٦))
قوله تعالى : (وَنَزَعْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً فَقُلْنا هاتُوا بُرْهانَكُمْ) : شهداء الخلق أصحاب الفراسات والمشاهدات الذين يخاطبهم الله بفعله وصفاته وذاته بوسائط الكون أحيانا ، ويخاطبهم صرفا بكلامه القديم بغير واسطة ، فهم مشرفون على أسرار الحق والخليقة ، فهم ينطقون من بطون خواطرهم ، ولكل طائفة من المريدين شاهد من أهل القصة ، يشهدون لهم وعليهم في الدنيا والآخرة ، وهو مخصص مستخرج من القوم بنعت الاصطفائية والولاية.
قال بعضهم : أخرجنا من كل قوم وليّا وأطلعناه على أسرار قربنا ، ثم أذنا في البرهان ، فأظهر البرهان بنا لا به ، فعلم الخلق أن لا قيام لأحد بنفسه ، ولا يخبر عن الحق سواه ، ولا يجيب عن سؤاله غيره ، ولا يقوى على مخاطبته إلا من أيّد بتأييد خاصّ.
(وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (٧٧))
قوله تعالى : (وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ) : نصيب العارف من الدنيا الوجه الحسن ، الصوت الحسن ، ورائحة الطيب ، والدار الحسنة ، ومجالسة الفقراء الصبّر الصادقين في العشق القائمين بالله ، بشرط المحبة والشوق