قوله تعالى : (أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (٦٤) ما في السماوات من خزائن قلوب الملائكة ، وما في الأرض من خزائن معرفته وجوده في قلوب أهل المحبة يعلم السرائر والضمائر ، وما يجري من داء شوقه ومحبته على قلوب المقبلين إليه فيجازيهم يوم كشف المشاهدة ، ويخبرهم مما مضى من أيام الفراق ، ويعتذر إليهم بحسن الانبساط ، ورفع الحجاب أبد الآبدين.
سورة الفرقان
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً (١) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً (٢) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَياةً وَلا نُشُوراً (٣) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلاَّ إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً (٤) وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (٥) قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (٦))
(تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ) وصف نفسه بالتنزيه والتقديس وبركة جمال تجليه الذي آثاره في كل ذرة من العرش إلى الثرى فباركها ببركة جماله فتنمو من أصل مصادرها بقوة قيام الحق عليها بقيوميته ، وبقيوميته قامت ، ومن صولة عزت تفنى فيه ، فلم تزل قائما بنفسه ، ولا تزال باقيا بوجوده ، وخصّ حبيبه بإنزال الفرقان عليه ليفرّق به بين كل دان وعال ، وبين مقام ومقال ، وبين حال وإعمال ، وبين كشف وخيال فيكون بجمهور السالكين معلما عن الحق مخوفا عن عظمته واستغنائه عن الخلق ، وعن قدسه عن إشارات الخلق إليه.
قال بعضهم : أصل البركات كلها ممن يقدر إنزال مثل هذا القرآن الذي يفرق بين الحق والباطل على أجل عبيده وأولاهم بالبركة وهو محمد صلىاللهعليهوسلم.
وقال سهل : يريد بالفرقان الفرقان الذي فيه المخرج من كل شبهة.
وقيل : (عَلى عَبْدِهِ) أي : على عبده الأخلص ، ونبيه الأخص ، وحبيبه الأدنى ،