وقلوب شربت بكأس الوداد ، فاستوحشت من جميع العباد ، وقلوب ساقت في الطريق إليه ، وقلوب انقطعت بالكلية إليه ، فهذه مراتب القلوب في السلوك والقصد فهو متبع قصده.
(نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ (٤٥))
قوله تعالى : (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ) : أمر الله نبيه صلىاللهعليهوسلم أن يذكّر الخاشعين من عظمته والخائفين من رؤية كبريائه بالقرآن ؛ لأنهم أهله وأهل القرآن أهل الله وخاصته ، يعرفون حقائق الخطاب ، وهم يدركون موعظة الله ، ويفزعون بها من الله ، ويتابعون مواضع الخطاب بنعت العبودية ، وهم بالقرآن يرتقون إلى سعادته ، فيرون الحق بالحق بلا حجاب ، ويصعدون به إلى الأبد.
قال أحمد بن حمدان : ألا يتعظ بمواعظ القرآن إلا الخائفون على إيمانهم وإسلامهم ، وعلى كل نفس من أنفاسهم أنهم في محل البعد والهلاك ، قال الله : (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ.)
قال الأستاذ : إنما يؤثر التخويف والإنذار في الخائفين ، فأما من لا يخاف فلا ينفع فيه التخويف ، وطير السّماء على وكارها تقع (١).
سورة الذاريات
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(وَالذَّارِياتِ ذَرْواً (١) فَالْحامِلاتِ وِقْراً (٢) فَالْجارِياتِ يُسْراً (٣) فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً (٤) إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ (٥) وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ (٦) وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ (٧) إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ (٨) يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ (٩) قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (١٠) الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ ساهُونَ (١١) يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ (١٢) يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (١٣) ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (١٤))
(وَالذَّارِياتِ ذَرْواً) : أقسم الله سبحانه بعواصف تجلي عظمته وكواشف أنوار كبريائه التي تفرق أسرار العارفين في هواء القدم ، والبقاء حتى لا يبقى من وجودها من صولة ظهور القيومية في سماء الهوية أثر ؛ لغلبة القدم على الحدث وبشمال جماله الذي يأتي بنسيم الوصلة إلى
__________________
(١) انظر : تفسير القشيري (٧ / ٣٠٤) ، والبحر المديد (٧ / ٥٣).