الخلائق والجمادات فأشفقوا وهربوا ، ظنوا أن الأمانة تحمل بالنفوس ، فكشف لآدم أن حمل الأمانة بالقلب لا بالنفس ، فقال : أنا أحملها ؛ فإن القلب موضع نظر الحق واطلاعه ، فإذا أطلق ذلك يطيق حمل الأمانة ، فإن الأمانة حدث وإطلاع الحق وتجليه لم تطقها الجبال وطاقتها القلوب ، وأنشدنا :
ومن على أثره حملت بالقلب ما لا يحمل |
|
البدن والقلب يحمل ما لا يحمل البدن |
يا ليتني كنت أدنى من يلوذ بكم عينا |
|
لأنظركم أم ليتني أذن |
* * *
سورة سبأ
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (١) يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ (٢))
(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) : حمد نفسه قبل الكون ورفع حقوق الحمد عن الخليقة ، ثم حمد نفسه بعد الكون علما بعجزهم عن أداء شكره ، (وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ) حيث يقبل الحسنات ، ويعفو عن السيئات ، ويدني العارفين من المشاهدات ، ويكشف لهم جمال الذات والصفات.
قال أبو العباس بن عطاء : المحمود من لم يربط عباده بشيء من الأكوان قطع أملاكهم عن الجميع لئلا يشتغلوا بها ، ويكون اشتغالهم بمن له الأكوان وما فيها وله الحمد في الآخرة حيث لم يناقش بالمحاسبة مع عباده ، وهو الحكيم فيما دبر والخبير عما عفا وستر.
(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٣) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٤) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (٥) وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (٦) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ