كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ) ، وقوله : (فارِغاً) من هلاك موسى لكن لم يكن فارغا من الشوق إلى لقاء موسى ؛ لأن شوق موسى وسيلة إلى شوق الله ، وكشف لقائه ، فلما قل صبرها في فراق موسى ثبّت الله قلبها بكشف جماله صرفا ، وذلك قوله سبحانه : (لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (١٠) من المشاهدين جمالنا وجلالنا.
قال ابن عطاء : أصبح فؤاد أم موسى فارغا عن الاهتمام بموسى لما أيقنت من ضمان الله لها فيه بقوله : (إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ) ، (إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ) أي : تظهر ما أوحي إليها في السر من حفظ موسى ورده إليها ، ومنعه أيدي الظلمة عنه.
قال فياض : الصدر معدن الآفة ، والقلب معدن الصحة ، والفؤاد برزخ بين الصدر والقلب ، والقلب معدن الأنوار.
وقال جعفر الصادق : الصدر معدن التسليم ، والقلب معدن اليقين ، والفؤاد معدن النظر ، والصدر معدن السر ، والنفس مأوى كل حسنة سيئة.
قال بعضهم : في قوله : (لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها) لولا أن أيدناها بالتوفيق والصبر لأبدت ما في ضميرها من الوجد بولدها ، وافهم أن الصدر معدن نور الإسلام ، والقلب معدن نور الإيقان ، والفؤاد معدن نور العرفان ، والعقل معدن نور البرهان ، والنفس معدن القهر والامتحان ، والروح معدن الكشف والعيان ، والسر معدن لطائف البيان ، ذكرت ذلك بمفهوم خطاب الغيب موافقة لأئمتي وسادتي.
(وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ (١٢) فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (١٣))
قوله تعالى : (وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ) سقى الله روح موسى ألبان المعرفة من ثدي الوصلة ، حين أخرجنا من العدم بنور القدم ، وحرم عليها مراضع الأكوان والحدثان ، ومنعها من الاستئناس بغيره من العرش إلى الثرى ؛ لذلك أشار في القصة (أَنْ أَرْضِعِيهِ) ولولا رضاعه الأول لاشتغل بإتيان غير مرضعته ، فسقيه لبن المعرفة فطامه عن كل شيء سواه.
قال بعضهم : إشارة إلى العارف ؛ فإنه لا يصلح لبساط القربة من لم يكن مرضعا برضاعة الأنس ، فمن كان رضيع مخالفة ، أو رضيع وحشة ، فإنه لا يصلح لبساط القربة ، ألا ترى الكليم لما كان فيه تدبير الخصوصية بالكلام كيف حرم عليه المراضع.