سطوات العظمة ، ولم يحق له الجنة بعد ذلك ، لذلك قيل (اهبط) وقيل في القصة أن موسى لما سمع كلام الحق سبحانه غشى عليه ، فأرسل الله إليه الملائكة حتى روّحوه بمراوح الأنس ، كان هذا في ابتداء الأمر والمبتدئ مرفوق به ، وفي المرة الأخرى خرّ موسى صعقا وكان يفيق والملائكة تقول له : يا ابن الحيض مثلك من يسأل الرؤية يا ليت لو يعلم الملائكة أين موسى هناك لم يعيروه ؛ فإن موسى كان في أول الأحوال مريدا ، وفي الآخر مرادا مطلوبا طلبه الحق واصطفاه لنفسه ، وقال (وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي) ، وهيجه إلى سؤال رؤية بعد أن ناجاه ، وناداه بأصوات اللطف ، وقال (إِنِّي أَنَا اللهُ) ، فشاهد موسى بين الجلال والجمال حقيقة الذات ، فظن أنه خارج الحجاب من غلبة العيان قال : (رَبِّ أَرِنِي) ، فأجابه الحق وقال (لَنْ تَرانِي) أي : أنت في مشاهد وتراني ، فمن أين تطلبني وها أنا في عينك تراني بعيني؟! وفيه ألف الاستفهام غائبة مضمرة ، لا يدركها بالفهم إلا أهل الحقائق ، فيا ليت لو يعلم الملائكة أن موسى في ذلك مراد الحق أراد أن يريه نفسه ، وهيجه إلى سؤال رؤيته ، ولو لا ذلك فمن أين يجد الحدث ظهور وجود القدم؟! وتلك الصعقة لموسى أنه كان في بداية الخطاب طمع الرؤية ، فلما تجلى الحق سبحانه للجبل له واسطة طمع وصول حقيقة القدم ، فماج بحر الربوبية موجا ، فألقت موسى إلى سراب الحيرة حتى صعق ، كما كان آدم يراه من الشجرة ، فتعربد كما تعربد الكليم ، فأهبطه من دار الوصلة إلى دار المحبة ، وكذا يكون من أقبل الأزل بنعت الأجل وصارع مع أسد القدم بوصف العدم :
نديمي غير منسوب إلى شيء من الحيف |
|
سقاني مثل ما يشرب كفعل الضيف بالضيف |
فلما دارت الكأس دعا بالنّطع والسيف |
|
كذا من يشرب الرّاح مع التنين في الصيف |
قيل : في البداية لطف ، وفي النهاية عنف ، ويقال : في الأول ختل ، وفي الآخر قتل.
وقال الأستاذ في وصف الشجرة : الشجرة هي شجرة الوصلة ، ثمرتها القربة ، أصلها في أرض المحبة ، وفرعها باسق في سماء الصفوة ، أوراقها الزلفى ، أزهارها وأنوارها تنفتق عن نسيم الروح والبهجة.
(وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (٣٤))
قوله تعالى (وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً) : افهم أن مقام الفصاحة هو