قال الحسين : أبدى الأكوان بقوله (كُنْ) إهانة لها وتصغيرا ؛ ليعرف الخلق إهانتها ، فلا يركنوا إليها ، ويرجعوا إلى مبدئها ومنشئها ، فشغل الحق زينة الكون ، فتركهم معه ، فاختار من خواصه خصوصا أعتقهم من رقّ الكون ، وأحياهم به ، فلم يجعل للعلل عليهم سبيلا ولا للآثار منهم طريقا.
سورة الصافات
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (١) فَالزَّاجِراتِ زَجْراً (٢) فَالتَّالِياتِ ذِكْراً (٣) إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ (٤) رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَرَبُّ الْمَشارِقِ (٥) إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ (٦) وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ (٧) لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ (٨) دُحُوراً وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ (٩))
(وَالصَّافَّاتِ صَفًّا) (١) : والقلوب المتآلفة في مقام المحبة صفت بنعت الإقبال إلى جمال الأزل ، وهي قلوب المحبين ، وأيضا صفوف العقول المقدسة صفت في مقام العبودية لمشاهدة الربوبية ، وهي عقول العارفين ، وأيضا الأرواح العاشقة صفت في حظائر القدس في مقام الأنس ، وهي طيور الله في بساتين الله ، وهي أرواح الموحدين ، (فَالزَّاجِراتِ زَجْراً) : إلهامات الحق التي تأتي على خواطر أهل الحق (١) ، (فَالتَّالِياتِ ذِكْراً) : الملائكة التي تلم على قلوب الحاضرين في الحضرة بوحي الله ، فأقسم الحق بهذه النيرات أنه تعالى واحد لا انقسام في ذاته ولا افتراق في صفاته ، لا تكون وحدانيته من حيث العدد ولا ألوهيته من حيث المدد ، فأظهر وحدانيته بنعت التجلي والظهور للوحدانيين بقوله : (إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ) ، ثم أوضح طرق الدليل إليه بقوله : (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَرَبُّ الْمَشارِقِ) : المشارق مطالع قلوب العارفين التي تطلع منها أنوار الحق للأرواح والعقول ، ثم بيّن أنه تعالى زيّن سماء الظاهر بالكواكب ، وزيّن سماء الأرواح بأنجم المعارف ونور الكواشف بقوله : (إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ) : من نور معرفة العارفين ينزجر الشياطين المتمردة ولا
__________________
(١) أقسم بطوائف الملائكة ، الصافّين أقدامهم في مراتب العبادة ، كل على ما أمر به ، فالزاجرات السحاب سوقا إلى ما أراد الله ، أو : عن المعاصي بإلهام الخير. أو : الشياطين عن التعرّض لهم. البحر المديد (٥ / ٢٢٤).