العلّام ، وهو في سلامة مشاهدته أمن من الفرقة والوحشة ، فبشارة سلامته لك أيها الحبيب المشفق ، وعليك منه سلام الاشتياق إلى قدومك ، وإلى جمالك ، وإلى خطابك وخدمتك وصحبتك.
قال سهل : (أَصْحابِ الْيَمِينِ) : هم الموحدون إلى العاقبة لهم بالسلامة ؛ لأنهم أمناء الله قد أدّوا الأمانة ، يعني : أمره ونهيه ، والتابعون بإحسان لم يحدثوا شيئا من المعاصي والزلات ، قد أمنوا الخوف والهول الذي ينال غيرهم.
(إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (٩٥) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (٩٦))
قوله تعالى : (إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (٩٥) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) (١) أي : خبر ما كان ، وما سيكون في القرآن من الحق حق وبيان صحيح ، لا يقبله إلا من شاهد قلبه بنعت حق اليقين مشاهدة الحق بالحق ، وحق اليقين كشف الذات والصفات ، أي : إذا أنت من أهل حق اليقين فيما وجدت من قرب الله ووصاله نزّه ذاته وصفاته عمّا لا يليق بعزته سبّحه به لا بك ، حتى يكون تنزيهك تنزيها ، وتقديسك تقديسا.
قال ابن عطاء : إن هذا القرآن لحقّ ثابت في صدور الموقنين وأهل اليقين ، وهو الحق من عند الحق ؛ فلذلك تحقق في قلوب أوليائه.
قال بعضهم : «حقّ اليقين» : النظر إلى الحق بعين الحقيقة وتلك البصيرة التي يكرم الله بها خواص عباده المقربين ، وهو مشاهدة الغيب بما تريد أن تجري ، وإنما يرزق ذاك من فتح بصره لمشاهدة الغيوب.
قال أبو عثمان في قوله : (فَسَبِّحْ) : شكرا لما وفّقنا أمنك من التمسك بسنتك.
سورة الحديد
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١))
(سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) : نزّه الله الأكوان ، ومن فيها بلسان العجز عن البلوغ إلى ثنائه وبلسان الافتقار إليه ، وفي الحقيقة هو سبح لنفسه بألسنتهم ؛ لأنها أفعاله
__________________
(١) أي : اسبح بفكرك في بحار عقلك ، وغص بقوة التوحيد فيها تظفر بجواهر العلم ، وإيّاك أن تقصّر في الغوص لسبب أو لآخر ، وإياك أن تتداخلك الشّبه فيتلف رأس مالك ويخرج من يدك وهو دينك واعتقادك .. وإلّا غرقت في بحار الشّبه ، وضللت. تفسير القشيري (٧ / ٣٧٧).