تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (٤٩) فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (٥٠) وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (٥١) وَما هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (٥٢))
قوله تعالى : (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ) : أدّب حبيبه حين غلب عليه شوق لقائه ، وثقل عليه رؤية غيره ، وأراد أن يصل إلى جواره ، فأمره بالصبر في ميادين بلائه بامتحانه ؛ ليعرّفه شرائف مقاماته في معرفة الذات والصفات ، ويسرج من سراجه سراج العارفين والموحدين ، فيرشدون برشده ، ويرون الحق بنوره ، فقال الله تعالى : (وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ) ، في قلة صبره عن مشاهدته ، وبلاء استتاره والفناء تحت جريان امتحانه ، وذلك حين نادى في ظلمات بطن الحوت ، وهو مغتمّ تحت ذل الحجاب ، فتلطف عليه الحق كاشف عنه غمة الفرقة ، وأراه جماله ، وذلك قوله : (لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ) : سوابق نعم الاصطفائية الأزلية ، لكان في أرض الحجاب ذليلا ، ولكن أغاثته الاجتبائية والاصطفائية من ذلك الحجاب ، وشرفه بكشف النقاب ، وجعله من المتمكنين في النظر إلى وجهه لم يقع بعد ذلك إلى بحر الامتحان ، ولا في حجاب الحرمان.
قال الله تعالى : (فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) (٥٠).
قال الجنيد في كتاب «صبر الأنبياء» : قال الله لنبيّه صلىاللهعليهوسلم المصطفى وحبيبه المرتضى : (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ) : يستكشف لندائه ما مسه من ألم بلائه ، ويستغيث مع وجود العزم على القيام بواجب الصبر ، خوف دخول العجز ، وإشفاقا من ملامة العلم عند الإصغاء إلى الإبقاء على النفس التي لولا تدارك المنعم بالحفظ عند أول باد من البلاء لدخل العجز بسلطان قهره عليها ، لكن لوّح له تعريض الخطاب : (لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ) ، لما سبق عنده من حكم الاختيار في قديم العلم.
قال الواسطي : الاجتبائية أورثت الصلاح ، لا الصلاح أورث الاجتبائية.
سورة الحاقة
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(الْحَاقَّةُ (١) مَا الْحَاقَّةُ (٢) وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ (٣) كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعادٌ بِالْقارِعَةِ (٤)