قوله تعالى : (وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى وَأَقْنى) : أغنى العارفين به ، وأقنى الموحدين فيه ، وأيضا أغنى العارفين برؤية البقاء ، وأقنى الموحدين برؤية القدم ؛ إذ زاد في كل لمحة الانتقال إلى وصول الحقيقة ، ولا يدركونها ؛ فتنزيه القدم يورث فقرهم أبدا.
وقال سفيان بن عيينة : أغنى وأقنى أقنع وأرضى.
قال الجنيد : أغنى قوما به ، وأفقر قوما عنه.
قوله تعالى : (أَزِفَتِ الْآزِفَةُ) (٥٧) أي : حان وقت كشف جمال الحق للمشتاقين المحبين والعارفين الموحدين ، ودنا وصاله للواصلين والأولياء والمقربين ، وفي معناه أنشدوا :
دنا وصال الحبيب واقتربا |
|
وأطربا للوصال وأطّربا |
هذه الآية بشارة للمقبلين إلى الله بوصف الشوق ، ونذارة للمدبرين عنه (١).
قال الواسطي في هذه الآية : هذه التي أوجبت الخرس عن الدعاء والثناء والالتماس ، وأذهبت المطالعات والمشاهدات.
وقال ابن عطاء : قرب الأمر القريب.
قوله تعالى : (فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا) أي : إذا قرب أيام الوصال فاشتاقوا ، وسارعوا في بذل الوجود ووضع الخدود على التراب ، واعبدوا رب الأرباب لوجود كشف النقاب ، والله أعلم بالصواب.
سورة القمر
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (١))
قوله تعالى : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) : علم الله سبحانه انتظار أرواح الأنبياء والمرسلين وملائكته المقربين والأولياء والعارفين من آدم عليه الصلاة والسلام وجميع أولاده الصالحين ، كشف رؤية الحق ، وقرب وصاله والدخول في جواره ، فبشّرهم الله أنها مقرونة بقدوم محمد صلىاللهعليهوسلم ، فلما خرج بالنبوة ورسالة الله شكّ فيها المشركون ، فأراهم الله صدق وعده ، وأنه من أعظم آياته بانشقاق القمر ؛ حتى يعرفوا أنه بريد الله إلى العالمين ، يخبرهم بإتيان
__________________
(١) في قوله : (أزفت الآزفة) أي : قربت ساعة الفتح حين توجهت وانقطعت عنك العلائق ، ووجدت من يدخلك بحر الحقائق ، ليس لها من دون الله كاشفة ، لا يكشف لك هذه الحقائق إلا الذي منّ عليك بصحبة من يدلك عليه. البحر المديد (٦ / ١٨٦).