(وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٥٧) وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ (٥٨) وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلاَّ وَأَهْلُها ظالِمُونَ (٥٩) وَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَزِينَتُها وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقى أَفَلا تَعْقِلُونَ (٦٠) أَفَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْناهُ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (٦١) وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (٦٢) قالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنا هؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنا أَغْوَيْناهُمْ كَما غَوَيْنا تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ ما كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ (٦٣) وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذابَ لَوْ أَنَّهُمْ كانُوا يَهْتَدُونَ (٦٤) وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ ما ذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ (٦٥) فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ (٦٦) فَأَمَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَعَسى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ (٦٧)) (١).
قوله تعالى (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً) حرمهم بالحقيقة قلب محمد صلىاللهعليهوسلم ، وهو كعبة القدس ، وحرم الأنس ، وسرادق مجد تجلي جلاله ، وجماله يجبى إليه ثمرات جميع أشجار الذات والصفات ، من دخل ذلك الحرم بشرط المحبة والموافقة كان آمنا من آفات الكونين والعالمين ، وكان منظور الحق في العالم ، وهكذا كل من دخل في قلب وليّ من أوليائه ، وقلب العارف حرم المراقبات والمشاهدات ، من دفع عنه خاطر الوسواس والهواجس يجبى إليه من أشجار الأنوار ثمرات الأسرار.
__________________
(١) في قوله تعالى : (أَفَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاقِيهِ) الوعد الحسن : هو الوعد بالجنة ، والوعد الأحسن هو الوعد بالرؤية ، والموعود له من المؤمن بالإيمان الرسمي ، فهو لاقيه يوم القيامة ؛ لأنها جنة غير معجّلة ، والموعود له هو المؤمن بالإيمان الحقيقي فهو لاقيه في الدنيا ؛ لأن قيامة العارفين دائمة ، وهذا الوعد مطلقا مما يقتضيه استعداد كل من الأبرار والمقرّبين ، فلا يتخطّى أحدهم حدّ الآخر بحكم اسم العدل دون الفضل ؛ لكن فرق بين حالة وحالة ، فإن الأبرار ، وإن كانوا يرون ربهم ؛ لكن ذلك في الآخرة لا في الدنيا ، وكذا في الأسبوع مرة لا في كل لحظة ، كما هو شأن المقربين ؛ لأنه لا حجاب لهم أصلا ، كما دلّ عليه قوله : «وصنف لا يتستر الرب عنهم ، وذلك من نتائج شهودهم في الدنيا بالبصيرة».