سورة الإخلاص
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ (١) اللهُ الصَّمَدُ (٢) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (٣) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ (٤))
قوله تعالى : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) : كان الله جلّ جلاله مستترا بنفسه في أزل أزله ، قال : «كنت كنزا مخفيّا ، فأحببت أن أعرف» (١) ، فإذا أوجد أعلام ظهور أفعاله تعرف نعوته بفعله ، فلم يعرف أحد بالحقيقة ؛ إذ الوسائط حجاب ، فأراد إظهار كنوز ذاته وصفاته ، فاختار من خلاصة الوجود خاصّا خالصا ، فألبس لسانه فصاحة الربوبية ، ونوّر قلبه بنور المعرفة ، وظهر لعينه عين الحقيقة ، فأمره بتعريفه لعباده العارفين ، بقوله : (قُلْ) : ظاهره سرّ ، وباطنه سرّ ، حرف تحته بحر من غوامض علوم الربوبية ، فالقاف : إشارة إلى قهر عظمته على الحدثان حتى لا يصل إلى ذرّة من حقيقة العرفان بألوهية الرحمن ؛ لأن على وجه القدم وقاية الغيرة ، وهناك في الأزل قلزم الحيرة ، واللام : إشارة إلى لا النفي أي : لا يصل إلى كنه الألوهية أهل الحدوثية أمره بالإشارة إلى الإشارة ، وغوامض سرّ الذات ؛ إذ قال : هو أوقع قلوب الراسخين في أودية الهوية الغيبية في تيه غيب الغيب بنعت الوله والحيرة ، فلم يصلوا إلى هاء الهوية ، فانصرفوا إلى واو الوصف ، فعجزوا عن الوصف ؛ إذ لم يصلوا إلى الموصوف ، فاحتجبوا بالغيب وبعد بطون الهوية ، وانصرفوا حيارى سكارى عطاشى والهين غير مدركين أوائل الحقائق ، فاعترفوا بالعجز عن الإدراك ، وإدراك الإدراك ، فلما علم الحق عجزهم عن إدراك سر الهوية أظهر لهم أنوار الذات والصفات ، رحمة ولطفا بهم لكيلا يحرموا من نصيب عرفانه وإيمانه ، وقال الله أي : الذي لو تركوه ، ولم تدركوه بعد طلبكم هذا ، هو الله الذي بان بنعت الوحدانية والجمال والجلال من قرار الهوية ، وأيضا لما غاصوا في بحار الهوية بانت لهم أنوار الألوهية ، فانصرفوا من صدمات الصمدية ، وسطوات الأحدية ، ووقعوا في تيه الحيرة ، ونسوا ما بان لهم ، وفرّوا ، ثم طلبوا ، فلم يجدوا ، فأظهر الله ما ظهر لهم في الغيب ، فقال : أين أنتم مما رأيتم هذا هو الله ، فظهر لهم في الظاهر كما ظهر لهم في الباطن ، فلمّا رأوه عيانا فنوا في أول ألف الفردانية ، ثم بقوا في لام جماله ، وهابوا من عظم لام جلاله ، ثم سقطوا في بحر هويته ، أيضا منه بدأ وإليه يعود ، الأول : إشارة وغيب ، والآخر : إشارة وغيب.
__________________
(١) تقدم تخريجه.