مستفادة من تجلّي الحق سبحانه ، فإذا فهمت هذا فإنه تعالى يقوم لهم بالنظر من نفسه إلى نفسه ، فهناك نظر الحبيب ، ونظر المحبوب واحد في معنى الاتحاد.
قال النصرآبادي : من الناس ناس طلبوا الرؤية واشتاقوا إليه ، ومنهم العارفون الذين اكتفوا برؤية الله لهم ، فقالوا : رؤيتنا ونظرنا فيه علل ، ورؤيته ونظره بلا علة ، فهو أتمّ به بركة وأشمل نفعا.
قال الواسطي : (ناضِرَةٌ) : نضرت بالتوحيد ، وابتهجت بالتفريد ، وذهبت بالتجريد ؛ لأن الله فعّال لما يريد.
قال الأستاذ : دليل على أنه بصفة الصحو ، ولا يداخلهم حياء ، ولا دهشا ؛ لأن النضرة من أمارات البسط ، والبقاء في حال اللقاء أتمّ من اللقاء ، والرؤية عند أهل التحقيق يقتضي بقاء الرائي عنه ، وعندهم استهلاك العبد في وجود الحق أتمّ (١).
سورة الإنسان
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً (١) إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً (٢))
(هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ) : أخبر الله سبحانه عن سرّ فطرة آدم عليهالسلام التي أتى عليها أحيان لم تكن شيئا يطّلع عليها المقربون والكروبين من علمهم ومعرفتهم ، وكيف ذكروه وهو على علمهم في غيب الغيب مستورا في حجاب الأنس ، ورياض القدس بنوره عن أعين أهل الملكوت ، فهناك ليس بمكان ولا زمان يتجلّى له من جميع الذات والصفات ، وبقى بين أنوار الصفات وأنوار الذات حتى صارت فطرته الروحية القدسية الملكوتية كاملة بكمال الله ، عالمة ، قادرة ، سميعة ، بصيرة ، متصفة بجميع صفاته ، ولم يكن هناك صباح ، ولا مساء ، ولا زمان ، ولا مكان ، عرّفها الله نعوته القديمة ، وأسماءه الحسنى ، وصفاته العلا ، وسقاها من بحر الذات شربات المحبة والشوق والمعرفة ، ففي كل صفة لها طور ، وفي كل مشاهدة لها حال ووجد وكشف لا يطّلع عليها أهل البريّة ، فكيف ذكروه ، وهو مذكور الله أزلا وأبدا لم يكشف ذكره لأحد غيره على ذكره ، فإذا قالت الملائكة : (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ
__________________
(١) النضرة طراوة البشرة وجمالها وذلك من أثر التنعم والناضر الغض الناعم من كل شيء أي وجوه كثيرة وهى وجوه المؤمنين المخلصين يوم إذ تقوم القيامة بهية متهللة يشاهد عليها نضرة النعيم ورونقه.