سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ (١٦) يَعِظُكُمُ اللهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٧) وَيُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١٨) إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (١٩))
قوله تعالى : (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ) زجر المدعين الذين يتكلمون بلسان الصديقين ، ويخبرون بالتقليد عن أحوال المقربين ، ويعتقدون أن ما يقولون حالهم ، ويكذبون على الله ، ويظنون أن ذلك ليس بعظيم ، حاشا أن يقع الزور والبهتان موقع الحقائق والعرفان ، وأن يكون محالهم وبهتانهم ليس بعظيم عند الله إذ عظمة الله بقوله : (سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ) (١٦) (١) ثم أخبر أنه عظّمه ، فهم يصغرونه من جهلهم بغيرة الله بقوله : (وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ) يا ليت لو يعلم المدعي الجاهل أن الكل مع شرائف أحوالهم ، وفصاحة لسانهم في التوحيد ، واطلاع قلوبهم على مراتب الحقيقة مندرجون تحت هذه الآية التي أخبرت عن غيرته بوصف جلاله وعزة عظمته بأنه ممتنع بذاته عن مقالة كل واصف صفته ، وكل عارف بقلبه نعته ؛ إذ نعته ووصفه لا يدخلان تحت عبارة أهل الحدثان.
قال الحسين في بعض مناجاته : إلهي أنزّهك عما يقول فيك أولياؤك وأعداؤك جميعا.
وقال عبد الله بن المبارك : ما أرى هذه الآية نزلت إلا فيمن اعتاد الدعاوى العظيمة ، ويجترئ على ربه في الإخبار عن أحوال الأنبياء والأكابر ، ولا يمنعه من ذلك هيبة ربه ولا حياؤه.
وقال الترمذي : من تهاون بما يجري عليه من الدعاوي ؛ فقد صغّر ما عظّم الله إن الله سبحانه وتعالى يقول : (وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ) (١٥).
(وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (٢٠) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلكِنَّ اللهَ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢١))
__________________
(١) لعظمة المبهوت عليه ، واستحالة صدقه ، فإنّ حقارة الذنوب وعظمتها باعتبار متعلقاتها ، البحر المديد (٤ / ٢٢٤).