قوله تعالى : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً) بيّن أن تطهير العباد من الذنوب لا يكون إلا بفضله السابق ، وعنايته الأزلية ، كيف يزكي العلل ما يكون عللا ، فالمعلول لا يظهر المعلول ، والمعلول أفعال الحدثان على كل صنف ، ولطف القديم غير معلول له استحقاق ذهاب العلل بوصوله.
قال السياري : قال الله : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ) ، ولم يقل : لولا عبادتكم وصلاتكم وجهادكم ، وحسن قيامكم بأمر الله ما نجا منكم من أحد ؛ ليعلم أن العبادات ، وإن كثرت ؛ فإنها من نتائج الفضل.
(وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٢) إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٢٣) يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٤) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (٢٥))
قوله تعالى : (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ) فيه بيان تأديب الله للشيوخ والأكابر ألا يهجروا صاحب العثرات ، وأهل الزلات من المريدين ، ويتخلقوا بخلق الله حيث يغفر الذنوب العظام ، ولا يبالي ، وأعلمهم ألا يكفوا أعطافهم عنهم ، ويخبرونهم ما وقع لهم من أحكام الغيب ؛ فإن من له استعداد لا يحتجب بعوارض البشرية عن أحكام الطريقة أبدا ، والعفو والصفح حالان شريفان ، فأما العفو الإعراض عما جرى من الزلة ، والصفح : الستر على ما يقع بعد الزلة في وقت الامتحان من المحنة ، فلا يذكر حال الماضي ، ولا يأخذ بما يأتي.
قال بعضهم : العفو هو الستر على ما مضى ، وترك التأديب فيما بقي.
وقال الجرجاني : الصفح هو الإغماض عن المكروه.
(الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٢٦) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٢٧) فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها أَحَداً فَلا تَدْخُلُوها حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكى لَكُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (٢٨)