فرعون حتى يكون مشغولا عن حدة الاتحاد ، ولولا الرسالة والإبلاغ لفني في شهود الكبرياء ؛ لذلك قال : (اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى) (١٧) ، حيث يدّعي ما ليس له ، إذ هو رأى على نفسه عكس قهر القدم ، فظن أنه هو في الربوبية ، ولم يعرف أن القهر يمنعه عن الوصول إلى الأزل بالاتصاف ، فإغراء موسى عليه ؛ ليدمر عليه بعزته ، ويكذبه بالعلامة الصحيحة الإلهية الربانية مثل العصا واليد البيضاء ، وإرسال موسى إلى فرعون موضع الامتحان والتعريف بالامتنان والفرقان بين العرفان والخذلان ، ونجاة أهل الإيمان من بين أهل الطغيان.
قال سهل في قوله : (إِذْ ناداهُ رَبُّهُ) : جوّع نفسه طائعا تعبدا ، ثم نادى ؛ ليكون النداء أبلغ.
وقال أبو عثمان : طوى أياما قبل القصد ، ثم قصد طاويا مقدسا ، فطوى الوادي المقدس ، فناداه ربه على التقديس.
قال الصبيحي في قوله : (اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ) : الإشارة إلى فرعون ، وهو المبعوث إلى السحرة ، فإن الله لم يرسل أنبياءه إلى أعدائه ، ولم يكن لأعدائه من الخطر ما يرسل إليهم أنبياءه ، ولكن يبعث إليهم الأنبياء ؛ ليخرج أولياءه المؤمنين من بين أعدائه الكفرة.
(فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى (١٨) وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى (١٩) فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى (٢٠) فَكَذَّبَ وَعَصى (٢١) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعى (٢٢) فَحَشَرَ فَنادى (٢٣) فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى (٢٤) فَأَخَذَهُ اللهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى (٢٥) إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى (٢٦) أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها (٢٧) رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها (٢٨) وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها (٢٩) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها (٣٠) أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها (٣١) وَالْجِبالَ أَرْساها (٣٢) مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ (٣٣) فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى (٣٤) يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ ما سَعى (٣٥) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى (٣٦) فَأَمَّا مَنْ طَغى (٣٧) وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا (٣٨) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى (٣٩))
قوله تعالى : (فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى (١٨) وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى) (١٩) : فيه بيان أن : المزكّى المطهّر هو المهدي يخشى الله لوجود علمه بالله ، ومن كان جاهلا بالله لم يخش من الله ، وهذا امتحان من الله ؛ لقطع حجته ، ولم تخف على الله سوء عاقبته.
قال ابن عطاء : هل لك أن أطهرك من الجنايات التي تلطخت بها ، وأردّك إلى حد العبودية التي بها الفخر والنجاة.