قال رويم في قوله (وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ) : مياه الرحمة والعناية لا تخلو من الواردين والطالبين والعاكفين عليها ، فمن أيّد بالعناية سقي ماء الرحمة ، ومن أيّد بالشفقة سقي ماء العناية ، ومن أيّد بالكلاءة سقي من ماء المعرفة ، ومن أيّد بالأنس سقي من ماء المحبة ، ومن أيّد بالصدق سقي من ماء الصفاء ، وكل وارد مياه الحضرة يسقى على مقدار عطشه ، فمنهم من يروي من عطشه ، ومنهم من يزيد عطشا وهيمانا ، وكلما ازداد من الشرب ازداد من الظمأ ، كما حكي عن أيوب عليهالسلام أنه قال : [من يشبع من رحمتك] كذلك قيل : والمشرب كثير الزحام.
شربت الحب كاسا بعد كاس |
|
فما نفد الشراب ولا رويت |
قال الأستاذ : ورد بقلبه موارد الأنس ، والموارد المختلفة مورد القلوب رياض البسط لكشوفات المحاضرة ، فيطرفون لأنواع الملاطفات ومورد الأرواح مشاهدة الأرواح ، فيكاشفون بأنوار المشاهدة ، ويسقطون عن الإحساس والنفس ، وموارد الأسرار ساحات التوحيد ، فعند ذلك الولاية لله فلا نفس ولا حسّ ولا قلب ، ولا أنس ، استهلاك في الصمدية وفناء بالكلية ، ويقال في قوله : (تَوَلَّى إِلَى الظِّلِ) أي : إلى ظل الأنس وروح البسط واستقلال السر بحقيقة الوجود.
(فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا فَلَمَّا جاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٢٥) قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (٢٦) قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (٢٧) قالَ ذلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ وَاللهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ (٢٨))
قوله تعالى : (فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ) الحياء صفة الكرام لكن ، هاهنا زيادة على حكم الحياء ؛ ولأن تلك السلالة المقدسة لما رأت الكليم عليهالسلام استغرقت في أنوار ما كسا وجهه من صولة الموسوية ، وما ألبسه من نور العظمة فتحاشت واستحيت مما رأت منه بنور الفراسة ، ذلك النور من أهلية المحبة بين روحها وروح الكليم ، قال تعالى (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي) معناه كل من رآه أحبه واستأنس.
قال أبو بكر بن طاهر : لتمام إيمانها وشرف عنصرها وكريم نسبها أتته على استحياء ،