قوله تعالى : (وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي) رأى الحق سبحانه أم موسى في أول الخطاب فزعة ضعيفة الحال في رؤية أنوار إحاطة الحق بجميع الوجود ؛ فأمرها أن ترضعه ، وبعد ذلك أمرها بأن تلقيه في البحر بغير الإرضاع تسليما محضا ، لكن سبقت حكمته الأزلية في نظام تدابير الخليقة أي : إذا خفت عليه ، فألقيه في بحار الرضا والتسليم ، وانظري بعيون الأنوار إلى مشاهد الأقدار ؛ فإني أربيه بكشف مشاهدتي ، ولذة خطابي ، وأجعله من المخبرين عني ، وأجعله إماما لطلاب وصالي ، قال الله تعالى : (إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ.)
قال الجنيد : إذا خفت حفظه بواسطة ؛ فسلميه إلينا ، وأقطع عنه شفقتك ، وتدبيرك ليكون مسلمة إلى تدبيرنا فيه ، وحفظنا له.
قال أبو بكر بن طاهر : أي : لا تخافي خلف الوعد ، ولا تحزني على غيبوبة الولد.
(وَقالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٩))
قوله تعالى : (وَقالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ) إن الله سبحانه ألبس وجه موسى نور قدسه ، ولطائف ملاحة نور محبته ؛ فرأت امرأة فرعون ذلك النور والبرهان على وجه موسى ، فقالت : (قُرَّتُ عَيْنٍ لِي) ؛ لأني أرى في وجهه أنوار صفات الحق ، ولك أن تراها بعين اليقين والإيمان ، وحقيقة ذلك أن وجوه الأنبياء والأولياء مرائي أنوار الذات والصفات ، ينتفع بتلك الأنوار الكافر والمؤمن ؛ لأن معها لذة حالية نقدية ، وإن لم يعرفوا حقائقها.
قال ابن عطاء : (قُرَّتُ عَيْنٍ لِي) أشارت إلى الحق ، (وَلَكَ لا) ؛ لأنك كفرت وأشركت.
(وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (١٠) وَقالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (١١))
قوله تعالى : (وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً) وقع على أم موسى ما وقع على آسية بأنها رأت أنوار الحق من وجه موسى ، فعشقت عليه ، ولم يبق في فؤادها صبر من الشوق إلى وجه موسى ، وذلك الشوق من شوق لقاء الله ، فغلب عليها شوقه ، وكادت تبدي سرها (إِنْ