ويرشده إلى نفسه حتى يراه به بلا واسطة.
قال أبو عثمان : من صحّح إيمانه بالله يهد قلبه لاتّباع سنة نبيه صلىاللهعليهوسلم ، وعلامة صحة الإيمان المداومة على السنن ، وملازمة الاتّباع ، وترك الآراء ، والأهواء المضلة.
قوله تعالى : (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) : خفّف الله أثقال التقوى على قلوب المتقين ، وسهّل برجاء أنوارها على قلوب العارفين حين استغرقوا في بحار جلاله ولم يدركوا حقيقة كماله ، وكيف يصل الحدث إلى حقيقة القدم ، والكون نزول في أول سطوة من سطوات ظهور عظمته ، خاطب الكل في أوائل أحوالهم بحقيقة التقوى منه ؛ لظهور تذللهم وفنائهم في عزته ، وتعليمه إياهم إنها حق الحق ، وحقوق الحق في المعرفة لا تسقط بضعف الضعفاء ؛ فإن حقه باق ، ثم بيّن عجزهم عن البلوغ إلى منتهاه ، وسهّل الأمر عليهم ، ورحمهم بضعفهم عن حمل وارد الحقيّة.
قال ابن عطاء : هذا لمن رضي عن الله بالثواب ، فأما من لم يرض منه الآية فإن خطابه (اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ.)
قال السري : المتّقي من لا يكون رزقه من كسبه.
قوله تعالى : (إِنْ تُقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً) : «القرض الحسن» : يكون لمن يرى الملك ، والملك إلا لله ، ويشاهد الحق بالحق في قصده ، وإقباله على الحق.
قال سهل : «القرض الحسن» : المشاهدة بقلوبكم لله في أعمالكم كما قال صلىاللهعليهوسلم : «أن تعبد الله كأنّك تراه» (١).
قوله تعالى : (عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (١٨) : عالم غيب هموم صميم قلوب العارفين من أجله ، وما يجري عليهم من آثارها ، ببذل المهج على علانيتهم ، وهو العزيز بأنه أعزهم في الأزل بعزته ، الحكيم حيث حكم بالعبودية ، وإظهار أنوار الربوبية.
سورة الطلاق
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ
__________________
(١) رواه البخاري (١ / ٢٧) ، ومسلم (١ / ٣٧).