قال ابن عطاء : «سبحان الله» : أعظم من أن يلحقه تسبيحك ، أو يحتاج إلى شيء منك ، لكنه شرف عبيده أن أمرهم أن يسبّحوه ؛ ليظهروا أنفسهم مما ينزهونه به.
(فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ (٧٥) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (٧٦) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (٧٧) فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ (٧٨))
قوله تعالى : (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ) : أقسم الله سبحانه بمواقع أنوار نجوم صفاته إذا ظهرت منه ، فتعود إلى معادنها من ذاته سبحات ، منه بدأت وإليه تعود ، فالنجوم صفاته ، ومواقعها ذاته ، لذلك قال : (وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) : عظم لعظمة جلاله ، وعظم جلاله ، وأيضا أقسم بمواضع نجوم صفاته من أرواح الأنبياء والمرسلين ، والأولياء ، والصديقين إذا تجلّت لها ، وأيضا أقسم بقلوب العارفين أنها مواقع نجوم خطابه ، وأيضا أقسم بمواقع نجوم القرآن من أسرار حبيبه عليه الصلاة والسلام ؛ لأن قلبه مسقط الوحي ، وبيت الخطاب ، وموضع كشف الأسرار ، ومرآة حقائق الأنوار ، أقسم به لعظمة عند الله.
وفي هذا المعنى قال ابن عطاء : «مواقع النجوم» : هي مواقع ما يظهر على سر النبي صلىاللهعليهوسلم من أنوار الحق ، وزوائد التحقيق مما خصّ به من الدنو ، أو وقربه والزلف التي لم يؤمر بإظهارها والإخبار عنها ؛ ولذلك قال تعالى : (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ) : كلامه القديم إذا بدا في قلبه لا يختلط به هوى الإنسانية ، ولا هواجس النفسانية ، ولا إلقاء الشيطاني ؛ لأن قلبه كان محفوظا بحفظ الله ، ورعايته عن الخطرات المذمومة ، والأوهام ، والظنون ، وكلامه محفوظا ؛ لأنه صفته القديمة المنزهة عن التغيير والتبديل ، وصفه بأنه كريم ؛ لأنه وصف الكريم القديم المنبئ عن صفاته الكريمة ، وذاته الأزلي أنزله إلى أكرم خلقه من تخلّق بخلقه يكون كريما في الدارين ، ومن فهم حقائقه يكون إماما في الثقلين.
قال بعضهم : «كريم» : لأنه يدل على مكارم الأخلاق ، ومعاني الأمور ، وشرائف الأفعال.
وقيل : «كريم» ؛ لنزوله من عند كريم ، بوساطة كريم ، إلى أكرم الخلق طرّا أجمعين.
(لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ (٧٩) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٨٠) أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ (٨١) وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (٨٢) فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (٨٣) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (٨٤))
قوله تعالى : (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) أي : لا تنكشف أسراره وأنواره إلا للمقدسين بقدس الله عما دون الله ، وهم أهل القرآن ، وأهل الله وخاصته.