وقال بعضهم : أين الفرار من القدر ، وكيف القرار على الخطر؟!
قوله تعالى : (كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً) (٥٢) : وصف الله حسدة القرّائين والمنافقين والسالوسين والمفسدين ، بأنهم يتمنون مقام الولاية ، وأن يكشف لهم الكرامات والآيات ، ويعطيهم علوم المعارف والحقائق ؛ ليعظّم أقدارهم عند الناس ، ولا يعلمون أن هذا قسمة الأزلية سبقت من الله في اصطفائية أنبيائه وأصفيائه وأحبائه ، هذا كتاب منشور من الله سبحانه معرضة على الكل ، وهم لا يعلمون حقيقته ؛ لأنهم أهل الشك والنفاق ، وكيف يفهمون حقائقه وهم ليسوا بأهل الله وأهل خطابه.
قال الحسين : كيف لهم بهذه الإرادة ، ولهم نفوس خالية عن الحق ، معرضة عن أمور الحقّ ، غافلة عن الوقوف بين يدي الحقّ ، كيف تفهم الصحف المنشورة أسرار خافية أبكار ما قبضتها خاطر حق قط ، وأصلها أن البشرية لا تضام الربوبية.
قوله تعالى : (هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ) (٥٦) : حقيقة التقوى لله ، فإنه تقدّس بذاته القديم ، وصفاته الأزلية من أوهام الخليقة ، وبأن ليس له في العالمين شريك في أزليته ، أو نظير في أبديته ، توحّد بذاته ، وتفرّد بصفاته ، كان فيما كان قدّوسا ، لم يكن مع قدسه علل المحدثات ، ولم يزل كما كان في الأزل ، لا يماسه الحدثان بحقيقة التقوى ، انفرد بفردانيته ، ذكر قدسه ، ولا عن مباشرة الحدوث ، ووصول الحدوث إليه بحال ، ثم ذكر رحمته ، وله الرحمة بالحقيقة بأن لو يغفر جميع الكفار ، لا ينقص من بحار رحمته قطرة ، ورحمة كل راحم منشعبة من رحمته.
قال : التقوى : هي التبرؤ من كل شيء سوى الله عزوجل ، فمن لزم الآداب في التقوى فهو أهل المغفرة.
* * *
سورة القيامة
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ (١) وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (٢) أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ (٣) بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ (٤) بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ (٥) يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ (٦))
(لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ) (١) : انظر كيف قرن الله قسمه بالنفس اللوّامة ، بقسمه بيوم القيامة ؛ لأن ما يكون في القيامة من جميع أحوالها يمكنها الله في النفس اللوامة ، القيامة عالم ،