وقال الترمذي : الخشية ميراث صحة الهداية ، ألا ترى الله يقول : (وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى.)
قوله تعالى : (فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى) (٢٠) : انظر كيف أشار سبحانه رمزا عجيبا في هذه الآية أنه أراه آية صرفا ، ولو أراه أنوار الصفات في الآيات لم يكفر ، ولم يدّع الربوبية ؛ إذ هناك موضع المحبة والعشق والإذعان ؛ لأن رؤية الصفات تقتضي التواضع ، ورؤية الذات تقتضي العربدة ، فكان هو محجوبا برؤية الآيات عن رؤية الصفات ، فلما لم يكن معها حظ شهود نور الصفة لم ينل على رؤيتها حظ المحبة ، ولم يأت منها الانقياد والإذعان ؛ لذلك قال سبحانه : (فَكَذَّبَ وَعَصى) (٢١).
قوله تعالى : (فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) (٢٤) : ألبس الله نعوت قهره نفس فرعون ، وظهرت تلك النعوت لها بوصف الشهوة والحلاوة من تأثير مباشرتها ، فسكرت نفسه بشرب القهر ، فصارت متمردة عاصية كافرة ، تدّعي الربوبية ، ولم يعلم الكافر أنها لباسات عارية.
سئل الواسطي : لماذا خلق الله المعاصي وأظهرها وأظهر هذه الألفاظ التي لا تليق بالربوبية؟ قال : لأنه لم يؤثر على الذات ما أظهر في الحدث من الصفات ؛ لأن الصمدية ممتنعة عن الإشارات فضلا عن العبارات.
قوله تعالى : (فَأَخَذَهُ اللهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى) (٢٥) : لما لم يكن صادقا افتضح في الدنيا والآخرة ، وهكذا كل من يدعي ما ليس من المقامات.
قال بشر : أنطق الله لسانه بالعريض من الدعاوي ، وأخلاه من حقائقها.
وقال السري : العبد إذا تزين بزي السيد صار نكالا ، ألا ترى كيف ذكر الله في قصة فرعون لما ادعى الربوبية ، (فَأَخَذَهُ اللهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى) ، كذّبه كل شيء حتى نفسه.
(وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى (٤٠) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى (٤١) يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها (٤٢) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها (٤٣) إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها (٤٤) إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها (٤٥) كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها (٤٦))
قوله تعالى : (وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى (٤٠) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى) (٤١) : خاطب العباد بهذه الآية في أوائل مقاماتهم حين وجب عليه تزكية النفوس عن شره هواها والميل إلى حظوظها ؛ لأنهم في وقت قصودهم إلى الله لا يجوز لهم الرخص والرفاهية ، فقد وجب عليهم الإعراض عن حظوظ أنفسهم خوفا من الاحتجاب بها عن الوصول إلى الله ، ولعلمهم بأنه تعالى يحيط بحركات شهوات نفوسهم الخفيّة حين تميل