وقال الأستاذ : الطاء يشير إلى طهارة نفس العارفين عن عبادة غير الله ، وطهارة قلوب العارفين عن تعظيم غير الله ، وطهارة أرواح المواجدين عن محبة غير الله ، وطهارة أسرار الموحدين عن شهود غير الله.
قوله تعالى : (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ) إن فرعون النفس الأمّارة تكبر في الأرض القلوب من قوة ما عليها ، من قوة لباس القهر ، وغلبت على الهواء ، واستولت على العقل القدسي بإنفاذ شهوات الإنسانية الشيطانية ، ثم هيجت صاحبها بعد تطاولها بالدعاوى الباطلة كدأب فرعون أخبر عن نفسه ما ليس فيه بعد أن احتجب بجهله عن الحق.
قال الجنيد في تفسير هذه الآية : ادعى ما ليس له.
(وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ (٥) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ (٦))
قوله تعالى : (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ) حقيقة الإشارة إلى تخليص الأرواح الملكوتية عن حبس شهوات الناسوتية ، لنجعلها في سبيل معارف الآزال والآباد قادة للعقول الهائمة بنعت الذكر والفكر في طلب الوصول في ميادين الآيات ، وتكون وارثة لمواريث المشاهدات ، أراد الحق سبحانه أن يكون القوم أئمة المعارف وسادات الكواشف يقتدي بهم في الطريقة بطلب الحقيقة.
قال الجنيد في قوله : (وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً) هداة نصحاء خيار أبرار أتقياء سادة نجباء حكماء كراماء أولئك الذين جعلهم الله أعلاما للخلق منشورة ، ومنارا للهدى منصوبة ، هم علماء المسلمين ، وأئمة المتقين ، بهم في شرائع الدين يقتدى ، وبنورهم من ظلمات الجهل يهتدى ، وبضياء علومهم في المسلمات يستضاء ، جعلهم الله رحمة لعباده ، وبركة في أقطار بلاده ؛ يعلم بهم الجاهل ، ويذكر بهم الغافل ، من اتبع آثارهم اهتدى ، ومن اقتدى بسيرتهم سعد ، أحياهم الله حياة طيبة ، وأخرجهم من الدنيا على السلامة منها ، خواتيم أمورهم أفضلها ، وآخر أعمالهم أكملها.
(وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (٧) فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ (٨))