بصفاته ، ناظرا إلى مشاهدة ذاته ، لم تنقطع عنه أنوار الذات والصفات والفعل أبدا ، وهذه خاصية لمن له أثر من روحه.
قال بعضهم : نفخ من نوره في روح عبده ؛ ليحيى بتلك الروح ، ويطلب النور ، ولا يغفل عن طلب المنور ، فيعيش في الدنيا حميدا ، ويبعث في الآخرة شهيدا ، فلما وجدت روح روح الله صدقت بظهوره في العالم ، وشبّه قلوب العالمين بأنها تكون مرآة الحق للخلق ، وذلك قوله : (وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها) ، ولما باشر أنوار القدس وروح الأنس كادت نفسها أن تميل إلى السكر في العنائية ، فسبق لها العناية ، وأنفاها في درجة العبودية حتى لا يسقط بالسكر عن مقام الصحو ، ألا ترى كيف قال : (وَكُتُبِهِ وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ) ، أي : من المستقيمين في معرفتها بربها ، ومعرفتها بقيمة نفسها أنها مسخّرة عاجزة لربها.
سورة الملك
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (٢) الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ (٣) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ (٤))
(تَبارَكَ الَّذِي) : في هذه الآية تقديس الذات والصفات عن الإدراك ، وفيها إشارة غيب الهوية بقوله الذي رفع الأوهام عن ساحة جلاله ، وفيها وصف العظمة والإحاطة بكل شيء ، وعجز الحدثان في قبضة قدرته ، وفيها سر الالتباس ، وظهور الصفة عن الفعل ، بقوله :
(بِيَدِهِ الْمُلْكُ) ، تعالى الله عن الأشباه ؛ إذ لا شبيه له في الأزل ، وتقدّس عن الأضداد ؛ إذ لم يكن له ضدّ إلى أبد الأبد ، فرؤية قدسه للموحدين ؛ إذ مبارك عليهم أنوار قدسه ، وهم في زيادة القدس أبدا ، والإشارة للعارفين ؛ إذ هم غابوا في غيبه ، وهم منه لا يخرجون ، وإشارة ظهور الصفة في الفعل للمحبّين ؛ إذ يؤتيهم ملك مشاهدته ، وهم في ملك قربه ، لا ينقطع عنهم وصاله أبدا.
قال بعضهم : (تَبارَكَ) كالكناية ، والكناية كالإشارة ، والإشارة لا يدركها إلا الأكابر.
وقال سهل : تعالى من يعظم عن الأشباه ، والأولاد ، والأضداد ، والأنداد.