بقوله : «إنّ الله سبحانه خاطبني ليلة المعراج بلغة عليّ (١)» ، فهو سبحانه وتعالى خاطب الكليم بلغة محمد صلىاللهعليهوسلم ، وكان عليهالسلام في حضرة القدس ، وموسى كان في مقام الأنس هو في مقام القدس سأل أمته ، وموسى في مقام الأنس ذكر أمته ، فبين ذكر الحبيب والكليم أمة محمد صلىاللهعليهوسلم مغفورة لذلك ، قال تعالى : (وَلكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ.)
قال الحسين : في هذه الآية خاطب منصوب القدرة في عين العدم.
وعن أبي يزيد أنه قرئت هذه الآية بين يديه فقال : الحمد لله الذي لم أكن ، ثم سأل بعضهم عن معنى قوله هذا ، فقال : معناه كيف كنت أستحق سماع النداء من الحق وجوابه فأجابه الحق عناء اللطف ونيابته عناء ، ثم قال سهل في قوله (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ) : عرضنا عليه لأمته ما أبى علينا فخصصنا به أمتك من قراءة الكتاب حفظا والصلاة في غير المحاريب ، كنا ننوب عنك وعن أمتك قبل الإيجاد.
(وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ (٥٥))
قوله تعالى (وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ) : كلّ كلام بغير خطاب الحال والواقعة فهو لغو.
قال يوسف بن الحسين : اللغو ما يشغلك عن العبادة.
وقال حمدون : اللغو ذكر الخلق.
(إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (٥٦))
قوله تعالى (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) : الهداية مقرونة بإرادة الأزل ، ولو كان إرادة نبينا محمد صلىاللهعليهوسلم في حق أبي طالب مقرونة بإرادة الأزل لكان مهتديا ، ولكن كان محبته وإرادته في حقه من جهة القرابة ، ألا ترى أنه إذا قال : «اللهمّ أعزّ الإسلام بعمر» (٢) كيف أجابه؟!
قال ابن عطاء : إنك لا تسأل الهداية لمن تحبه طبعا ، وإنما تسأل الهداية لمن تحبه فتكون محبتك له حقيقة ؛ لأنك لا تحب على الحقيقة إلا من تحبه ، حاشا لنبينا المخالفة.
__________________
(١) هو من الأحاديث التي ذكرها المصنف في كتبه ، ولم نقف على من خرجه.
(٢) رواه ابن ماجه (١ / ٣٩) ، وابن حبان (١٥ / ٣٠٦).